بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 3 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 3 زائر :: 1 روبوت الفهرسة في محركات البحثلا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
الاحتفال بالمولد النبوي في ميزان الشرع
صفحة 1 من اصل 1
الاحتفال بالمولد النبوي في ميزان الشرع
الاحتفال بالمولد النبوي في ميزان الشرع
الْحَمد للَّهِ رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين المبعوث رحمة للعالمين وبعد:
فإن أكبر نعمة وأعظم مِنَّة منَّ الله بها على عباده أن بعث فيهم رسلاً مبشرين بجنات النعيم ، ومنذرين من عذاب الجحيم ، آمرين بإخلاص العبادة لله رب العالمين ، قال تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ " [النحل:36].
وأعظم هؤلاء الرسل قدراً ، وأبلغهم أثراً ، وأعلاهم منزلة ، وأرفعهم مكانة ، وأعمهم رسالة:هو خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وخليل رب العالمين ، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم ، بعثه الله بعد وقوع الناس في الضلالة والفجور، وانتشار الخرافات والبدع ، واستحكام الهوى ، ففتح به قلوباً غلفاً ، وأعيناً عمياً ، وآذاناً صماً ، وهدى به بعد الضلالة ، وألَّفَ به بعد الفُرقة ، قال تعالى : " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [الشورى:52] .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا : " عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " ، أخرجه البخاري في " صحيحه "
ولقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمته على البيضاء الواضحة ، وحثنا صلى الله عليه وسلم على التمسك بسنته ، ونهانا عن الابتداع في الدين ، والواجب على كل مسلم أن يحرص على إتباع سنة سيد المرسلين ، ويحذر من سلوك طريق المبتدعين ؛ لأنه أمام كل مسلم طريقان وليس ثمَّ طريقٌ ثالث ، طريق الشرع والسنة ، وطريق الهوى والبدعة ، فمن سلك طريق الشرع اهتدى ونجى ، وفاز بالدرجات العلى ، ومن سلك طريق الهوى ضل وغوى ، وفي دركات النار هوى ، قال تعالى : " فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [القصص:50].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى " ، قَالُوا : " يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ؟! " ، قَالَ : " مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى " ، رواه البخاري في " صحيحه "
وأما الاحتفال بالمولد النبوي فقد مضت القرون الثلاثة المفضلة ، ولم تُسجل لنا كتب التاريخ أن أحداً من الصحابة ، أو التابعين ، أو تابعيهم ، ومن جاء بعدهم مع شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكونهم أعلم الناس بالسنة ، وأحرص الناس على متابعة شرعه صلى الله عليه وسلم احتفل بمولده صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ أبو الخير السخاوي رحمه الله تعالى في " فتاويه " : " عمل المولد الشريف لم يُنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة ، وإنما حدث بعد " . " سبل الهدى والرشاد " (1/362)
وقد سُئِلَ شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر رحمه الله عن عمل المولد فأجاب بما نصه : " أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة " . " الحاوي للفتاوي " للسيوطي (1/188)
أول من أحدث هذه البدعة
قال الإمام السيوطي رحمه الله : " وأول من أحدث فعل ذلك : صاحب إرْبِلَ ، الملك المظفر ، أبو سعيد كُوكُبُري بن زين الدين علي بن بُكْتِكين ، أحد الملوك الأمجاد ، والكبراء الأجواد " . " الحاوي للفتاوي " (1/182)
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في " البداية والنهاية " (17/205) في ترجمة أبي سعيد كُوكُبُري ملك إرْبِلَ : " وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ، ويحتفل به احتفالا هائلاً ، وكان مع ذلك شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عالماً عادلاً ، رحمه الله تعالى ، وقد صنف الشيخ أبو الخطاب بنُ دِحْيةَ له مجلداً في المولد النبوي سماه " التنوير في مولد السراج المنير" ، فأجازه على ذلك بألف دينار" .
وذكر الإمام المقريزي رحمه الله في " المواعظ والاعتبار " أن للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم ، وذكر منها : مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فالصحيح : أن أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد النبوي : الفاطميون ، ثم كان أول من أظهرها بعدهم : الملك المظفر أبو سعيد كُوكُبُري ملك إرْبِلَ ـ والله أعلم .
أسباب نشأة هذه البدعة
مما لا شك فيه أن عدداً كبيراَ من الناس يحتفلون بالمولد النبوي محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن المحبة الحقيقة شرطها الاتباع كما سيأتي إن شاء الله ولكن ثمة أسباب أخرى لها دور كبير في نشأته وتأييده ودعمه قد تغيب عن كثير من الناس ومنها:
1- نشر العقائد الشيعية من خلال التذرع بحب آل البيت.
2- إفساد عقائد المسلمين ، ونشر البدع والمحرمات في الأمة الإسلامية .
3- كسب تعاطف المسلمين وإشغالهم عن دينهم ومعالي الأمور ، وصرف أنظارهم عن ما يرتكبه الأعداء بالمسلمين .
4- كسب الولاء الديني لمشايخ الصوفية .
5- السعي لنيل الشهرة والصيت من خلال الاحتفال بالمولد كما يحدث من الأغنياء .
6- الارتزاق الدنيوي كما يحدث من قبل تجار الحلوى ، ومشايخ الطرق ، والمداحيين ، والقصاصين ، والمنشدين ، والمغنيين ، والراقصات ، وغيرهم .
7- الحصول على الشهوات والمحرمات كما يحدث من الفساق والفجار في بعض هذه الاحتفالات.
وإذا نظرنا إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة نجدها ظاهرة في الدلالة على كون الاحتفال بالمولد النبوي بدعة ومن ذلك :
1ـ أن الله تعالى قد أكمل لنا الدين قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " [المائدة:3] ، وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا " ، قَالَ : " أَيُّ آيَةٍ ؟ " ، قَالَ : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا " ، قَالَ عُمَرُ : " قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ " ، رواه البخاري ومسلم ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّة الْوَدَاع الَّتِي هِيَ آخِر عَهْد الْبَعْثَة ، حِين تَمَّتْ الشَّرِيعَة وَأَرْكَانهَا ، وَقَدْ جَزَمَ السُّدِّيّ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِل بَعْد هَذِهِ الْآيَة شَيْء مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام كما في " فتح الباري " (1/106) ، فمن أتى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة جديدة مبتدعة فهو ضال مبتدع في دين الله الذي أكمله لعباده وارتضاه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم .
2ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ " ، رواه مسلم في " صحيحه ".
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده ، ولم يأمر أصحابه بذلك ، ولو كان الاحتفال بمولده من الدين الذي ارتضاه الله ، والخير الذي تنتفع الأمة بإقامته لبينه لأمته ، أو فعله في حياته ، أو فعله أصحابه.
وذكر الإمام الشاطبي رحمه الله في " الاعتصام " (2/18) عن ابن الماجشون أنه سمع مالكاً يقول : " من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ؛ لأن الله يقول " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا " ، فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً " .
3 ـ من المعلوم بالضرورة عظم محبة الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومسارعتهم لطاعة أوامره ، وحرصهم على إتباع سنته ، وتعظيمه التعظيم اللائق به من غير مبالغة ولا غلو ، واسمع لوصف عُرْوَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حال الصحابة مع رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ ، وَكِسْرَى ، وَالنَّجَاشِيِّ ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا ، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ ؛ تَعْظِيمًا لَهُ " ، رواه البخاري في " صحيحه " ، فهذا حال الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك كله لم يُنقل عن واحد منهم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم .
4 ـ أن الاحتفال بالمولد ليس من عمل السلف الصالح من القرون الثلاثة المفضلة ، وسبق وأن ذكرنا قول الحافظ ابن حجر والسخاوي رحمهما الله أن أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (25/298) : " وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ، ولم يفعلوها ".
وقال رحمه الله في " اقتضاء الصراط " (1/295) : " والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مع اختلاف الناس في مولده ، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به مِنَّا ؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيماً له مِنَّا " .
5 ـ أن الاحتفال بالمولد ـ لاسيما في صوره الحالية ـ وسيلة إلى الغلو في مدحه ، وإطرائه ، والمبالغة في تعظيمه حتى يفضي ذلك بالناس إلى دعائه ، والاستغاثة به ، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا : " عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " ، أخرجه البخاري في " صحيحه " ، ثم إن هذه الاحتفالات لا تخلو من ذكر أبيات البردة ، ومنها :
يا أكرم الناس مالي مَنْ أَلُوذُ به
سِوَاكَ عند حلول الحادث العَمِمِ
إن لم يَكُنْ في مَعادي آخذاً بيدي
فضلاً وإلاَّ فقُلْ يا زَلَّةَ القَدم
فإنَّ من جُودِكَ الدنيا وَضَرَّتها
ومن علومكَ علمَ اللوحِ والقلمِ
فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك علم اللوح والقلم من علومه ، فماذا أبقى هؤلاء المبتدعة لله تعالى ؟!! .
6 ـ أنه يوجد في عدد من الاحتفالات بالمولد النبوي في بعض البلاد محرمات كثيرة ، من استعمال الأغاني ، وآلات الطرب ، والاستهزاء بكتاب الله حيث يجمعون بين تلاوته وسماع الأغاني في هذه الاحتفالات ، وتبرج النساء ، وافتنان الرجال بهن ، والافتنان بالمردان الذين يغنون ، ويدورون بالطيب والعنبر، ويتكسرون في مشيتهم وكلامهم ورقصهم ، واختلاط الرجال بالنساء ، ومن التقرب إلى الله تعالى ـ كما يزعمون ـ بما حرمه تعالى من الرقص ، والغناء ، ، والإسراف في الموائد والأموال .
7 ـ ثم إن الاحتفال بالمولد النبوي يفتح الباب على مصراعيه للبدع الأخرى والموالد والاحتفالات كما هو حال الجهلة الآن من إقامة الاحتفالات بذكرى الهجرة ، والإسراء ، ومعركة بدر، ومولد البدوي ، والدسوقي ، والشاذلي حتى صار غالب دين هؤلاء احتفالات ، ورقص ، وغناء ، وذكريات !! .
والخلاصة أنه من أخطر البدع التي يترتب عليها مفاسد عقدية ، وسلوكية ، وأخلاقية.
حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم
إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم عقيدة راسخة في قلوب المؤمنين ، ثمرتها : الاقتداء ، والبذل ، والعطاء ، والتضحية ، والجهاد في سبيل نصرة دينه ، وإعلاء لوائه ، وحماية سنته ، ولا يوجد بين محبي الرسول صلى الله عليه وسلم مكان للعجزة النائحين ، وما أجمل قول أنس بن النضر رضي الله عنه لما مر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم ، فقال : " ما تنتظرون ؟ " ، فقالوا : " قُتِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم !! " ، فقال : " ما تصنعون في الحياة بعده ؟ ، قوموا فموتوا على ما مات عليه " . " زاد المعاد " (3/198)
واعلم أن من أحب شيئاً آثره ، وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقاً في حبه ، وكان مدعياً ، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه ، ومحبته صلى الله عليه وسلم لها علامات :
أولها : الاقتداء به ، واستعمال سنته ، وإتباع أقواله وأفعاله ، واجتناب نواهيه ، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وشاهد هذا قوله تعالى : " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ " [آل عمران:31] ، وإيثار ما شرعه وحض عليه على هوى نفسه وموافقة شهوته ، قال الله تعالى : " وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " [الحشر:9] ، فمن اتصف بهذه الصفة فهو كامل المحبة لله ورسوله ، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة .
ومن علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم : كثرة ذكره له ؛ فمن أحب شيئاً أكثر ذكره .
ومنها : كثرة شوقه إلى لقائه ؛ فكل حبيب يحب لقاء حبيبه .
ومن علاماته : مع كثرة ذكره رسول الله تعظيمه له ، وتوفيره عند ذكره تعالى ، وإظهار الخشوع والانكسار مع سماع اسمه .
ومنها : محبته لمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هو بسببه من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار ، وعداوة من عاداهم ، وبغض من أبغضهم وسبهم ، فمن أحب شيئاً أحب من يحبه .
ومنها : بغض من أبغض الله ورسوله ، ومعاداة من عاداه ، ومجانبة من خالف سنته ، وابتدع في دينه واستثقاله كل أمر يخالف شريعته ، قال الله تعالى : " لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " [المجادلة:22] .
ومنها : أن يحب القرآن الذي أتي به صلى الله عليه وسلم ، وتخلق به ، وحبه للقرآن : تلاوته ، والعمل به ، وتفهمه .
ومن علامة حبه صلى الله عليه وسلم : شفقته على أمته ، ونصحه لهم ، وسعيه في مصالحهم ، ورفع المضار عنهم كما كان صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوفاً رحيماً .
ومن علامة تمام محبته : زهد مدعيها في الدنيا ، وإيثار الفقر ، واتصافه به .
وختاماً نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما يحب ويرضى ، وأن يثبتنا على التوحيد والسنة ، ويجنبنا الشرك والبدعة ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
الْحَمد للَّهِ رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبيه الأمين المبعوث رحمة للعالمين وبعد:
فإن أكبر نعمة وأعظم مِنَّة منَّ الله بها على عباده أن بعث فيهم رسلاً مبشرين بجنات النعيم ، ومنذرين من عذاب الجحيم ، آمرين بإخلاص العبادة لله رب العالمين ، قال تعالى : " وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ " [النحل:36].
وأعظم هؤلاء الرسل قدراً ، وأبلغهم أثراً ، وأعلاهم منزلة ، وأرفعهم مكانة ، وأعمهم رسالة:هو خاتم النبيين ، وسيد المرسلين ، وخليل رب العالمين ، محمد بن عبد الله عليه أفضل الصلاة والتسليم ، بعثه الله بعد وقوع الناس في الضلالة والفجور، وانتشار الخرافات والبدع ، واستحكام الهوى ، ففتح به قلوباً غلفاً ، وأعيناً عمياً ، وآذاناً صماً ، وهدى به بعد الضلالة ، وألَّفَ به بعد الفُرقة ، قال تعالى : " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ " [الشورى:52] .
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا : " عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " ، أخرجه البخاري في " صحيحه "
ولقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم أمته على البيضاء الواضحة ، وحثنا صلى الله عليه وسلم على التمسك بسنته ، ونهانا عن الابتداع في الدين ، والواجب على كل مسلم أن يحرص على إتباع سنة سيد المرسلين ، ويحذر من سلوك طريق المبتدعين ؛ لأنه أمام كل مسلم طريقان وليس ثمَّ طريقٌ ثالث ، طريق الشرع والسنة ، وطريق الهوى والبدعة ، فمن سلك طريق الشرع اهتدى ونجى ، وفاز بالدرجات العلى ، ومن سلك طريق الهوى ضل وغوى ، وفي دركات النار هوى ، قال تعالى : " فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " [القصص:50].
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى " ، قَالُوا : " يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنْ يَأْبَى ؟! " ، قَالَ : " مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى " ، رواه البخاري في " صحيحه "
وأما الاحتفال بالمولد النبوي فقد مضت القرون الثلاثة المفضلة ، ولم تُسجل لنا كتب التاريخ أن أحداً من الصحابة ، أو التابعين ، أو تابعيهم ، ومن جاء بعدهم مع شدة محبتهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، وكونهم أعلم الناس بالسنة ، وأحرص الناس على متابعة شرعه صلى الله عليه وسلم احتفل بمولده صلى الله عليه وسلم .
قال الحافظ أبو الخير السخاوي رحمه الله تعالى في " فتاويه " : " عمل المولد الشريف لم يُنقل عن أحد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة ، وإنما حدث بعد " . " سبل الهدى والرشاد " (1/362)
وقد سُئِلَ شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر رحمه الله عن عمل المولد فأجاب بما نصه : " أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة " . " الحاوي للفتاوي " للسيوطي (1/188)
أول من أحدث هذه البدعة
قال الإمام السيوطي رحمه الله : " وأول من أحدث فعل ذلك : صاحب إرْبِلَ ، الملك المظفر ، أبو سعيد كُوكُبُري بن زين الدين علي بن بُكْتِكين ، أحد الملوك الأمجاد ، والكبراء الأجواد " . " الحاوي للفتاوي " (1/182)
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في " البداية والنهاية " (17/205) في ترجمة أبي سعيد كُوكُبُري ملك إرْبِلَ : " وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ، ويحتفل به احتفالا هائلاً ، وكان مع ذلك شهماً شجاعاً بطلاً عاقلاً عالماً عادلاً ، رحمه الله تعالى ، وقد صنف الشيخ أبو الخطاب بنُ دِحْيةَ له مجلداً في المولد النبوي سماه " التنوير في مولد السراج المنير" ، فأجازه على ذلك بألف دينار" .
وذكر الإمام المقريزي رحمه الله في " المواعظ والاعتبار " أن للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم ، وذكر منها : مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، فالصحيح : أن أول من أحدث بدعة الاحتفال بالمولد النبوي : الفاطميون ، ثم كان أول من أظهرها بعدهم : الملك المظفر أبو سعيد كُوكُبُري ملك إرْبِلَ ـ والله أعلم .
أسباب نشأة هذه البدعة
مما لا شك فيه أن عدداً كبيراَ من الناس يحتفلون بالمولد النبوي محبة للنبي صلى الله عليه وسلم ولكن المحبة الحقيقة شرطها الاتباع كما سيأتي إن شاء الله ولكن ثمة أسباب أخرى لها دور كبير في نشأته وتأييده ودعمه قد تغيب عن كثير من الناس ومنها:
1- نشر العقائد الشيعية من خلال التذرع بحب آل البيت.
2- إفساد عقائد المسلمين ، ونشر البدع والمحرمات في الأمة الإسلامية .
3- كسب تعاطف المسلمين وإشغالهم عن دينهم ومعالي الأمور ، وصرف أنظارهم عن ما يرتكبه الأعداء بالمسلمين .
4- كسب الولاء الديني لمشايخ الصوفية .
5- السعي لنيل الشهرة والصيت من خلال الاحتفال بالمولد كما يحدث من الأغنياء .
6- الارتزاق الدنيوي كما يحدث من قبل تجار الحلوى ، ومشايخ الطرق ، والمداحيين ، والقصاصين ، والمنشدين ، والمغنيين ، والراقصات ، وغيرهم .
7- الحصول على الشهوات والمحرمات كما يحدث من الفساق والفجار في بعض هذه الاحتفالات.
وإذا نظرنا إلى الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة نجدها ظاهرة في الدلالة على كون الاحتفال بالمولد النبوي بدعة ومن ذلك :
1ـ أن الله تعالى قد أكمل لنا الدين قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا " [المائدة:3] ، وعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ قَالَ لَهُ : " يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ آيَةٌ فِي كِتَابِكُمْ تَقْرَءُونَهَا لَوْ عَلَيْنَا مَعْشَرَ الْيَهُودِ نَزَلَتْ لَاتَّخَذْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيدًا " ، قَالَ : " أَيُّ آيَةٍ ؟ " ، قَالَ : " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا " ، قَالَ عُمَرُ : " قَدْ عَرَفْنَا ذَلِكَ الْيَوْمَ وَالْمَكَانَ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَائِمٌ بِعَرَفَةَ يَوْمَ جُمُعَةٍ " ، رواه البخاري ومسلم ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي حَجَّة الْوَدَاع الَّتِي هِيَ آخِر عَهْد الْبَعْثَة ، حِين تَمَّتْ الشَّرِيعَة وَأَرْكَانهَا ، وَقَدْ جَزَمَ السُّدِّيّ بِأَنَّهُ لَمْ يَنْزِل بَعْد هَذِهِ الْآيَة شَيْء مِنْ الْحَلَال وَالْحَرَام كما في " فتح الباري " (1/106) ، فمن أتى بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم بعبادة جديدة مبتدعة فهو ضال مبتدع في دين الله الذي أكمله لعباده وارتضاه قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم .
2ـ أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة ، وتركنا على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلِي إِلَّا كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ ، وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ " ، رواه مسلم في " صحيحه ".
ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بمولده ، ولم يأمر أصحابه بذلك ، ولو كان الاحتفال بمولده من الدين الذي ارتضاه الله ، والخير الذي تنتفع الأمة بإقامته لبينه لأمته ، أو فعله في حياته ، أو فعله أصحابه.
وذكر الإمام الشاطبي رحمه الله في " الاعتصام " (2/18) عن ابن الماجشون أنه سمع مالكاً يقول : " من أحدث في هذه الأمة شيئاً لم يكن عليه سلفها فقد زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خان الرسالة ؛ لأن الله يقول " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا " ، فما لم يكن يومئذ ديناً فلا يكون اليوم ديناً " .
3 ـ من المعلوم بالضرورة عظم محبة الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومسارعتهم لطاعة أوامره ، وحرصهم على إتباع سنته ، وتعظيمه التعظيم اللائق به من غير مبالغة ولا غلو ، واسمع لوصف عُرْوَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حال الصحابة مع رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " وَاللَّهِ لَقَدْ وَفَدْتُ عَلَى الْمُلُوكِ ، وَوَفَدْتُ عَلَى قَيْصَرَ ، وَكِسْرَى ، وَالنَّجَاشِيِّ ، وَاللَّهِ إِنْ رَأَيْتُ مَلِكًا قَطُّ يُعَظِّمُهُ أَصْحَابُهُ مَا يُعَظِّمُ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَمَّدًا ، وَاللَّهِ إِنْ تَنَخَّمَ نُخَامَةً إِلَّا وَقَعَتْ فِي كَفِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ فَدَلَكَ بِهَا وَجْهَهُ وَجِلْدَهُ ، وَإِذَا أَمَرَهُمْ ابْتَدَرُوا أَمْرَهُ ، وَإِذَا تَوَضَّأَ كَادُوا يَقْتَتِلُونَ عَلَى وَضُوئِهِ ، وَإِذَا تَكَلَّمَ خَفَضُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَهُ ، وَمَا يُحِدُّونَ إِلَيْهِ النَّظَرَ ؛ تَعْظِيمًا لَهُ " ، رواه البخاري في " صحيحه " ، فهذا حال الصحابة رضي الله عنهم ومع ذلك كله لم يُنقل عن واحد منهم الاحتفال بمولده صلى الله عليه وسلم .
4 ـ أن الاحتفال بالمولد ليس من عمل السلف الصالح من القرون الثلاثة المفضلة ، وسبق وأن ذكرنا قول الحافظ ابن حجر والسخاوي رحمهما الله أن أصل عمل المولد بدعة لم تنقل عن أحد من السلف الصالح من القرون الثلاثة ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (25/298) : " وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد ، أو بعض ليالي رجب ، أو ثامن عشر ذي الحجة ، أو أول جمعة من رجب ، أو ثامن شوال الذي يسميه الجهال عيد الأبرار فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ، ولم يفعلوها ".
وقال رحمه الله في " اقتضاء الصراط " (1/295) : " والله قد يثيبهم على هذه المحبة والاجتهاد لا على البدع من اتخاذ مولد النبي صلى الله عليه وسلم عيداً مع اختلاف الناس في مولده ، فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضى له ، وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيراً محضاً أو راجحاً لكان السلف رضي الله عنهم أحق به مِنَّا ؛ فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتعظيماً له مِنَّا " .
5 ـ أن الاحتفال بالمولد ـ لاسيما في صوره الحالية ـ وسيلة إلى الغلو في مدحه ، وإطرائه ، والمبالغة في تعظيمه حتى يفضي ذلك بالناس إلى دعائه ، والاستغاثة به ، وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ ؛ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ ، فَقُولُوا : " عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ " ، أخرجه البخاري في " صحيحه " ، ثم إن هذه الاحتفالات لا تخلو من ذكر أبيات البردة ، ومنها :
يا أكرم الناس مالي مَنْ أَلُوذُ به
سِوَاكَ عند حلول الحادث العَمِمِ
إن لم يَكُنْ في مَعادي آخذاً بيدي
فضلاً وإلاَّ فقُلْ يا زَلَّةَ القَدم
فإنَّ من جُودِكَ الدنيا وَضَرَّتها
ومن علومكَ علمَ اللوحِ والقلمِ
فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك علم اللوح والقلم من علومه ، فماذا أبقى هؤلاء المبتدعة لله تعالى ؟!! .
6 ـ أنه يوجد في عدد من الاحتفالات بالمولد النبوي في بعض البلاد محرمات كثيرة ، من استعمال الأغاني ، وآلات الطرب ، والاستهزاء بكتاب الله حيث يجمعون بين تلاوته وسماع الأغاني في هذه الاحتفالات ، وتبرج النساء ، وافتنان الرجال بهن ، والافتنان بالمردان الذين يغنون ، ويدورون بالطيب والعنبر، ويتكسرون في مشيتهم وكلامهم ورقصهم ، واختلاط الرجال بالنساء ، ومن التقرب إلى الله تعالى ـ كما يزعمون ـ بما حرمه تعالى من الرقص ، والغناء ، ، والإسراف في الموائد والأموال .
7 ـ ثم إن الاحتفال بالمولد النبوي يفتح الباب على مصراعيه للبدع الأخرى والموالد والاحتفالات كما هو حال الجهلة الآن من إقامة الاحتفالات بذكرى الهجرة ، والإسراء ، ومعركة بدر، ومولد البدوي ، والدسوقي ، والشاذلي حتى صار غالب دين هؤلاء احتفالات ، ورقص ، وغناء ، وذكريات !! .
والخلاصة أنه من أخطر البدع التي يترتب عليها مفاسد عقدية ، وسلوكية ، وأخلاقية.
حقيقة محبته صلى الله عليه وسلم
إن محبة الرسول صلى الله عليه وسلم عقيدة راسخة في قلوب المؤمنين ، ثمرتها : الاقتداء ، والبذل ، والعطاء ، والتضحية ، والجهاد في سبيل نصرة دينه ، وإعلاء لوائه ، وحماية سنته ، ولا يوجد بين محبي الرسول صلى الله عليه وسلم مكان للعجزة النائحين ، وما أجمل قول أنس بن النضر رضي الله عنه لما مر بقوم من المسلمين قد ألقوا بأيديهم ، فقال : " ما تنتظرون ؟ " ، فقالوا : " قُتِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم !! " ، فقال : " ما تصنعون في الحياة بعده ؟ ، قوموا فموتوا على ما مات عليه " . " زاد المعاد " (3/198)
واعلم أن من أحب شيئاً آثره ، وآثر موافقته وإلا لم يكن صادقاً في حبه ، وكان مدعياً ، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه ، ومحبته صلى الله عليه وسلم لها علامات :
أولها : الاقتداء به ، واستعمال سنته ، وإتباع أقواله وأفعاله ، واجتناب نواهيه ، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ، ومنشطه ومكرهه ، وشاهد هذا قوله تعالى : " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ " [آل عمران:31] ، وإيثار ما شرعه وحض عليه على هوى نفسه وموافقة شهوته ، قال الله تعالى : " وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ " [الحشر:9] ، فمن اتصف بهذه الصفة فهو كامل المحبة لله ورسوله ، ومن خالفها في بعض هذه الأمور فهو ناقص المحبة .
ومن علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم : كثرة ذكره له ؛ فمن أحب شيئاً أكثر ذكره .
ومنها : كثرة شوقه إلى لقائه ؛ فكل حبيب يحب لقاء حبيبه .
ومن علاماته : مع كثرة ذكره رسول الله تعظيمه له ، وتوفيره عند ذكره تعالى ، وإظهار الخشوع والانكسار مع سماع اسمه .
ومنها : محبته لمن أحب النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هو بسببه من آل بيته وصحابته من المهاجرين والأنصار ، وعداوة من عاداهم ، وبغض من أبغضهم وسبهم ، فمن أحب شيئاً أحب من يحبه .
ومنها : بغض من أبغض الله ورسوله ، ومعاداة من عاداه ، ومجانبة من خالف سنته ، وابتدع في دينه واستثقاله كل أمر يخالف شريعته ، قال الله تعالى : " لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ " [المجادلة:22] .
ومنها : أن يحب القرآن الذي أتي به صلى الله عليه وسلم ، وتخلق به ، وحبه للقرآن : تلاوته ، والعمل به ، وتفهمه .
ومن علامة حبه صلى الله عليه وسلم : شفقته على أمته ، ونصحه لهم ، وسعيه في مصالحهم ، ورفع المضار عنهم كما كان صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رءوفاً رحيماً .
ومن علامة تمام محبته : زهد مدعيها في الدنيا ، وإيثار الفقر ، واتصافه به .
وختاماً نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لما يحب ويرضى ، وأن يثبتنا على التوحيد والسنة ، ويجنبنا الشرك والبدعة ، وصلى الله على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين .
مواضيع مماثلة
» الفاظ فى ميزان الشريعه
» النمص في الشرع
» تعظيم الشرع لحق الجار
» مواقف محرجه ربما يتعرض لها الانسان فى حياته فمادا يفعل من جهة الشرع"
» ]عيد شم النسيم.. أصله و حكم الاحتفال به
» النمص في الشرع
» تعظيم الشرع لحق الجار
» مواقف محرجه ربما يتعرض لها الانسان فى حياته فمادا يفعل من جهة الشرع"
» ]عيد شم النسيم.. أصله و حكم الاحتفال به
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin