من لايستطيع صيام رمضان لمرضٍ به مثلاً لكنه قد يشفى بعد ذلك أي بعد رمضان ، أي أن مرضه ليس بمزمن بل يرجى برؤه وشفاؤه منه ، فإنه ينتظر حتى يشفيه الله تعالى ثم يصم ما أفطره في رمضان سواء كان فطره للشهر بكامله أم لبعض الأيام منه ، ولا يجزيء عنه غير ذلك ، أي لا يرفع عنه الإثم . وأما إن كان هذا المريض مرضه مزمن ولا يرجى برؤه ولا يرجى شفاؤه ، فإن هذا المريض يطعم عن كل يوم يفطره صائماً ، ويكون هذا الإطعام وجبة إفطار ، ولا يصح أن يخرج مالاً ، بل يجب عليه أن يطعم أي يأتي بطعام لهذا الصائم ويعطيه إياه . ومن الممكن أن يطعم هذا الفقير أو المسكين عن كل أيام فطره مادام يعرف أنه فقير أو مسكين ، ومن الممكن أن يطعم أسرة أكثر من مرة . أي لا يلزم أن يطعم ثلاثين فرداً مختلفاً عن الثلاثين يوماً من رمضان مثلاً . لا بل من الممكن أن يعطيها لأسرة واحدة فقيرة أو مسكينة . ومن الممكن أن يطعم كل يوم عن كل يوم يفطره ، ومن الممكن أن يطعم عن الثلاثين يوماً مرة واحدة . وقدرة الإنسان على الصيام وعدم القدرة يتوقف على الإنسان فإن كان هذا المريض لا يستطيع الصيام بصدقٍ ، أو هذا الصيام يزيد في مرضه أو يؤلمه ألماً شديداً فله أن يفطر برخصة المرض ، وأما إن كان مريضاً ويستطيع أن يصوم وقال له الطبيب لا تصم وحالته لا تتضرر بالصوم فلا يأخذ بقول الطبيب ، وأما إن كان الطبيب يدعي أن الصيام يعرضه للهلاك ، أو يزيد في مرضه والمريض يرى أن حاله تكون افضل بالصيام أرى والله تعالى أعلم أنه يصوم ، لكن ليسأل طبيباً تقياً ورعاً عن حالتههل حقاً ستسوء بالصيام ، وهل هو حقاً لا يتحمل الصيام لمرضه ، ولا يأخذ الكلام من أي طبيب هكذا لأن الأطباء الآن يفتون في غالب الأحوال بعدم الصوم للمرضى حتى وإن كانت حالتهم لا تستدعي ذلك إلا من رحم الله جل وعلا . والطبيب يصف حالة المريض فقط ولا يفتي فالفتوى ليست من شأنه بل هي من شأن أهل العلم ، فما يجب عليه أن يصف حالة المريض وهل هي ستتضرر بالصيام أم لا . كما أن هناك بعض الأطباء يعظمون خطر صيام المريض وقد لا يكونوا صادقين في ذلك ، فالمريض يستشير طبيباً صادقاً تقياً ورعاً ، فإن قال له الصوم يزيد في مرضك ، ويجب أن تأخذ دواءك في وقته ، وإلا ازددت حالتك سوءاً أفطر المريض . وإن قال له من الممكن أن تصوم ولا بأس أو قال له هل أنت تشعر بالتعب في أثناء الصيام فإن أجاب المريض بلا أشعر بتعبٍ أو مشقة ، وقال له الطبيب إذاً إن أردت أن تصوم فصم وإن لم ترد فلا تصم . فالواجب على هذا المريض بل والفرض أن يصوم مادام أنه لا يتضرر من الصيام .
وأما بالنسبة للحامل التي تقول بأنها لا تستطيع الصيام وهي حامل لأن هذا يجهدها ويتعبها كثيراً ، أو المرضع فإن كانتا بصدقٍ لا يستطيعا الصيام أي أنهما يشعران بالتعب الشديد فقد رخص الشارع لهما الفطر ، ويجب عليهما أن يصوما ما أفطرتاه بعد رمضان بعد انتهاء الحمل ، أو انتهاء الرضاعة . وأنا أقول التعب الشديد لأنه ليس كل تعب يباح معه الفطر ، كما أنه ليس كل مرضٍ يباح معه الفطر ، فهناك الكثير من الناس ليس بمريض ولكنه يجد مشقة في الصيام فهل يباح له الفطر عندئذٍ ! والله تعالى أعلم بالقلوب وبالسرائر ، فإن أخفى الإنسان شيئاً عن العالم الذي يسأله ليبيح له الفطر فالله تعالى يعلم ما في القلوب والسرائر . فمن يخادع فهو يخادع نفسه لا غيرها . فإن أفطرت المرضع أو الحامل في رمضان لمشقة الصيام عليها أعادت صيام تلك الأيام بعد رمضان . فإن مرضت مرضاً مزمناً لا تستطيع الصيام معه ولا يرجى الشفاء منه قبل أن تعيد صيام هذه الأيام تطعم كالمريض عن كل يوم مسكيناً أو فقيراً . وأما إذا كانت مريضة مرضاً يرجى الشفاء منه انتظرت حتى يشفيها الله تعالى ثم تصم ما عليها من أيام . وأما من يوجبون عليها الكفارة والصيام فلا دليل لديهم على ذلك ، وكذلك من يقولون بأن الحامل والمرضع تخرج الكفارة ولا تصم لا دليل لهم على قولهم من كتاب الله تعالى ولا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنهم أخذوا بقول ابن عباس رضي الله تعالى عنه . فالواجب إما الصيام عند المقدرة على الصوم وإما الكفارة عند عدم المقدرة على الصوم ، ولا يجمع بين الصيام والكفارة التي هي الإطعام ، قال الله تعالى : ( فمن كان منكم مريضاً أو على سفرٍ فعدة من أيام أخر ) . وكما هم معلوم المسافر له رخصة الفطر حتى وإن لم يشق عليه الصيام ، ولكن إن صام كان خيراً له إن كان لا يجد مشقة في الصوم أثناء السفر ، وإن وجد مشقة كان الفطر أفضل ، قال الله تعالى : ( وأن تصوموا خير لكم )