شبه عن السلفية
معنى السلفية وبيان من هم السلف الصالح لشيخنا الألباني ( فتوى مفرغة من الشريط الأول من سلسلة الهدى والنور)
السائل :
بعض الإخوة السلفيين يسمعون عن الدعوة السلفية سماعاً ، ويقرءون ما يكتب
عنها من قبل خصومها ، لا من قبل أتباعها ودعاتها ، فالمرجوّ من فضيلتكم –
وأنتم من دعاة السلفية وعلمائها – شرح موقف السلفية بين الجماعات الإسلامية اليوم؟
أجاب الشيخ رحمه الله : أنا أجبت عن مثل ذلك السؤال أكثر من مرة ، لكن لابد
من الجواب وقد طرح السؤال ، أقول كلمة حق لا يستطيع أي مسلم أن يجادل فيها
بعد أن يتبين له الحقيقة :
أول ذلك : الدعوة السلفية نسبة إلى ماذا ؟ السلفية نسبة إلى السلف ، فيجب
أن نعرف من هم السلف إذا أطلق عند علماء المسلمين " السلف " ، وبالتالي
تفهم هذه النسبة ، وما وزنها في معناها وفي دلالتها ، السلف هم أهل القرون
الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالخيرية ، في الحديث
الصحيح المتواتر المخرّج في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه قال : " خير الناس قرني ، ثم الذين يلونهم ، ثم
الذين يلونهم " هؤلاء القرون الثلاثة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله
عليه وسلم بالخيرية ، فالسلفية تنتمي إلى هذا السلف ، والسلفيون ينتمون إلى
هؤلاء السلف ، إذا عرفنا معنى السلف والسلفية ، حينئذٍ أقول أمرين اثنين :
الأمر الأول : أن هذه النسبة ليست نسبة إلى شخص أو أشخاص كما هي نسب جماعات
أخرى موجودة اليوم على الأرض الإسلامية ، هذه ليست نسبة إلى شخص ولا إلى
عشرات الأشخاص ، بل هذه النسبة هي نسبة إلى العصمة ، ذلك لأن السلف الصالح
يستحيل أن يجمعوا على ضلالة ، وبخلاف ذلك الخلف ، الخلف لم يأت في الشرع
ثناء عليهم ، بل جاء الذم في جماهيرهم ، وذلك في تمام الحديث السابق ، حيث
قال النبي عليه السلام
".... ثم يأتي من بعدهم أقوام يشهدون ولا يستشهدون ......إلى آخر الحديث " ،
كما أشار عليه السلام إلى ذلك في حديث آخر ، فيه مدح لطائفة من المسلمين
وذم لجماهيرهم بمفهوم الحديث ، حيث قال عليه السلام : "لا تزال طائفة من
أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خالفهم ، حتى يأتي أمر الله – أو حتى
تقوم الساعة - ......" هذا الحديث خص المدح في آخر الزمان بطائفة ،
والطائفة هي الجماعة القليلة ، فهي في اللغة تطلق على الفرد فما فوق ، فإذن
إذا عرفنا هذا المعنى للسلفية ، وأنها تنتمي إلى جماعة السلف الصالح ،
وأنهم العصمة فيما إذا تمسك المسلم بما كان عليه هؤلاء السلف الصالح ،
حينئذٍ يأتي الأمر الثاني ، الذي أشرت إليه آنفاً . ألا وهو : أن كل مسلم
يعرف حينذاك هذه النسبة ، وما ترمي إليه من العصمة ، فيستحيل عليه بعد هذا
العلم والبيان أن – لا أقول : " أن يتبرأ " هذا أمر بدهي – لكني أقول :
يستحيل عليه إلا أن يكون سلفياً ، لأننا فهمنا أن الانتساب إلى السلفية
يعني الانتساب إلى العصمة ، من أين أخذنا هذه العصمة ، نحن نأخذها من حديث
يستدل به بعض الخلف على خلاف الحق ، يستدلون به على الاحتجاج بالأخذ
بالآخرية مما عليه جماهير الخلف ، حينما يأتون بقوله عليه السلام : " لا
تجتمع أمتي على ضلالة " لا يمكن تطبيقها على واقع المسلمين اليوم ، وهذا
أمر يعرفه كل دارس لهذا الواقع السيء ، يضاف إلى ذلك الأحاديث الصحيحة التي
جاءت مبينة لما وقع فيمن قبلنا من اليهود والنصارى ، وفيما سيقع للمسلمين
بعد الرسول عليه السلام من التفرق ، فقال عليه السلام : " افترقت اليهود
على إحدى وسبعين فرقة ، والنصارى على اثنتين وسبعين فرقة ، وستختلف – أو
ستتفرق – أمتي على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة " قالوا : "
من هي يا رسول الله ؟ " قال : " هي الجماعة " ، هذه الجماعة هي جماعة
الرسول عليه السلام هي التي يمكن القطع بتطبيق الحديث السابق لأبي هريرة ،
أن المقصود في هذا الحديث هم الصحابة أو الذين حكم رسول الله عليه السلام
بأنهم هم الفرقة الناجية ، ومن سلك سبيلهم ومن نحا نحوهم ، وهؤلاء السلف
الصالح هم الذين حذّرنا ربنا عز وجل في القرآن الكريم من مخالفتهم ، ومن
سلوك سبيل غير سبيلهم ، لقوله عز وجل " ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له
الهدى ويتبع سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً " .. أنا
لفتُّ نظر إخواننا في كثير من المناسبات إلى حكمة عطف ربنا عز وجل في قوله
في الآية " ويتبع غير سبيل المؤمنين " على مشاققة الرسول عليه السلام ، ما
الحكمة من ذلك ؟ مع أن الآية لو كانت بحذف هذه الجملة ، لو كانت كما يأتي :
" ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم
وساءت مصيراً " لكانت كافية في التحذير وتأنيب من يشاقق الرسول عليه السلام
، والحكم عليه بمصيره السيء ، لم تكن الآية هكذا ، وإنما أضافت إلى ذلك
قوله عز وجل " ويتبع غير سبيل المؤمنين " هل هذا عبث ؟ حاشى لكلام الله عز
وجل ، أي من سلك غير سبيل الصحابة الذين هم العصمة في تعبيرنا السابق ، وهم
الجماعة التي شهد لهم رسول الله عليه السلام بأنها الفرقة الناجية ، ومن
سلك سبيلهم ، هؤلاء هم الذين لا يجوز لمن أراد أن ينجو من العذاب يوم
القيامة أن يخالف سبيلهم ، ولذلك قال الله تعالى : " ومن يشاقق الرسول من
بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم
وساءت مصيراً " ،
إذن على المسلمين اليوم في آخر الزمان أن يعرفوا أمرين اثنين :
أولاُ : من هم المسلمون المذكورون في هذه الآية ؟
ثم : ما الحكمة من سماع القرآن وأحاديث الرسول عليه السلام منه مباشرة ، ثم
سبق لهم فضل في الاطلاع على تطبيق الرسول عليه السلام لنصوص الكتاب والسنة
تطبيقاً عملياً ، ومن الحكمة التي جاء النص عليها في السنة ، قوله عليه
السلام " ليس الخبر كالمعاينة " ، ومنه أخذ الشاعر قوله:
وما راءٍ كمن سمع .....
فإذن الذين لم يشهدوا الرسول عليه السلام ، ليسوا كأصحابه الذين شاهدوا ،
وسمعوا منه الكلام مباشرة ، ورأوه منه تطبيقاً عملياً ، اليوم توجد كلمة
عصرية نفخ بها بعض الدعاة الإسلاميين ، وهي كلمة جميلة جداً ، ولكن أجمل
منها أن نجعلها حقيقة واقعة ، يقولون في محاضراتهم وفي مواعظهم وإرشاداتهم
أنه يجب أن نجعل الإسلام واقعاً يمشي على الأرض ، كلام جميل ، لكن إذا لم
نفهم الإسلام في ضوء فهم السلف الصالح كما نقول ، لا يمكن أن نحقق هذا
الكلام الشامل الجميل ، أن نجعل الإسلام حقيقة واقعية تمشي على الأرض ،
الذين استطاعوا ذلك هم أصحاب الرسول عليه السلام ، للسببين المذكورين آنفاً
، سمعوا الكلام منه مباشرة فوعوه خيراً من وعي ، ثم هناك أمور تحتاج إلى
بيان فعلي رأوا الرسول عليه السلام يبين لهم ذلك فعلاً ، وأنا أضرب لكم
مثلاً واضحاً جداً ، هناك آيات في القرآن الكريم لا يمكن المسلم أن يفهمها
إلا إذا كان عارفاً للسنة ، التي تبين القرآن الكريم ، كما قال عز وجل "
وأنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس ما نزّل إليهم ..." هاتوا سيبويه هذا
الزمان في اللغة العربية ، فيفسر لنا هذه الآية الكريمة ، والسارق من هو ؟
لغةً لا يستطيع أن يحدد السارق ، واليد ما اليد؟ لا يستطيع سيبويه آخر
الزمان أن يعطي الجواب عن هذين السؤالين ، من هو السارق الذي يستحق قطع
اليد ؟ وما هي اليد التي ينبغي أن تقطع لإثم هذا السارق ؟ اللغة السارق من
سرق بيضة فهو سارق ،واليد هي هذه لو قطعت هنا أو هنا أو في أي مكان فهي يد ،
لكن الجواب هو .. فلنتذكر الآية السابقة
" وأنزلنا إليك الكتاب لتبين للناس ما نزّل إليهم ..." ، الجواب في البيان ،
فهناك بيان من الرسول عليه السلام للقرآن ، هذا البيان طبقه الإسلام فعلاً
، في خصوص هذه الآية كمثل ، وفي خصوص الآيات الأخرى ، وما أكثرها . لأن من
قرأ علم الأصول ، يقرأ في علم الأصول أن هناك عام وخاص ، مطلق ومقيد ،
ناسخ ومنسوخ ، كلمات مجملة يدخل تحتها عشرات الأصول ، إن لم نقل : مئات
الأصول ، نصوص عامة قيدتها السنة."
إ.هـ كلامه رحمه الله تعالى ..