اقرب الناس شبها بخلق رسول الله

من طرف **Admin** الثلاثاء 06 نوفمبر 2012, 1:14 am

عبـــد اللـــه بـن مســـعود

نشأ عبد الله بن مسعود فى بادية نجد وكان أبوه مسعود بن غافل من هذيل
وكانت أمه " أم عبد " من بنى زهرة من قريش ولذا كان الاسم الذى اشتهر به هو
ابن أم عبد . وعندما فقد أباه فى مطلع شبابه وضاقت به سبل العيش شد الرحال
الى مكة حيث يقيم أخواله من بنى زهرة . وذات يوم وبينما كان ابن مسعود
يرعى غنما لعقبة بن أبى معيط فى ظاهر مكة مر عليه رجلان لا يعرفهما فسأله
أحدهما " يا غلام هل عندك لبن تسقينا فأنا ظماء ؟ " فقال ابن مسعود " إنى
مؤتمن ولن أسقيكما " وقال له الرجل الآخر " هل عندك من شاة حائل لم ينزل
عليها الفحل ؟ " فقال ابن مسعود نعم وعاد ومعه شاة فاعتقلها الرجل ومسح
الضرع بكفه ودعا بعبارات لم يسمع الغلام بمثلها من قبل وسرعان ما حفل الضرع
فأتاه صاحبه بصخرة متقعرة فحلب فيها ولما شرب الثلاثة قال الرجل للضرع
أقلص فعاد الضرع كعهده . ومضى الرجلان وقد تركا ابن مسعود واجما مذهولا وقد
انعقد لسانه وامتلأت نفسه بمشاعر غريبة لم يألفها من قبل . وانصرف الفتى
عن رعى الغنم وراح يجوب أنحاء مكة يلتمس ذلك الرجل الذى صنع أمامه تلك
المعجزة وحينما جلس بين يديه قال له " علمنى من هذا الكلام الذى سمعته منك
أمس " فابتسم الرجل وقال له " إنك غلام معلم " وعرف ابن مسعود ان محدثه هو
الرسول صلى الله عليه وسلم وان صاحبه الذى كان يرافقه بالأمس هو أبو بكر
الصديق . وكتب الله لابن مسعود منذ هذه اللحظة الهداية فأضحى من السابقين
الأولين فى الاسلام وصدقت فيه نبوءة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد علمه
ربه حتى صار فقيه الأمة وخير حفظة القرآن جميعا . ولم يلبث ابن مسعود حتى
غدا من أقرب الناس إلى الرسول صلى الله عليه وسلم يمضى بجواره أغلب وقته
ويحفظ ما يقوله من الآيات التى أنزلها عليه ربه وكان دائم التنقل فى أنحاء
مكة ويذيع فى مجالسها ما سمعه من نبيه فقد منحه الله موهبة الحفظ والصوت
العذب والأداء الخاشع للقرآن حتى ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوصى
أصحابه بأن يقتدوا بابن مسعود وأن يتعلموا منه كيف يتلون القرآن قائلا لهم "
من أحب أن يسمع القرآن غضا كما أنزل فليسمعه من ابن أم عبد " .
ولم
يكن فى حسبان أحد من أهل مكة ان ابن مسعود الضعيف الفقير الأجير الذى كان
يرعى الغنم يمكن أن يتحدى قريشا بجاهها وسلطانها فقد اجتمع يوما أصحاب
الرسول صلى الله عليه وسلم وقالوا : " والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر
به قط فمن رجل يسمعهم إياه فقال ابن مسعود - أنا - قالوا - أنا نخشى عليك
إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه القوم إن أرادوه - قال : دعونى فإن الله
سيمنعنى " . وغدا ابن مسعود حتى أتى الكعبة وعندما بلغ المقام بدأ يتلو
سورة الرحمن رافعا صوته والقوم من حوله مشدوهون لما يجرى وقال بعضهم :"
ماذا يقول ابن أم عبد ؟ انه ليتلو بعض ما جاء به محمد " وقاموا اليه غاضبين
وانهالت عليه ضرباتهم وصفعاتهم وهو ماض فى قراءته دون توقف حتى أكمل
السورة وعاد إلى أصحابه وهو مثخن الجراح وعندما اعتزم أن يكرر ما فعله فى
اليوم الثانى قال له أصحابه : " حسبك فقد اسمعتهم ما يكرهون " .
وعقب
هجرته الى المدينة كان ابن مسعود أكثر أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم قربا
منه وأشدهم اتصالا به وموضع سره ونجواه حتى خيل لبعض الصحابة ان ابن مسعود
كان من أهل بيته ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤثره ويكبره ويحب
فيه ورعه وفطنته وعظمة نفسه حتى قال ذات يوم : " لو كنت مؤثرا أحدا دون
شورى المسلمين لأمرت ابن أم عبد " . وشهد ابن مسعود مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم معظم المشاهد والغزوات وكان له يوم بدر موقف لا ينسى فعندما
أوشكت المعركة على نهايتها رأى ابن مسعود أبا جهل ممددا على الأرض وهو فى
الرمق الأخير بعد أن صرعه ابنا عفراء فجلس على صدره وقال له " هل أخزاك
الله يا عدو الله ؟ " فرد أبو جهل قائلا " لقد ارتقيت يا رويعى الغنم مرتقى
صعبا " فاجتز ابن مسعود رأسه وأنبأ النبى صلى الله عليه وسلم بمصرع عدو
الله فكبر النبى صلى الله عليه وسلم وكبر المسلمون من حوله .
وبعد
وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم خرج ابن مسعود غازيا إلى الشام مع جيوش
المسلمين وأقام بعد الفتح فى مدينة حمص . واراد خليفة المسلمين عمر بن
الخطاب أن ينجز بعض ما وعد الله سبحانه وتعالى المستضعفين فى الأرض مصداقا
لقوله تعالى " ونريد أن نمن على الذين استضعفوا فى الأرض ونجعلهم أئمة
ونجعلهم الوارثين " فولاه أمير المؤمنين عمر على بيت مال الكوفة وقال
لأهلها " انى والله الذى لا إله إلا هو قد آثرتكم به على نفسى فخذوا منه
وتعلموا " . وبقى ابن مسعود فى الكوفة يحمل أمانة بيت المال ويقرئ الناس
القرآن ويعظهم عشية كل خميس ولم يكن يخاف شيئا كما كان يخاف الرواية عن
النبى خشية من قوله عليه الصلاة والسلام " من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده
من النار " وجرى مرة على لسان ابن مسعود وهو يعظ الناس قوله : " سمعت رسول
الله صلى الله عليه وسلم يقول ..... " ولم يكد يقول هذا حتى أخذته رعدة
عنيفة اضطرب لها جسمه وتصبب العرق على جبهته ولم يلبث ان قال " أو نحو ذا
أو شبه ذا " .
وعندما اختلف معه الخليفة عثمان بن عفان وعزله عن الكوفة
أحاط به أهلها وقالوا له " أقم معنا ولا تخرج ونحن نمنعك أن يصل إليك شئ
تكرهه منه " . ولكن ابن مسعود بعظمة نفسه وسمو خلقه قال لهم : " ان له على
الطاعة وانها ستكون أمور وفتن ولا أحب ان أكون أول من يفتح أبوابها " .
هذه لمحة من حياة صحابى جليل عاشها صاحبها مجاهدا فى سبيل الله وفى نصرة
رسوله ودينه ، وقد قال عنه الصحابى حذيفة بن اليمان " ما رأيت أحدا أشبه
برسول الله صلى الله عليه وسلم فى هديه ودله وسمته من ابن مسعود ولقد علم
المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ان ابن ام عبد أقربهم إلى الله
زلفى " .

[وحدهم المديرون لديهم صلاحيات معاينة هذه الصورة]

الأحد	الإثنين	الثلاثاء	الأربعاء	الخميس	الجمعة	السبت
					1	2
3	4	5	6	7	8	9
10	11	12	13	14	15	16
17	18	19	20	21	22	23
24	25	26	27	28	29	30