طيب الكسب
إن طلب الحلال وتحريه أمرٌ واجبٌ ، فلن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى
يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه. إن حقاً على كل مسلم ومسلمة أن
يتحرى الطيب من الكسب، والنزيه من العمل؛ ليأكل حلالاً وينفق في حلال.
فها هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه يجيئه غلامه بشيء فيأكله فيقول
الغلام: أتدري ما هو؟ تكهنت في الجاهلية لإنسان وما أُحسن الكهانة: ولكني
خدعته، فلقيني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت. فأدخل
أبو بكر يده في فمه فقاء كل شيء في بطنه، وفي رواية أنه قال: ((لو لم تخرج
إلا مع نفسي لأخرجتها. اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالطه
الأمعاء)).
وشرب عمربن الخطاب لبناً فأعجبه، فقال للذي سقاه: من أين
لك هذا؟ قال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء، فأخذت من ألبانها، فأدخل عمر
يده فاستقاء.
وتوصي بعض الصالحات زوجها وتقول: يا هذا اتق الله في رزقنا فإننا نصبر على الجوع، ولا نصبر على النار.
أولئك هم الصالحون يُخرجون الحرام والمشتبه من أجوافهم، وقد دخل عليهم من
غير علمهم. وخَلَفَت من بعدهم خلوف يعمدون إلى الحرام ليملأوا به بطونهم
وبطون أهليهم.
إن العجب كل العجب ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض ولا يحتمي من الحرام مخافة النار.
أخى الحبيب إن أكل الحرام يُعمي البصيرة، ويوهن الدين، ويقسي القلب،
ويُظلم الفكر، ويُقعد الجوارح عن الطاعات، ويوقع في حبائل الدنيا وغوائلها،
ويحجب الدعاء، ولا يتقبل الله إلا من المتقين.
ويل للذين يتغذون
بالحرام، ويُربون أولادهم وأهليهم على الحرام، إنهم كشارب ماء البحر كلَّما
ازدادوا شرباً ازدادوا عطشاً،لا يقنعون بقليل، ولا يغنيهم كثير.
اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.