بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 35 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 35 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
" أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " الآية : 14
صفحة 1 من اصل 1
" أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " الآية : 14
تفسير سورة الملك | الآية الرابعة عشر
" أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " الآية : 14
*** ثم إنه تعالى لما ذكر كونه عالماً بالجهر وبالسر وبما في
الصدور ذكر الدليل على كونه عالماً بهذه الأشياء و هو أن الخالق لشيء لا بد
أن يكون عالما به وإذا كان الله سبحانه هو الذي خلقهم و خلق صدورهم و خلق
ما فيها و سخرها لهم فكيف لا يعلم ما فيها.
*** " ألا يعلم من خلق " :
الهمزة للاستفهام ولا للنفي .
و في الآية وجهان قال :
1 - أن من مفعول ، والمعنى : أينتفي علمه بمن خلق ، وهو الذي
لطف علمه ودق وأحاط بخفيات الأمور وجلياتها.( و استظهر هذا الوجه أبو
حيان).
2 - وأجاز بعض النحاة يكون ( من خلق ) فاعل ( يعلم ) والمراد
الله تعالى وحذف مفعول ( يعلم ) لدلالة قوله ( وأسروا قولكم أو اجهروا به )
والتقدير : ألا يعلم خالقكم سركم وجهركم وهو الموصوف بلطيف خبير .
و هو استفهام معناه الإنكار، أي كيف لا يعلم ما تكلم به من
خلق الأشياء وأوجدها من العدم الصرف وحاله أنه اللطيف الخبير المتوصل علمه
إلى ما ظهر من خلقه وما بطن؟
*** قال بن القيم : قوله تعالى وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه
عليم بذات الصدور إلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وذات الصدور كلمة لما
يشتمل عليه الصدر من الاعتقادات والإرادات والحب والبغض أي صاحبة الصدور
فإنها لما كانت فيها قائمة بها نسبت إليها نسبة الصحبة والملازمة .
و قال :و على التقديرين – قلت :يعني التقديرين المذكورين في
الإعراب آنفا - فالآية دالة على خلق ما في الصدور كما هي على علمه سبحانه
به وأيضا فإنه سبحانه خلقه لما في الصدور دليلا على علمه بها فقال ألا يعلم
من خلق أي كيف يخفى عليه ما في الصدور وهو الذي خلقه فلو كان ذلك غير
مخلوق له لبطل الاستدلال به على العلم فخلقه سبحانه للشيء من أعظم الأدلة
على علمه به فإذا انتفى الخلق انتفى دليل العلم فلم يبق ما يدل على علمه
بما ينطوي عليه الصدر إذا كان غير خالق لذلك وهذا من أعظم الكفر برب
العالمين وجحد لما اتفقت عليه الرسل من أولهم إلى آخرهم وعلم بالضرورة أنهم
القوة إلى الأمم كما ألقوا إليهم أنه إله واحد لا شريك له .
و قال في موطن أخر : ومن ذلك قوله تعالى إن الإنسان خلق هلوعا
إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا وهذا تفسير الهلوع وهو شدة الحرص
الذي يترتب عليه الجزع والمنع فأخبر سبحانه أنه خلق الإنسان كذلك وذلك
صريح في أن هلعه مخلوق لله كما أن ذاته مخلوقة فالإنسان بجملته ذاته وصفاته
وأفعاله وأخلاقه مخلوق لله ليس فيه شيء خلق لله وشيء خلق لغيره بل الله
خالق الإنسان بجملته وأحواله كلها فالهلع فعله حقيقة والله خالق ذلك فيه
حقيقة فليس الله سبحانه بهلوع ولا العبد هو الخالق لذلك .
*** الله سبحانه خالق الأجسام و خالق الأعراض و الأحوال التي
تعرض لها فخلق الإنسان و الموت و الحياة و الصحة و المرض و الشقاوة و اللذة
والألم و الراحة و جوع و شبع و خلق سبحانه الصدور و ما فيها من الخطرات و
الوساوس و العزمات و المشاعر و الأحوال المختلفة فكما خلق الله سبحانه
الأجسام و هو بصير بها عليم خبير سميع لها كذلك خلق الصدور و هو سبحانه بها
كذلك يستوي عنده سبحانه السر و الجهر إنما السر و الجهر و الغيب و العلن و
المخافتة و البعد و القرب قيود علينا نحن المخلوقين أما هو سبحانه فهو
الخالق لما في النفوس ففي دلالة الآية وجهان:
1 – الله خلق الإنسان فكيف لا يعلم سره و جهره و هو اللطيف الخبير؟
2 – الله خلق الصدور و ما فيها و كل ما فيها من خلق الله فكيف لا يعلم الله ما خلق و هو اللطيف الخبير؟
و الوجهان صحيحان فالإنسان من مخلوقات الله و صدره و ما فيه من مخلوقات الله.
و الله خالق كل شيء و هو بكل شيء عليم فكل ما في الكون من إنس
و جان و ملائكة و طير و حيوان و نبات و جماد و ما علمناه و رأيناه من
المخلوقات و ما لم يصل إلية علمنا و لم تدركه حواسنا كل ذلك مخلوقات مربوبة
لله و خلق الأعراض التي تعرض لها و كلها معلومة له على وجه الدقة و
التفصيل و إنما نعلم نحن منها فقط مقدار إدراك حواسنا و عقولنا و مقدار ما
أتيح لنا رؤيته و معرفته .
فالمخلوقات قدراتها محدودة و هي محصورة في الحدود التي جعلها
الله من مكان و أعراض تعرض لها كالنوم و المرض و الغفلة و الموت و غير ذلك
و أيضا من قصور بطبيعة كونها مخلوقات مربوبة و الكمال لله وحده "الله أحد
الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد".
الله سبحانه خالق كل شيء فكل ما سواه مخلوق و كل مخلوق يعرض
له و يمر به من الأحوال المخلوقة التي خلقها الله و هو بكل شيء لطيف خبير
يعلم دقائقه و عظائمه و دقائق أحواله و عظائمها و تفاصيل ما فيه و به و
إليه و حوله و هو بكل شيء محيط و هو سميع بصير و هو رب كل شيء و مدبره لا
يغيب عنه شيء و لا لجزء من المليار من الثانية و لا أقل منه فهو سبحانه لا
تأخذه سنة و لا نوم يدبر مخلوقاته في كل لحظة " يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ
أَحَدٍ مِنْ بَعْدِه ِ" هو القيوم الذي قام بذاته و قام به كل مخلوق فهو
المقيم لهم خلقهم و خلق سكناتهم و حركاتهم و كلامهم و صمتهم و يقظتهم و
نومهم و أفكارهم و مشاعرهم و أحوالهم و إراداتهم و أفعالهم و كل موجود في
الكون مخلوق له .
هو خلقه و يعلمه و يدبره لا يخرج عن هذا الحصر شيء.
و أصغر وحده علمية معروفة للأجسام هى الذرة فلو افترضنا جدلا
أن هذه الوحدة هي أصغر وحده كونية فعلا – و الذرة لكي تُرى تحتاج للتكبير
بالمجهر الالكتروني إلى ألفي ضعف حجمها- فكم في المكان المُشاهد لك فقط من
ذرات الله يقيمها كم في متر مكعب واحد فقط من الأرض من ملايين الذرات .
فيا الله ما أعظمك في كل لحظة تمر أنت مقيم لكل الكون – الذي
نراه و لا نراه الصغير و الكبير فكل ذرة في كل مخلوق الله مقيمها و لو
تركتها ما قامت - أنت الخالق لأفعالهم سكناتهم و حركاتهم و كل ما بهم و
أنت المحيط بهم العليم الخبير الرب الإله أنت الله الملك العظيم.
و أنت الذي أودعت الأسباب منافعها و جعلتها تؤول إلى ما
اعتدناه منها و لو شئت لجعلت النار بردا و الجليد جحيما سبحانك سبحانك فأين
فرعون المعتوه و أين هامان المأفون و أين جنودهما الطاغين و أين أتباعهما
المجرمين أين الملوك أين الجبابرة ؟
*** واستدل بالآية على خلق أفعال العباد لخلقه سبحانه ما في الصدور و لا تعويل على من أنكر هذا.
*** ووجه الدلالة من الآية واضح أنه استفهام إنكاري كيف يخفى على الله شيء خلقه و هو اللطيف الخبير فاجتمع هنا أمران:
1 – أنه الخالق و كيف لا يعلم الخالق ما خلق؟
2 – أنه سبحانه من أسماءه الحسنى اللطيف الخبير فهما صفتان لا تنفكان عنه أبدا يعلم الدقائق و اللطائف فما فوقها على وجه الخبرة .
و الخبرة العلم ببواطن الأمور التي يتم بها التدبير و التصريف
و إعطاء كل ذى حق حقه من الخلق و التكوين و العناية و الحفظ و تيسير كل
لما خلق له فاللطيف الذي يعلم ما دق و خفي و الخبير الذي يحيط خبرا بهذه
الدقائق.
فكيف لمن اجتمع له الخلق و اللطف و الخبرة ألا يعلم ما خلق؟ و
هذا الوصف الذي اسلفناه من علم الله و إحاطته ينطبق على كل موجود فالله به
لطيف خبير.
*** ورد اسم اللطيف في القرآن الكريم سبع مرات و اقترن بوصف
الخبير في خمس مواطن "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ "
[الحج : 63] "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ
يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ " [لقمان : 16]
"وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ
وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا " [الأحزاب : 34]
"لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " [الأنعام : 103 ] و الآية التي نتدارسها و تلاحظ
في تلك الآيات معنى العلم بالدقائق و الإحاطة بها فاللطيف عليم بالدقائق و
الخبير خبير بتلك الدقائق و هذا فوق العلم.
و بوصف العليم الحكيم في موطن " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى
الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ
رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي
إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ
بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي
لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ " [يوسف : 100]و
بوصف القوى العزيز في موطن " اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ
يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ " [الشورى : 19]
و تلاحظ في هاتين الآيتين معنى الخفاء في أساليب التدبير و إيصال المنافع و معنى الرفق.
*** اللطيف :
قال الزجاج: اللطيف أصل اللطف في الكلام خفاء المسلك ودقة المذهب
واستعماله في الكلام على وجهين يقال فلان لطيف إذا وصف بصغر
الجرم و فلان لطيف إذا وصف بأنه محتال متوصل إلى أغراضه في خفاء مسلك وفلان
لطيف في علمه يراد به أنه دقيق الفطنة حسن الاستخراج له
فهذا الذي يستعمل منه وهو في وصف الله يفيد أنه المحسن إلى عباده في خفاء وستر من حيث لا يعلمون
ويسبب لهم أسباب معيشتهم من حيث لا يحتسبون وهذا مثل قول الله تعالى ويرزقه من حيث لا يحتسب
فأما اللطف الذي هو قلة الأجزاء فهو مما لا يجوز عليه سبحانه
1 - الذي لطف علمه حتى أدرك الخفايا، والخبايا، وما احتوت عليه الصدور، وما في الأراضي من خفايا البذور.
2 - والرّفْق في الفِعْل والتنفيذ ، يُقال لَطَف به وله
والله لطيف بعباده رفيق بهم قريبٌ منهم ، يعامل المؤمنين بعطف ورأفة وإحسان
.
و اللطف الذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال، ولسان الحال
هو من الرحمة بل هو رحمة خاصة فالرحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها
أو لا يشعر بأسبابها هي اللطف فإذا قال العبد: يالطيف الطف بي أو لي وأسألك
لطفك فمعناه تولني ولاية خاصة بها تصلح أحوالي الظاهرة ، والباطنة وبها
تندفع عني جميع المكروهات من الأمور الداخلية والأمور الخارجية.
3 - هو المحسن إليهم في خفاء وستر من حيث لا يعلمون ، وهو
الذي يرزقهم بفضله من حيث لا يحتسبون الموصل إليهم مصالحهم بلطفه وإحسانه
من طرق لا يشعرون بها.
4 - ومن المعاني اللغوية للطيف هو الذي لطف عن أن يدرك
لكماله وجلاله ، كما في قوله تعالى : ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ
بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَي الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَي
طَعَاما فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ
بِكُمْ أَحَدا ) (الكهف19) فمن المعاني التي يشملها اسمه اللطيف لطف الحجاب
، فإن الله لا يرى في الدنيا لطفا وحكمة ، ويرى في الآخرة إكراما ومحبة ،
وإن لم يدرك بإحاطة من قبل خلقه.
5 – القريب فاللواطف من الأضلاع هي القريبة.
*** الخبير :
1 - قال الزجاج :الخبير قال أبو علي أخذ هذه الكلمة أبو إسحاق
من قولهم خبرت الأرض إذا شققتها وفلان خبير بالشيء إذا كان عالما به
وكأنه هو الذي بحث عن ذلك الشيء حتى شق عنه الأرض قال أبو علي وهو عندنا
من الخبر الذي يسمع لأن معنى الخبير العالم وقال :
إذا لاقيت قومي فأسأليهم ... كفى قوما بصاحبهم خبيرا
فالعلم أبدا مع الخبر فما حاجة أبي إسحاق إلى أن يأخذه من الخبر والشق .
2 - الخبير هو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ،
ولا تتحرك حركة إلا وهو يعلم مستقرها ومستودعها فهو صاحب العلم الكامل
بدقائق الأشياء وحقائقها و بواطنها وخفاياها وبما كان وما يكون.
3 - أو الخبير العالم بالأشياء عن طريق الخبر والسماع ،
فالله خبير يعلم الأشياء قبل الإخبار عنها وبعد الإخبار عنها ، فله جنود
السماوات والأرض يخبرونه بالوقائع على سبيل تحقيق الحكمة في الخلق ، فعند
البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ : ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ
وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ
وَصَلاَةِ العَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ،
فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي
فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ
يُصَلُّونَ ) .
4 - ويخبر بعواقب الأمور ومآلها وما تصير إليه، الخبير بمصالح الأشياء ومضارها
5 - العليم الذي لا تعزب عنه الحوادث الخفية التي من شأنها أن يخبر الناس بعضهم بعضا بحدوثها فلذلك اشتق هذا الوصف من مادة الخبر.
6 – المخبر قال تعالى :"و لا ينبئك مثل خبير ".
*** و في الآية دلالة قاهرة على سفاهة من اعترض على الأحكام
الشرعية فالله هو الخالق لكل موجود الذي أحكم خلقه على أكمل الوجوه و هو
اللطيف الخبير بهذا الخلق فهو أحق وأعلم و أحكم من حكم و شرع لخلقه فكيف
لمخلوق عاجز قاصر ضعيف لا يقوم بنفسه و هو أعجز أن يعرف حقائق بدنه و جسمه
أن يعترض على الخالق العظيم تالله إنه لأسفه السفه و أغبى الغباء .
فلا أحد أبدا أعلم بخلق الله منه فهذه حقيقة عظيمة تقررها الآية ينبغي أن تحفر في قلب كل مسلم.
و الله يبتلى عباده بشيء من العلم يُخيل لهم أنه عظيم و جسيم و
أنهم طالما عرفوه فقد بلغوا الغاية و قاربوا النهاية و حقروا من سبقهم و
قالوا للدعاة على طريقة فرعون لموسى و هارون عليهما السلام:"و يذهبا
بطريقتكم المثلى" ثم يزيدون في علومهم فيعرفوا أنهم يلعبون و أن الأمر أعظم
بكثير مما ظنوا و لكن الله استخرج بذلك مكنون نفوسهم و قلوبهم.
*** الفوائد العملية في الآية:
1 – كيف لا يكون الله عليما بكل موجود من أعراض و أجسام و هو الخالق لها و صفة ذاته أنه اللطيف الخبير؟
2 – التأمل في عظمة علم الله.
3 – دلالة الآية على خلق أفعال العباد.
4 – مراجعة معنى اسم الله اللطيف و اسم الله الخبير و الكمال الناتج عن الجمع بين الاسمين.
5 – دلالة الآية على حق الله سبحانه في الحكم و التشريع و بيان سفه و جهل من اعترض على أحكام الله.
6 – التأمل في حال بعض الخلق الذين إن فتح لهم باب صغير من
العلم فظنوه عظيما فكان أول فعلهم الاعتراض على أحكام ربهم و الثقة بأنفسهم
و اتهام ربهم سبحان الله و تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
" أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " الآية : 14
*** ثم إنه تعالى لما ذكر كونه عالماً بالجهر وبالسر وبما في
الصدور ذكر الدليل على كونه عالماً بهذه الأشياء و هو أن الخالق لشيء لا بد
أن يكون عالما به وإذا كان الله سبحانه هو الذي خلقهم و خلق صدورهم و خلق
ما فيها و سخرها لهم فكيف لا يعلم ما فيها.
*** " ألا يعلم من خلق " :
الهمزة للاستفهام ولا للنفي .
و في الآية وجهان قال :
1 - أن من مفعول ، والمعنى : أينتفي علمه بمن خلق ، وهو الذي
لطف علمه ودق وأحاط بخفيات الأمور وجلياتها.( و استظهر هذا الوجه أبو
حيان).
2 - وأجاز بعض النحاة يكون ( من خلق ) فاعل ( يعلم ) والمراد
الله تعالى وحذف مفعول ( يعلم ) لدلالة قوله ( وأسروا قولكم أو اجهروا به )
والتقدير : ألا يعلم خالقكم سركم وجهركم وهو الموصوف بلطيف خبير .
و هو استفهام معناه الإنكار، أي كيف لا يعلم ما تكلم به من
خلق الأشياء وأوجدها من العدم الصرف وحاله أنه اللطيف الخبير المتوصل علمه
إلى ما ظهر من خلقه وما بطن؟
*** قال بن القيم : قوله تعالى وأسروا قولكم أو أجهروا به إنه
عليم بذات الصدور إلا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير وذات الصدور كلمة لما
يشتمل عليه الصدر من الاعتقادات والإرادات والحب والبغض أي صاحبة الصدور
فإنها لما كانت فيها قائمة بها نسبت إليها نسبة الصحبة والملازمة .
و قال :و على التقديرين – قلت :يعني التقديرين المذكورين في
الإعراب آنفا - فالآية دالة على خلق ما في الصدور كما هي على علمه سبحانه
به وأيضا فإنه سبحانه خلقه لما في الصدور دليلا على علمه بها فقال ألا يعلم
من خلق أي كيف يخفى عليه ما في الصدور وهو الذي خلقه فلو كان ذلك غير
مخلوق له لبطل الاستدلال به على العلم فخلقه سبحانه للشيء من أعظم الأدلة
على علمه به فإذا انتفى الخلق انتفى دليل العلم فلم يبق ما يدل على علمه
بما ينطوي عليه الصدر إذا كان غير خالق لذلك وهذا من أعظم الكفر برب
العالمين وجحد لما اتفقت عليه الرسل من أولهم إلى آخرهم وعلم بالضرورة أنهم
القوة إلى الأمم كما ألقوا إليهم أنه إله واحد لا شريك له .
و قال في موطن أخر : ومن ذلك قوله تعالى إن الإنسان خلق هلوعا
إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا وهذا تفسير الهلوع وهو شدة الحرص
الذي يترتب عليه الجزع والمنع فأخبر سبحانه أنه خلق الإنسان كذلك وذلك
صريح في أن هلعه مخلوق لله كما أن ذاته مخلوقة فالإنسان بجملته ذاته وصفاته
وأفعاله وأخلاقه مخلوق لله ليس فيه شيء خلق لله وشيء خلق لغيره بل الله
خالق الإنسان بجملته وأحواله كلها فالهلع فعله حقيقة والله خالق ذلك فيه
حقيقة فليس الله سبحانه بهلوع ولا العبد هو الخالق لذلك .
*** الله سبحانه خالق الأجسام و خالق الأعراض و الأحوال التي
تعرض لها فخلق الإنسان و الموت و الحياة و الصحة و المرض و الشقاوة و اللذة
والألم و الراحة و جوع و شبع و خلق سبحانه الصدور و ما فيها من الخطرات و
الوساوس و العزمات و المشاعر و الأحوال المختلفة فكما خلق الله سبحانه
الأجسام و هو بصير بها عليم خبير سميع لها كذلك خلق الصدور و هو سبحانه بها
كذلك يستوي عنده سبحانه السر و الجهر إنما السر و الجهر و الغيب و العلن و
المخافتة و البعد و القرب قيود علينا نحن المخلوقين أما هو سبحانه فهو
الخالق لما في النفوس ففي دلالة الآية وجهان:
1 – الله خلق الإنسان فكيف لا يعلم سره و جهره و هو اللطيف الخبير؟
2 – الله خلق الصدور و ما فيها و كل ما فيها من خلق الله فكيف لا يعلم الله ما خلق و هو اللطيف الخبير؟
و الوجهان صحيحان فالإنسان من مخلوقات الله و صدره و ما فيه من مخلوقات الله.
و الله خالق كل شيء و هو بكل شيء عليم فكل ما في الكون من إنس
و جان و ملائكة و طير و حيوان و نبات و جماد و ما علمناه و رأيناه من
المخلوقات و ما لم يصل إلية علمنا و لم تدركه حواسنا كل ذلك مخلوقات مربوبة
لله و خلق الأعراض التي تعرض لها و كلها معلومة له على وجه الدقة و
التفصيل و إنما نعلم نحن منها فقط مقدار إدراك حواسنا و عقولنا و مقدار ما
أتيح لنا رؤيته و معرفته .
فالمخلوقات قدراتها محدودة و هي محصورة في الحدود التي جعلها
الله من مكان و أعراض تعرض لها كالنوم و المرض و الغفلة و الموت و غير ذلك
و أيضا من قصور بطبيعة كونها مخلوقات مربوبة و الكمال لله وحده "الله أحد
الله الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد".
الله سبحانه خالق كل شيء فكل ما سواه مخلوق و كل مخلوق يعرض
له و يمر به من الأحوال المخلوقة التي خلقها الله و هو بكل شيء لطيف خبير
يعلم دقائقه و عظائمه و دقائق أحواله و عظائمها و تفاصيل ما فيه و به و
إليه و حوله و هو بكل شيء محيط و هو سميع بصير و هو رب كل شيء و مدبره لا
يغيب عنه شيء و لا لجزء من المليار من الثانية و لا أقل منه فهو سبحانه لا
تأخذه سنة و لا نوم يدبر مخلوقاته في كل لحظة " يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ
أَحَدٍ مِنْ بَعْدِه ِ" هو القيوم الذي قام بذاته و قام به كل مخلوق فهو
المقيم لهم خلقهم و خلق سكناتهم و حركاتهم و كلامهم و صمتهم و يقظتهم و
نومهم و أفكارهم و مشاعرهم و أحوالهم و إراداتهم و أفعالهم و كل موجود في
الكون مخلوق له .
هو خلقه و يعلمه و يدبره لا يخرج عن هذا الحصر شيء.
و أصغر وحده علمية معروفة للأجسام هى الذرة فلو افترضنا جدلا
أن هذه الوحدة هي أصغر وحده كونية فعلا – و الذرة لكي تُرى تحتاج للتكبير
بالمجهر الالكتروني إلى ألفي ضعف حجمها- فكم في المكان المُشاهد لك فقط من
ذرات الله يقيمها كم في متر مكعب واحد فقط من الأرض من ملايين الذرات .
فيا الله ما أعظمك في كل لحظة تمر أنت مقيم لكل الكون – الذي
نراه و لا نراه الصغير و الكبير فكل ذرة في كل مخلوق الله مقيمها و لو
تركتها ما قامت - أنت الخالق لأفعالهم سكناتهم و حركاتهم و كل ما بهم و
أنت المحيط بهم العليم الخبير الرب الإله أنت الله الملك العظيم.
و أنت الذي أودعت الأسباب منافعها و جعلتها تؤول إلى ما
اعتدناه منها و لو شئت لجعلت النار بردا و الجليد جحيما سبحانك سبحانك فأين
فرعون المعتوه و أين هامان المأفون و أين جنودهما الطاغين و أين أتباعهما
المجرمين أين الملوك أين الجبابرة ؟
*** واستدل بالآية على خلق أفعال العباد لخلقه سبحانه ما في الصدور و لا تعويل على من أنكر هذا.
*** ووجه الدلالة من الآية واضح أنه استفهام إنكاري كيف يخفى على الله شيء خلقه و هو اللطيف الخبير فاجتمع هنا أمران:
1 – أنه الخالق و كيف لا يعلم الخالق ما خلق؟
2 – أنه سبحانه من أسماءه الحسنى اللطيف الخبير فهما صفتان لا تنفكان عنه أبدا يعلم الدقائق و اللطائف فما فوقها على وجه الخبرة .
و الخبرة العلم ببواطن الأمور التي يتم بها التدبير و التصريف
و إعطاء كل ذى حق حقه من الخلق و التكوين و العناية و الحفظ و تيسير كل
لما خلق له فاللطيف الذي يعلم ما دق و خفي و الخبير الذي يحيط خبرا بهذه
الدقائق.
فكيف لمن اجتمع له الخلق و اللطف و الخبرة ألا يعلم ما خلق؟ و
هذا الوصف الذي اسلفناه من علم الله و إحاطته ينطبق على كل موجود فالله به
لطيف خبير.
*** ورد اسم اللطيف في القرآن الكريم سبع مرات و اقترن بوصف
الخبير في خمس مواطن "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ
مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ "
[الحج : 63] "يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ
خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ
يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ " [لقمان : 16]
"وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ
وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا " [الأحزاب : 34]
"لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ
اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " [الأنعام : 103 ] و الآية التي نتدارسها و تلاحظ
في تلك الآيات معنى العلم بالدقائق و الإحاطة بها فاللطيف عليم بالدقائق و
الخبير خبير بتلك الدقائق و هذا فوق العلم.
و بوصف العليم الحكيم في موطن " وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى
الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ
رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي
إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ
بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي
لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ " [يوسف : 100]و
بوصف القوى العزيز في موطن " اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ يَرْزُقُ مَنْ
يَشَاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ " [الشورى : 19]
و تلاحظ في هاتين الآيتين معنى الخفاء في أساليب التدبير و إيصال المنافع و معنى الرفق.
*** اللطيف :
قال الزجاج: اللطيف أصل اللطف في الكلام خفاء المسلك ودقة المذهب
واستعماله في الكلام على وجهين يقال فلان لطيف إذا وصف بصغر
الجرم و فلان لطيف إذا وصف بأنه محتال متوصل إلى أغراضه في خفاء مسلك وفلان
لطيف في علمه يراد به أنه دقيق الفطنة حسن الاستخراج له
فهذا الذي يستعمل منه وهو في وصف الله يفيد أنه المحسن إلى عباده في خفاء وستر من حيث لا يعلمون
ويسبب لهم أسباب معيشتهم من حيث لا يحتسبون وهذا مثل قول الله تعالى ويرزقه من حيث لا يحتسب
فأما اللطف الذي هو قلة الأجزاء فهو مما لا يجوز عليه سبحانه
1 - الذي لطف علمه حتى أدرك الخفايا، والخبايا، وما احتوت عليه الصدور، وما في الأراضي من خفايا البذور.
2 - والرّفْق في الفِعْل والتنفيذ ، يُقال لَطَف به وله
والله لطيف بعباده رفيق بهم قريبٌ منهم ، يعامل المؤمنين بعطف ورأفة وإحسان
.
و اللطف الذي يطلبه العباد من الله بلسان المقال، ولسان الحال
هو من الرحمة بل هو رحمة خاصة فالرحمة التي تصل العبد من حيث لا يشعر بها
أو لا يشعر بأسبابها هي اللطف فإذا قال العبد: يالطيف الطف بي أو لي وأسألك
لطفك فمعناه تولني ولاية خاصة بها تصلح أحوالي الظاهرة ، والباطنة وبها
تندفع عني جميع المكروهات من الأمور الداخلية والأمور الخارجية.
3 - هو المحسن إليهم في خفاء وستر من حيث لا يعلمون ، وهو
الذي يرزقهم بفضله من حيث لا يحتسبون الموصل إليهم مصالحهم بلطفه وإحسانه
من طرق لا يشعرون بها.
4 - ومن المعاني اللغوية للطيف هو الذي لطف عن أن يدرك
لكماله وجلاله ، كما في قوله تعالى : ( فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ
بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَي الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَي
طَعَاما فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ
بِكُمْ أَحَدا ) (الكهف19) فمن المعاني التي يشملها اسمه اللطيف لطف الحجاب
، فإن الله لا يرى في الدنيا لطفا وحكمة ، ويرى في الآخرة إكراما ومحبة ،
وإن لم يدرك بإحاطة من قبل خلقه.
5 – القريب فاللواطف من الأضلاع هي القريبة.
*** الخبير :
1 - قال الزجاج :الخبير قال أبو علي أخذ هذه الكلمة أبو إسحاق
من قولهم خبرت الأرض إذا شققتها وفلان خبير بالشيء إذا كان عالما به
وكأنه هو الذي بحث عن ذلك الشيء حتى شق عنه الأرض قال أبو علي وهو عندنا
من الخبر الذي يسمع لأن معنى الخبير العالم وقال :
إذا لاقيت قومي فأسأليهم ... كفى قوما بصاحبهم خبيرا
فالعلم أبدا مع الخبر فما حاجة أبي إسحاق إلى أن يأخذه من الخبر والشق .
2 - الخبير هو الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ،
ولا تتحرك حركة إلا وهو يعلم مستقرها ومستودعها فهو صاحب العلم الكامل
بدقائق الأشياء وحقائقها و بواطنها وخفاياها وبما كان وما يكون.
3 - أو الخبير العالم بالأشياء عن طريق الخبر والسماع ،
فالله خبير يعلم الأشياء قبل الإخبار عنها وبعد الإخبار عنها ، فله جنود
السماوات والأرض يخبرونه بالوقائع على سبيل تحقيق الحكمة في الخلق ، فعند
البخاري من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه
وسلم قَالَ : ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ
وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الفَجْرِ
وَصَلاَةِ العَصْرِ ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ ،
فَيَسْأَلُهُمْ وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي
فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ
يُصَلُّونَ ) .
4 - ويخبر بعواقب الأمور ومآلها وما تصير إليه، الخبير بمصالح الأشياء ومضارها
5 - العليم الذي لا تعزب عنه الحوادث الخفية التي من شأنها أن يخبر الناس بعضهم بعضا بحدوثها فلذلك اشتق هذا الوصف من مادة الخبر.
6 – المخبر قال تعالى :"و لا ينبئك مثل خبير ".
*** و في الآية دلالة قاهرة على سفاهة من اعترض على الأحكام
الشرعية فالله هو الخالق لكل موجود الذي أحكم خلقه على أكمل الوجوه و هو
اللطيف الخبير بهذا الخلق فهو أحق وأعلم و أحكم من حكم و شرع لخلقه فكيف
لمخلوق عاجز قاصر ضعيف لا يقوم بنفسه و هو أعجز أن يعرف حقائق بدنه و جسمه
أن يعترض على الخالق العظيم تالله إنه لأسفه السفه و أغبى الغباء .
فلا أحد أبدا أعلم بخلق الله منه فهذه حقيقة عظيمة تقررها الآية ينبغي أن تحفر في قلب كل مسلم.
و الله يبتلى عباده بشيء من العلم يُخيل لهم أنه عظيم و جسيم و
أنهم طالما عرفوه فقد بلغوا الغاية و قاربوا النهاية و حقروا من سبقهم و
قالوا للدعاة على طريقة فرعون لموسى و هارون عليهما السلام:"و يذهبا
بطريقتكم المثلى" ثم يزيدون في علومهم فيعرفوا أنهم يلعبون و أن الأمر أعظم
بكثير مما ظنوا و لكن الله استخرج بذلك مكنون نفوسهم و قلوبهم.
*** الفوائد العملية في الآية:
1 – كيف لا يكون الله عليما بكل موجود من أعراض و أجسام و هو الخالق لها و صفة ذاته أنه اللطيف الخبير؟
2 – التأمل في عظمة علم الله.
3 – دلالة الآية على خلق أفعال العباد.
4 – مراجعة معنى اسم الله اللطيف و اسم الله الخبير و الكمال الناتج عن الجمع بين الاسمين.
5 – دلالة الآية على حق الله سبحانه في الحكم و التشريع و بيان سفه و جهل من اعترض على أحكام الله.
6 – التأمل في حال بعض الخلق الذين إن فتح لهم باب صغير من
العلم فظنوه عظيما فكان أول فعلهم الاعتراض على أحكام ربهم و الثقة بأنفسهم
و اتهام ربهم سبحان الله و تعالى عما يقولون علوا كبيرا.
مواضيع مماثلة
» "ءَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تمور" الآية
» حَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُم
» أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
» إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ "
» أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
» حَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُم
» أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
» إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ "
» أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin