بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 16 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 16 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
لماذا حديثنا إليك 2
صفحة 1 من اصل 1
لماذا حديثنا إليك 2
هل هناك موانع تحول بيني وبين تحقيق التدبر؟
نعم أيتها الفاضلة فهناك أسباب وصوارف تحول بينك وبين التدبر ومنها:
1- الذنوب والإصرار على المعاصي قال تعالى{ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}الأعراف
فالذنوب سبب لظلمة القلب والإقفال عليه وحجبه عن نور الله عز وجل.
2- التعلق الزائد بالدنيا وملذاتها, فهذا مما يصرف القلب عن التلذذ بالخطاب الرباني.
3- التكلف المبالغ فيه وحصر الإهتمام فقط بتحسين الصوت بالقراءة بعيداً عن التدبر.
4- الإعتقاد بأن التدبر هو مهمة مقصورة على العلماء والمفسرين, وهذا خطأ فالتدبر واجب مأمور به الجميع قال ابن كثير:"يقول الله تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن وناهياً لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة: أفلا يتدبرون القرآن" فهذا أمر صريح بالتدبر والأمر للوجوب.
ختاماً...
ما أجمل أن نعيش مع كتاب ربنا عز وجل.... نبحر في معانيه, ونغوص في لطائفه وأسراره...وتجول خواطرنا في الحكم النابعة منه...
فإذا ذقتِ هذه الحلاوة, ووجدتِ لذتها في نفسك...فابتدري بها من حولك, من أهلك وإخوانك وأخواتك وصديقاتك...لنحيي هذه العبادة العظيمة, التي شغل عنها الكثير والتي لا يجب ويعاب على حافظة الوحيين أن تنشغل عنها...
أسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا...
وأسأله أَنْ ينَوِّرَ بِكِتَابِه أَبْصَارَكنَّ، وَأَنْ يُطْلِقَ بِهِ ألسِنتَكنَّ، وَأَنْ يغسلَ بِهِ قُلوبَكنَّ، وَأَنْ يشْرَحَ بِهِ صُدورَكنَّ، وَأَنْ يُفرّج به هُمومَكنَّ وسَائرَ المسلمينَ والمسلمات...
حصن على قصورك الشامخة
( قيام الليل )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..
يقبل الليل بظلامه, فيعم السكون وتخف الحركة, ويأوي كلاً منا إلى مأواه ومستقره...
وهنا تتمايز الأحوال...إذ أن ليل حافظة الوحيين يختلف تماماً عن ليل غيرها من اللاهين الغافلين...
ففي ليلها أسرار ومناجاة, انطراح وعبرات, نور ورحمات...فهي تخلو بربها وتصفُّ أقدامها بين يدي الملك العلام, وتمرغ جبينها للقدوس السلام...
تسأله من فضله, وتستغفر من تقصير في حقه, وتبث شكواها إليه, فهي تعلم ألا مهرب منه إلا إليه...
أنس ولذة تخالط بشاشة قلبها, فتود أن ساعات الليل لا تنقضي...
نعم فهكذا يجب أن يكون حال حافظة الوحيين...تحرس علمها وتحصن قصورها الشامخة بدموع السحر وركعات المنيبين...قال أبو عصمة البيهقي: "بت ليلة عند أحمد بن حنبل, فجاء بالماء فوضعه، فلما أصبح, نظر في الماء فإذا هو كما كان, فقال: سبحان الله, رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل!"
حافظة الوحيين وقيام الليل:
إن من الآيات التي عمرتِ بها قلبك قول الله عز وجل{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِهِ قُلْ هَل يَستَوي الذيِنَ يعلمون والذين لا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَاب} الزمر.
وتعمرين قلبك كذلك بأمر نبوي كريم حيث قال عليه الصلاة والسلام(عليكم بقيام الليل فإنه دأبُ الصالحين قبلكم ،وقُربة إلى الله تعالى ،ومكفرة للسيئات ،ومنهاة عن الإثم ،ومطردة للداء عن الجسد) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
فلتناخ مطايانا هاهنا, ولنرد على هذين الموردين الصافيين, ننهل من معينهما عظيم الفوائد, فنحرك بهما بواعث الهمة والنشاط...
ماذا نعني بقيام الليل؟
قال شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله تعالى :
"الصلاة في الليل تسمى تهجداً وتسمى قيام الليل، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً}" أ.هـ
والتّهجّد في اللّغة : من الهجود ، ويطلق الهجود على النّوم وعلى السّهر فهو من الأضداد.
ويقال: تهجّد إذا أزال النّوم بالتّكلّف .
والتّهجّد - عند جمهور الفقهاء - صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم.
عدد ركعاته وأفضل أوقاته:
* أقله أن تصلي ركعة واحدة وتسمى الوتر وقد ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة"
* أما أكثرها فلا حد له لعموم الحديث السابق وإن كانت السنة الثابتة عن المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه لم يزد عن إحدى عشرة ركعة فالأولى المحافظة على هذا العدد، ومن أرادت الزيادة فلا بأس.
* وأما عن أفضل الأوقات لصلاة الليل فهو الثلث الأخير من الليل ليوافق النزول الإلهي، كما قال صلى الله عليه وسلم(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟" رواه البخاري ومسلم.
ذلك هو أفضل الأوقات لمن علمت من نفسها أنها ستقوم من آخر الليل، وأما من خافت أن لا يستيقظ فالأفضل أن تصلي وتوتر قبل أن تنام، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي وغيرها.
المكانة العالية لقيام الليل:
لقد أعلى الله شأن هذه العبادة الجليلة, ورغب فيها نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام... ومما يدلك على مكانتها تلك الآيات والأحاديث الواردة في فضلها:
● أمر الله لنبيه عليه الصلاة والسلام بقيام الليل إذ قال جل وعز:{ يَا أيُهَا الْمُزَّمّلُ * قُمْ اللّيْلَ إلاَّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ منْهُ قَلِيلاً * أو زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرآنَ تَرْتِيلاً} المزمل
وقوله تعالى{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} الإسراء
● حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها والعناية بها حضراً وسفراً فعن عائشة رضي الله عنها قالت(كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه . فقلت له : لم تصنع هذا يا رسول الله ، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال أفلا أكون عبداً شكوراً (متفق عليه.
● قيام الليل من صفات عباد الرحمن الذين امتدحهم الباري في سورة الفرقان فقال في وصفهم {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}
● وقال النبي صلى الله عليه وسلم (في الجنة غُرفة يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فقيل : لمن يا رسول الله ؟ قال:لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وبات قائماً والناس نيام) صححه الألباني.
● وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما( نِعمَ الرجل عبد الله ، لو كان يصلي من الليل(متفق عليه.
قال سالم بن عبد الله ابن عمر : فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
● وقال صلى الله عليه وسلم) من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين ) صحيح أبي داوود.
قوم فقــهوا فعــملـوا:
هذه الآيات والأحاديث الواردة في فضل قيام الليل لم تمر مرور الكرام على سلفنا الصالح, بل اتبعوا العلم بالعمل, واجتهدوا في مرضات الله فحازوا الشرف في الدنيا ونسأل الله أن يبلغهم الشرف الأعظم يوم القيامة...
ولنا معهم وقفات نتأمل فيها حال رهبان الليل فرسان النهار فهي مما يبعث الحماس في النفس:
● عن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلن يصلي ما شاء الله حتى إذا كان آخر الليل يعظ أهله يقول : الصلاة الصلاة و يتلوا{ و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها } ) رواه أبو داود
قال الحافظ ابن كثير عن ليل عمر:"كان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر"
● وقف العبّاد بن بشر يصلي الليل كله وكان مكلفا بحراسة المسلمين في إحدى الغزوات فأتى رجل من الأعداء فرماه بسهم فوقع في كتفه لكنه كان متلذذاً في قربه ومناجاته لربه، فنزع السهم واستغرق في صلاته ولم يعبأ بآلامه، فلم يلبث الكافر أن رماه بسهم آخر فيقع في كتفه أيضا، فينزعه ويكمل الصلاة.. فيعيد الرجل الكرة مرة ثالثة ويقع في المكان نفسه فينزعه، ثم يركع ويسجد ويسلم، ثم يوقظ الصحابي الآخر الذي يتناوب معه بالحراسة، لا لشيء إلا ليتولى حراسة المكان، لا ليشكو ما حدث له!! فيسأله الصحابي الآخر: لماذا لم توقظني من أول سهم رميت به؟ فيقول: كنت أقرأ سورة من القرآن فكرهت أن أقطعها! ولأن أكمل الركعتين أحب إليّ من خروج روحي.
● وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه اذا هدأت العيون وأرخى الليل سدوله، سمع له دويّ كدوي النحل وهو قائم يصلي.
● فهذا عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من شدة الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع حائط.
● وكان منصور بن المعتمر إذا ادلهم الليل وبسط جناحه المظلم على البيوت يصلي في سطح بيته، فلما مات قال غلام صغير يسكن في البيت المجاور: يا أماه! الجذع الذي كان على سطح آل فلان لست أراه الآن، فقد كان يظنه جذعاً واقفاً طوال الليل لا يتغير، فقالت أمه باكية متأثرة: يا بني ليس ذلك والله بجذع، إنما ذلك منصور وقد مات!!!
● كان عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول : ما ألينك ولكن!!! فراش الجنة ألين منك ثم يقوم إلى صلاته .
● وكانت حبيبة العدوية إذا صلت العشاء ، قامت على سطح دارها وقد شدت عليها درعها وخمارها ، ثم تقول : إلهي ، غارت النجوم ، ونامت العيون ، وغلقت الملوك أبوابها ، وبابك مفتوح ، وخلا كل حبيب بحبيبه ، وهذا مقامي بين يديك ، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها لربها إلى السحر ، فإذا جاء السحر قالت : اللهم هذا الليل قد أدبر ، وهذا النهار قد أسفر ، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهنى ، أم رددتها علي فأعزى.
● كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل فإذا أصابه فتور أو كسل قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه ، والله لأزاحمنهم عليه ، حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالا !! ثم يصلي إلى الفجر.
نعم أيها الفاضلات فلنتنافس معهم, ونسابقهم في الخيرات, ولنتغلب على هوى أنفسنا والشيطان لننال بذلك الأجر العظيم...
ثمرات قيام الليــل:
قيام الليل نعمة كبرى, والموفق من سعى إليها وحافظ عليها...ففيها من الفوائد والثمرات ما تشتاق إليه نفوس العارفين, وتطمع إليه قلوب المخبتين...فمن ثمراته:
1- الأنس بربك والتلذذ بمناجاته قال الحسن البصري: "ما أعلم شيئاً يتقرب به المتقربون إلى الله أفضل من قيام العبد في جوف الليل إلى الصلاة "
2- هو شرف المؤمن وسؤدده قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أتاني جبريل فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مُفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مَجزيّ به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس) حسن صحيح
3- من أعظم الأسباب الموصلة للجنة قال صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن سلام(يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام) سنن الترمذي.
4- إن أنتِ جمعت بين حفظك للقرآن وقيامك به بالليل فأنتِ المغبوطة بين الناس جميعاً مصداقاً لقول نبك عليه الصلاة والسلام(لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار) البخاري.
5- يورثك الرضا والقناعة والاطمئنان قال تعالى{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} طه.
6- قيام اللّيل أبلغ في الحفظ وأثبت في الخير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه)السلسلة الصحيحة .
فعبادة اللّيل أشد نشاطاً وأتم إخلاصاً وأكثر بركة قال تعالى{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وطئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} المزمل
7- قيام الليل ينقي القلب مما يشوبه من أمراض وآفات قال يحيى بن معاذ:" دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام اللّيل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين "
8- به تصفو النفس وينشط البدن فقد قال صلى الله عليه وسلم (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة مكانها : عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) البخاري.
9- به تستمطرين سحائب رحمات ربك الرحيم التواب فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال(رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء) سنن أبي داوود.
10- ضحك الله للقائمين بالليل واستبشاره بهم ففي الحديث(ثلاثة يحبهم الله ويضحك لهم ويستبشر بهم,وذكر منهم... والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيقول يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا فقام من السحر في ضراء وسراء) حديث حسن...
وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه كما في الحديث الصحيح.
11- به تكتبين من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات قال صلى الله عليه وسلم(من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) سنن أبي داوود.
مالأسباب الميسرة لقيام الليل؟
مما لاشك فيه أن تهفو قلوب المؤمنات الصادقة أن تنال هذا الشرف العظيم, وتزاحم مع من زاحموا لتصف أقدامها باب رب العالمين...ولذا سنذكر شيئاً من الوسائل التي تعينك بعد الله على قيام الليل:
1- تذكر منزلة قيام الليل عند الله عز وجل وما أعده من عظيم الثواب للمتهجدين.
2- النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم بإحسان, كيف كانت هممهم ومسابقتهم في الخيرات وطول قيامهم.
3- إخلاص النية لله عز وجل فهي مناط العمل قال ابن القيم رحمه الله :" وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته ، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك"
4- قصر الأمل وتذكر الموت فإنه يدفعك إلى المثابرة في العمل ويذهب عنك الكسل؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) متفق عليه.
5- الحرص على النوم مبكراً حتى يأخذ الجسم حاجته من الراحة فتستيقظي لقيام الليل بقوة ونشاط فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها..
6- اختيار الفراش المناسب ، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش ، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة ، ومجلبة للكسل والدّعة ، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف . رواه أبو داود وأحمد
7- الحرص على آداب النوم الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم...من النوم على طهارة والاضطجاع على شقك الأيمن, ثم الدعاء بما ثبت من أذكار ما قبل وبعد النوم.
8- الحرص على نومة القيلولة بالنهار, وهي إما قبل الظهر أو بعده ، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل )رواه الطبراني
وقد مرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال : أما يقيل هؤلاء ، فقيل له : لا فقال : إني لأرى ليلهم ليل سوء.
9- عدم الإكثار من الأكل والشرب في المساء فيغلبك النوم، ويصعب عليك القيام، وقد قيل: لا تأكل كثيراً، فتشرب كثيراً، فتنام كثيراً، فتخسر كثيراً، وقال لقمان لابنه وهو ينصحه: يا بني! إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.
10- لا ترهقي نفسك بأعمال مجهدة خلال النهار فتستهلك كل طاقتك ونشاطك.
11- الحذر الحذر من الذنوب والمعاصي والإصرار عليها قال رجل لإبراهيم بن أدهم :" إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال : لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف ."
وقال رجل للحسن البصري : "يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟ فقال الحسن : ذنوبك قيدتْك"
12- الابتعاد عن فضول النظر والكلام؛ فإن ذلك يقسي القلب، ويبعده من الرب.
13- التدرج في القيام ولا تكلفي نفسك فوق طاقتها حتى لا تمل فتتركِ القيام كلياً فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ : امْرَأَةٌ لَا تَنَامُ ، تُصَلِّي . قَالَ : (عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا) وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.
كانت هذه جملة من الأسباب المعينة بعد الله على أداء هذه العبادة العظيمة...
ختاماً:
إن لدموع السحر لذة لا تعدلها لذة, فيها الأنس برب رحيم والشكوى لربٍ قدير ومن جميل ما يطرح في هذا المقام ما قاله ابن القيم رحمه:"إذ استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنس الناس بأحبائهم فأنس أنت بالله، وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله"
أسال الله ألا يحرمنا وإياكن لذة مناجاته, ولذة النظر إلى وجهه الكريم...
ثابري واقتفي الأثر
( الدعوة إلى الله )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
إن الدعوة إلى الله عز وجل هي شرف كل مؤمن ومؤمنة...وهي العز والسؤدد.
كيف لا يكون ذلك وهي سبيل نبينا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام{ قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} يوسف
الدعوة إلى الله نور هداية, ومشكاة صلاح, فهنيئاً لمن حمل هذا المشعل المبارك وسار به ليضيء للناس طريقهم , ويأخذ بأيديهم إلى الله عز وجل...
ففي زمان ترى فيه تسارع أعدائنا في استهداف شبابنا وفتياتنا...زمان كثر فيه الناعقون بإسم الدين وهو منهم براء...زمان يعج بالفتن...كبحر هاجت به الريح فتلاطمت أمواجه...
إلا أنه ثلة من فتياتنا, وأخواتنا, وبنياتنا, كنَّ كجلمود صخر...تحطمت عليها آمال المفسدين... ومخططات المغرضين.
لله درهنّ...نساء صالحات مصلحات...حملن هم هذا الدين...وأشعلن مصابيح الهدى...في طرقات اعتلاها الظلام...
حملنها سائرات بها في قوافل الداعيات...وركاب الصالحات...على خطى الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه...سائرات في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل
الدعوة إلى الله عند حافظة الوحيين:
حافظة الوحيين تحفظ قول باريها جل في علاه حيث قال{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فصلت
وثبت في صدرها قول نبيها عليه الصلاة والسلام(نضّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه) سنن أبي داوود
ولم يكن أبداً هذا الشرف حكراً على الرجال, بل لشقائقنا من النساء حظ وافر ونصيب منه تماماً كنصيب الرجل...
فخطاب التكليف جاء عاماً لم يفرق بين الرجل والمرأة قال تعالى:{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}آل عمران
لا يمكن أن نستغني عنك في هذا المجال...أتدرين لماذا؟؟
مهما كثر الدعاة والمصلحون من الرجال إلا أنه تبقى الحاجة ملحة لوجود أخوات فاضلات داعيات إلى الله في الأوساط النسائية...ويرجع ذلك لعدة أسباب منها:
* أنها تدرك تماماً طبيعة الوسط النسائي وخصوصياته ومشكلاته.
* هي أقدر من الرجل في خوض التفاصيل والإفصاح في ذلك نظراً لتجانس الظروف.
* وكذلك المرأة تتأثر بأقوال أختها وأفعلها أكثر من تأثرها بالرجل لأنها ترى فيها التطابق في القدرات والتحمل إلى نوع ما.
* أيضاً قدرتها على الوصول إلى كافة الشرائح النسائية والحديث معهن بإنبساط تام لعدم وجود الخلوة المحرمة كما هو المحظور بين الرجل والمرأة.
* والمرأة بحكم معاشرتها لمجتمع النساء تستطيع أن تحدد الأولويات التي تحتاجها المرأة في مجال الدعوة.
إذاً نحن بحاجة ماسة جداً جداً جداً لوجود داعيات في الأوساط النسائية, فهي خير من يحمل هذا اللواء وأجدر من ينشر الخير في تلكم المجتمعات...
فإن غابت شمس تلك الداعية, وأحجمت عن حمل هذا اللواء فهي بلا شك تترك ثغرة خطيرة, يتسلل من خلالها الذين يتربصون بأخواتنا لنشر سمومهم...
فإياك أن تتخلي عن دورك... وإياك أن يؤتى الدين من قِبلك.. وتذكري الأثر العظيم الذي تتركينه من بعدك...
ثمرات دعوتك إلى الله:
هل تعلمين ماذا تجنين من ثمار وما تبقين من آثار إذا كنت داعية إلى الله؟
1- من الآثار المهمة سد ثغرة من ثغور الإسلام؛ وقطع الطريق على المتربصين به, وإفشال مخططاتهم.
2- تساهمين بشكل فعال في نشر العلم ورفع الجهل...عن كثير من المجتمعات النسائية.
3- مشاركتك في الدعوة تثبت للعالم بأن الإسلام لم يهمل مكانتك ولم يغفل دورك البته.
4- تشعرين بقيمتك كعضو فعال صالح مصلح في أمتك.
5- كما أن قيام المرأة بالدعوة يجعل منها رقيبة على نفسها في قولها وفعلها وحركاتها وسكناتها, فتكونين خير قدوة لأخياتك.
وغير ذلك من الآثار العظيمة والثمار الطيبة, التي تجنينها من خلال نشاطك الدعوي.
إن لعملك ضوابط حتى لا تجنين الشوك:
نعم نحن بحاجة إلى تلكم الداعية الفاضلة...صاحبة الهمة العالية والخير العميم...ولكن لا ينبغي أن يدفعها الحماس أن تقدم المهم على الأهم..وأن تحتج بقول الغاية تبرر الوسيلة...لا
بل هناك ضوابط يجب عليها التقيد بها حتى نجني الثمار اليانعة, ونجسد المعاني السامية ونُشيّدها بدلاً من هدمها تحت شعار الدعوة إلى الله...ومن هذه الضوابط:
* تحريم خلوتها بالأجانب، صلى الله عليه وسلم (لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) البخاري... وفي رواية (إلا كان الشيطان ثالثهما) .
* تحريم سفرها دون محرم حتى وإن كان للدعوة، فقد قال الحبيب صلى الله عليه و سلم (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) البخاري.
* الأصل في الدعوة والتصدر للميادين العامة أنها للرجال، كما كان الحال عليه في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة, بل تحاول جاهدة أن تكون دعوتها خاصة بالأوساط النسائية لأن هذا هو مجالها.
* لا تشغلك الدعوة عن واجباتك ومسؤولياتك تجاه بيتك وزوجك وأبنائك فهؤلاء حقهم أعظم...وأنت مسئولة عنهم مسئولية تامة.
حقيقة يجب أن تدركيها:
أختي الفاضلة, يا داعية إلى الخير والهدى..اعلمي رعاك الله أن ميدان الدعوة إلى الله, ميدان لا يخلوا البتة من الاحتكاك بالناس والتعامل معهم ومخالطتهم إختلاطاً هادفاً, وإلا كيف سيكون النصح لهم إذاً ؟؟!!
لذا كان من الضروري على الداعية أن تتقن عدداً من المهارات, لتجعل منها داعية ناجحة محبوبة قريبة من الجميع...
والهدف: ترغيب من حولك وجذبهم إلى ما تحملينه من خير ونصح وصلاح..
فإذا وصلتي إلى قلوب من تناصحيهم , تكونين بذلك مهدتِ الطريق وهيأتِ النفوس لتقبلها والعمل بها... وقد وجهنا الله في محكم التنزيل إلى أهمية كسب القلوب والاستفادة منها في مجال النصح فقال:{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف
وقال ابن تيمية رحمه الله (المحبة والإرادة أصل كل دين ، صالحاً كان أو فاسداً [ لماذا ؟] لأن المحبة هي التي تبعث وتحرك الإرادة ، وهي التي تمضي وتوقع الفعل في الواقع )
ومضات على بعض المهارات:
لاشك أن المهارات وفنون التعامل التي تحتاجها الداعية كثيرة جداً, والمجال فيها واسعاً..
ولعلنا نلقي الضوء هنا على أهم المهارات التي تقربك من قلوب الناس, وتزيل الحواجز فيما بينكِ وبينهم...لتستقر النصيحة في سويداء قلوبهم...
● سحر الابتسامة:
هي أسرع طريق في امتلاك القلوب, لها تأثير عجيب..فهي تشعر من حولك بالطمأنينة والأنس, وهي أول خطوة في تآلف الأرواح...
فضلاً عن ذلك فهي عبادة وقربة..قال صلى الله عيه وسلم ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) الترمذي.
● المبادرة بالسلام:
فقابلي أخواتك بوجه يتهلل سعادة وبشاشة, ثم بادري بمد يدك مصافحة لهنّ, تُلقين عليهن أعظم تحية وهي تحية أهل الجنة.." السلام عليكم ورحمة الله "
لتزيلي بذلك كثيراً جداً من الحواجز فيما بينك وبينهن..وقد قال صلى الله عليه وسلم (تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء ) حديث حسن
وقال الحسن البصري (المصافحة تزيد في المودة)
● إظهار الاهتمام بمن أمامك:
من طبيعة البشر أنهم يميلون إلى من يهتم بهم, ويحترم وجودهم, ويقدر شخصياتهم...ولعلك تلمسين هذا الشيء في نفسك وفيمن يتعامل معك..
ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة, فقد أخبر أنس رضي الله عنه عن جانب من شمائل نبينا عليه الصلاة والسلام فقال(وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه وما تناول أحد بيده إلا ناوله إياها فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه)
فحاولي إشعار أخواتك بأهميتهن لديك, استشيريهن في بعض الأمور, ولا تحطمي آرائهن, رويداً بهن حتى تتركي إنطباعاً طيباً في نفوسهن تجاهك.
● إحسان الظن بأخواتك:
إن إساءة الظن بمن حولك, وتفسير ما يصدر عنهن وحمله على أسوء الاحتمالات, هذا من شأنه أن يسبب الفجوة, ويزيد الحواجز بينك وبينهنّ..
بل عليك إحسان الظن بهنّ, وأن تنظري إليهن بعين الرحمة والشفقة, والتمسي الأعذار لهن..فهذا من صفات المؤمنين يقول العالم الجليل ابن المبارك ( المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم ).
فإن جاهدتِ في ذلك, وجدتِ في قلبك إنشراحاً, وإقبالاً عليهنّ...وحتماً سيبادلنكِ نفس الشعور..
● البسي جلباب التواضع:
إن التكبر والعلو صفة تنفر الناس من صاحبتها, ويتجنبون مخالطتها والاحتكاك بها..لأنهم لا يرون سوى الازدراء والسخرية والاستحقار منها..
أما المتواضعة, لينة الجانب, خافضة الجناح, الكل يرغب مصاحبتها والتقرب إليها...لأنهم يرتاحون في تعاملهم معها...إذ لا علو ولا ازدراء..
فاحذري أن تنظري لأخواتك بنظرة العلو وأنك الأفضل منهن,وألبسي جلباب التواضع الذي أُمر به نبيك عليه الصلاة والسلام وهو صاحب الخلق العظيم فقال الله له{ واخفض جناحك للمؤمنين} الحجر... وفي آية أخرى{ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}الشعراء
● املئي قلبك بالرحمة:
فالدعوة تحتاج منكِ أن تكوني ذات قلب كبير يسع الجميع, ويفيض عليهم محبة ورحمة...لأن الأصل أن رحمتك بهم هي الدافع لمناصحتهم وبذل الخير لهم...
فإذا لم تجد أخياتك منك سوى الجفاف والغلظة, وشدة الغضب وسرعة الإنفعال..حتماً سينفرن منك ولن يتقبلن أي نصح وتوجيه منك..واسمعي ماذا قال الله عز وجل لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام{ فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} آل عمران
فهذا يدلك على أهمية التخلق بالرحمة في كسب قلوب الناس.
كانت هذه ومضات عاجلة لأهم المهارات...فما لا يدرك كله لا يترك جله...
وفي الختام أختي الفاضلة:
فلنحرص على إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولنضرب بسهامنا مع من ساهموا في مجال الدعوة, ولنسارع لنحلق بركاب الدعاة والمصلحين.
واعلمي أن الأيام تمضي والعمر ينقضي, ودقائقنا بل ثوانينا وحتى أنفسنا محسوبة علينا, فإما أن تسمو بنا نحو زيادة الخير ولإيمان, أو تهوي بنا في وحل الآثام والعصيان.
الحذر من غيبة القلوب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..
نبتدئ بالحمد لله إذ جعلنا من خير أمة أخرجت للناس, أمة يرى المتأمل في شريعتها سمو المقاصد, وتحقيق السعادة للبشرية جمعاء..
إن الحرص على توطيد العلاقة بين المسلمين, والحرص على سلامة قلوبهم تجاه بعضهم هو من مقاصد شريعتنا الغراء, وهكذا تجدين القرآن يؤكد على مبدأ الأخوة في الدين, وعظم حقها قال تعالى{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الحجرات.
فالأصل أن تكون علاقتنا راسخة ثابتة كالجسد الواحد, وقلوبنا محملة بالمحبة, والتراحم, والألفة, والتعاون فيما بيننا, والبعد كل البعد عما يقدح في هذه الأخوة, ويزعزع ثوابتها قال صلى الله عليه وسلم(مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) البخاري ومسلم
ألا وإن من أخطر ما يفتك أواصر هذه الأخوة والمحبة بين أبناء الدين الواحد...
سوء الظن المهلك الذي يحمله الأخ على أخيه, لينتزع الثقة وتدب الفرقة في جسد الأمة.
الظن عند حافظة الوحيين:
أيتها الكريمة أنتِ تحفظين قول ربك جلّ جلاله{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}الحجرات
وتحفظين قول نبيك عليه الصلاة والسلام إذ يقول محذراً(إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث..) رواه البخاري ومسلم
فهيا بورك فيك...لنقف سوياً عند هذين النصين, ونتأمل حال قلوبنا ونفتش عن سلامة صدورنا من مرض سوء الظن بإخواننا..
ماذا نقصد بسوء الظن؟
هو اعتقاد جانب الشر وترجيحه على جانب الخير فيما يحتمِلُ الأمرين معاً.
وقيل سوء الظن هو: الاتهام بغير دليل أو كما قال البعض: هو غيبة القلب، يُحَدث نفسه عن أخيه بما ليس فيه.
أقسام سوء الظن:
قسم العلماء سوء الظن إلى قسمين:
● سوء الظن بالله : وهو أشنع ما يقع في قلبك أن تسئ الظن بربك وخالقك قال تعالى: { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } آل عمران
وقال تعالى { الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} الفتح
ومن ذلك أن تظني بأن الله لا ينصر دينه وأن الدين مهزوم أو تظني بأن ذنوبك وصلت لدرجة لا تجدي معها توبة ولا تسعها رحمة فتقعي في اليأس والقنوط, أو تسيء الظن في حكمة ربك وعدله في عطائه ومنعه, فتعتقدي أنكِ مبخوسة الحظ وأنك تستحقين فوق ما أعطاك الله..
● القسم الثاني وهو سوء الظن بغيرك من المسلمين:
وهذا لا يجوز، وذلك أن من حكم بِشرّ على غيره بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره وعدم القيام بحقوقه والتواني في إكرامه وإطالة اللسان في عرضه وكل هذه مهلكات .. وكل من رأيته سيء الظن بالناس طالباً لإظهار معايبهم فاعلمي أن ذلك لخبث باطنه وسوء طويته , فإن المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه , والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه .
أضرار سوء الظن:
لسوء الظن آثار سيئة وعواقب وخيمة فنذكر شيئاً من مساوئه ليتضح لنا مدى شناعة هذا الخلق السيئ:
* إن حامل هذه الصفة هو يحمل صفة من صفات المنافقين إذ قال الله تعالى فيهم{ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ، وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} الفتح
ويقول تعالى{ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا}
* يوغر الصدور بين الأخوة ويملؤها غلاً وحقداً.
* سوء الظن إذا تمكن من النفس دفعها للتجسس, وتتبع العورات والعثرات.
* يجعل صاحبه أسير نفسه ووساوسها, قلق دائماً وذو فكر منشغل.
* يُفقد صاحبه الثقة بنفسه وبمن حوله, فيصبح منبوذاً لا صاحب له.
* هو آفة تفتك بروابط الأخوة بين المسلمين فتنقض عراها فيصيب الأمة الوهن آنذاك وتصبح لقمة سائغة في متناول أعدائها.
لماذا نقع في سوء الظن؟
هناك عدة أسباب تؤدي بالواحد منا أن يسلك هذا السبيل الخطير ومن ذلك:
1- ضعف الإيمان في القلب, إذ يكون مستسلماً لما يلقيه الشيطان في نفسه من أوهام وتصورات بهدف القطيعة بين المسلمين.
2- التواجد في بيئة يكثر فيها الشك والظنون السيئة.
3- خبث النفس وفسادها تجعله ينظر للناس بنفس المنظار.
4- امتلاء النفس بالعجب والكبر مما يدفعه لتزكية نفسه واتهام غيره قال أحد الصالحين" ويلكم عبيد السوء ترون القذى في أعين غيركم ولا ترون الجذع في أعينكم"
5- عدم وزن الأمور بميزانها الصحيح وتعميم خطأ شخص ما على كل من حوله.
هل أستطيع التخلص من هذه الآفة؟
نعم أختي المباركة..سأذكر لك عدة أمور من خلالها بإذن الله تعالجين ما يقع في نفسكِ من إساءة الظن:
1- أليست القلوب بيد الرحمن؟؟ إذاً توجهي بصدق إلى ربك جل في علاه وانطرحي على أعتابه وسليه أن يرزقكِ قلباً سليماً ونفساً مطمئنة.
2- استعرضي خطر هذا المرض وأضراره..وكيف أن ربك نهاكِ عنه وحذرك منه.
3- حاوري نفسكِ وحدثيها ملياً وضعيها مكان الشخص الذي أسأتِ الظن فيه, هل ترين أن هذا الفعل يصدر منك؟؟ فسيدفعك هذا لإحسان الظن به وتأملي قول الله عز وجل في حادثة الأفك { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} وهذا هو الأصل في تعاملنا مع أخواننا.
4- أغلقي على الشيطان كل مدخل, وابدئي بتذكر محاسن من أسأتِ الظن فيه, وما يحمله من صفات الخير والصلاح, فإن هذا يغيظ الشيطان.
5- تجنبي الدخول في النيات والحكم عليها, فإنه لا يعلم مكنون الفؤاد إلا الله عز وجل.
6- قبل أن تصدري الحكم على من أسأت الظن به, التمسي له العذر تلو العذر, فلربما كان حقيقة عمله بعيداً كل البعد عما ظهر لك وبدا وتأملي هذا الموقف لنبيك عليه الصلاة والسلام إذ جاءت إليه جاءت صفية رضي الله عنها وهو معتكف في المسجد فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لتنصرف، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يوصلها، فمر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله وانصرفا مسرعين فناداهما، فقال لهما: على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي. فقالا: وهل نظن بك إلا خيرا يا رسول الله؟ قال( إن الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم، وخشيت أن يقذف في قلوبكما شرا)
7- لا تقدمي سوء الظن مادام أن هناك مساحة للإحسان وحمل الأمور على الخير وتلمس الأعذار وهكذا كان دأب سلفك الصالح رضي الله عنهم, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً".
8- تذكري أن لحسن الظن حلاوة ولذة, فلا تستبدليها بمرارة الأسى وسوء الظن بمن حولك.
ثمرات حسن الظن:
* به تنعم النفس بالسكينة والطمأنينة والسلامة من دوافع القلق والريبة.
* استقرار النفس يدفعها إلى مزيد من التقدم والنجاح.
* يزيد من ثقتك بنفسك وبمن حولك.
* تجدين إندفاعاً نحو أخياتك وصويحباتك فتنعمين بإخوة صادقة.
* وهو بذلك يقوي الروابط الأخوية ويزيدها فينعكس بذلك على قوة الأمة وتماسكها..
ختاماً:
ما أجمل أن ننقي صدورنا من شوائب البغضاء والتنافر.. لننعم أولاً بطاعة الله عز وجل, ثم بالسعادة التي ارتضاها لنا ربنا تبارك وتقدس من خلال هذه التعاليم السمحة والتي تعجز والله قوانين البشر جمعاء أن تأتي بعشر معشارها.
ليست جلبابك أيتها الحافظة
( السخرية )
الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين...والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
لقد كرم الله ابن آدم وفضله على سائر خلقه إذ قال:{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}الإسراء
والإسلام حرص على الاهتمام بالإنسان, وشرع حدوداً وواجبات تكفل حقوقه وتحترم إنسانيته, وجعل أساس المفاضلة بين الناس قائم على التقوى...
فلا الشكل ولا اللون ولا العرق تعلي من مكانة المرء أو تحط من قدره, قال تعالى :{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات
ولكن هذا المعنى العظيم الذي جاءت به شريعتنا الغراء, غاب عن أعين الكثير من أبنائها مع الأسف الشديد, فأصبحنا نوهن أمتنا وننخر في جسدها, بأمراض تكاد تفتك بها, وتتشتت اجتماعها...أمراض وآفات تقطع أوصال المحبة والإخاء, وتوغر الصدور وتورث البغضاء...
ومن هذه الآفات آفة السخرية والاستهزاء, والنظر بعين الكبر والاستعلاء...
إنه بالفعل خُلق سيء ذميم, جدير بمن حملت خير الكلام في قلبها أن تطهره من أدران هذه المهلكات, لتسمو بعلمها الطاهر وتصبح كنبيها وقدوتها عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشي على الأرض وليست مجرد حافظة مرددة دون تطبيق وعمل...
مالذي يحذر حافظة الوحيين من السخرية؟
يحذرها آية تحفظها من كتاب باريها عز وجل إذ يقول متوجهاً بالخطاب لها بعد مخاطبة الرجال حيث قال{ياأيُّها الَّذين آمنوا لا يَسخَرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يَكُنَّ خيراً منهنَّ ولا تَلْمِزوا أنفُسَكُم ولا تنابَزوا بالألقابِ بئْسَ الاسْمُ الفسوقُ بعد الإيمانِ ومن لم يتُبْ فأولئك همُ الظَّالمون} الحجرات
ويحذرها وصية نبيها عليه الصلاة والسلام إذ قال فداه نفسي وما أملك(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره,التقوى ههنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات, بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم,كل المسلم على المسلم حرام , دمه وماله وعرضه) رواه مسلم
فهيا أيتها الفاضلة, يا حافظة الوحيين...لنكن كسلفنا الصالح وقّافين عند آيات الله وحدوده, نربي أنفسنا ونجاهدها على ما يحب ربنا ويرضى...فالفلاح كل الفلاح بتطبيق ما جاء في هذين النبعين الصافيين[ كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام]وما ضعفت أمتنا وهزت أركانها إلا بابتعادها عنهما...
ماذا نعني بالسخرية؟
هي الاستهانة بالناس واستحقار مكانتهم واستصغارهم, والتنبيه على ما فيهم من عيوب ونقائص بقصد إضحاك من حولهم عليهم وتقليلاً من شأنهم.
وهي لا تصدر إلا من نفس مريضة خبُثت بداء الكبر والعجب نسأل الله السلامة والعافية.
صـــور السـخريــــــــة
إن من أصيب بهذا الداء, تجده متصيداً متتبعاً لنقائص إخوانه جاعلاً منها مصدراً لإشباع هوى نفسه وإمتاعها فيما يغضب ربه سبحانه وتعالى ويجرح مشاعر غيره...ومن صور هذا الازدراء:
* السخرية بلقب أخيتك, ونعتها وندائها بصفة أو لقب أو اسم تكرهه بقصد جعلها مثاراً للسخرية والضحك.
* السخرية من خلقة أخيتك الجسدية, ولونها وشكلها, وهذا فيه اعتراض على الخالق سبحانه إذ هو من خلقها بهذه الصورة لحكمة تخفى علينا, وهذا خطر لا يشعر به المستهزئ والعياذ بالله.
* السخرية من الوضع المادي المتدني لأخيتك وطبقتها الإجتماعية وازدرائها لهذا السبب.
* السخرية بطريقة كلام أخيتك وتنبيه من حولها على ملاحظة بعض اللوازم الفطرية التي تصاحبها أثناء حديثها نحو تكرار كلمة معينة أو إصدار حركة تلقائية, بقصد إضحاكهم عليها.
* السخرية من مستوى تفكير أخيتك وبساطة عقليتها, ونعتها دائماً بالغباء والسذاجة.
* السخرية من مصاب أخيتك, بأن تكون مريضة أو تأخر بها الزواج أو حرمت من الولد...
* والأشنع من ذلك كله السخرية من أهل الصلاح, فيُسخر من طريقة تسترها واحتشامها, وهيئتها وأفعالها والذي يعتبر انتقاصاً للدين الذي تسير على تعاليمه.
وما إلى ذلك من الصور التي توضح شناعة هذا الفعل وسوء النفس التي تحمل هذه الطوية...
دوافــــع الســخريــــة
مالذي يدفع الشخص بأن ينال من أخوته ويحقرهم, ويؤذي مشاعرهم؟؟؟
بلا شك هناك عدد من الأسباب دفعت به إلى هذا الأمر نذكر منها:
1- التكبر على الناس والنظر إليهم بعين الفوقية والاستعلاء.
2- الحقد والغيرة ما يجعله يبادر بإطفاء نيرانها عن طريق انتقاص أخيه والسخرية منه.
3- الشعور بالنقص فيحاول تغليفها بانتقاص الآخرين.
4- النشأة في بيئة فاسدة يكثر فيها السخرية والاستهزاء, فتجد الطفل منذ نشأته لا ينادى إلا بأسماء وألقاب قبيحة فينشأ على ذلك.
5- أصحاب السوء والذين يشجعونه على تقليد الآخرين والسخرية منهم واتخاذ ذلك تسلية وترفيهاً.
6- قد تكون سخريته ردة فعل لما يواجهه فقد يكون هذا الشخص محطاً للسخرية من الآخرين فيسخر من الجميع.
آثار السخرية المدمرة
إن النتائج التي يخلفها هذا العمل كثيرة، ووخيمة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه، ولكن نذكر أهمها على سبيل المثال لا الحصر :
1- تورث البغضاء وتوغر الصدور بين الأخوة.
2- تفجر الأحقاد وتهيج الضغينة والكراهية.
3- تقطع أواصر الإخاء والألفة فيضحي المجتمع متمزقاً متفككاً.
4- تسلب الشخص المستهزأ منه الثقة بنفسه وتورثه شخصية مهزوزة.
5- أنها تدخل الساخر في الفسوق والعياذ بالله ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر}
6- أن من لم يتب منها فإنه معرض لعقاب الله كما قال تعالى{ ويل لكل همزة لمزة} الهمزة
7- أن من لم يتب منها فهو ظالم لنفسه مستحق للعقوبة لقوله تعالى بعد التحذير منها{ ومن لم يتُبْ فأولئك همُ الظَّالمون} الحجرات.
كيف الخلاص من هذه الآفة؟
يجب على كل منا أن يفتش عن مكامن الخلل في نفسه ويجاهد في سبيل التخلص منها, وقهر النفس على أن تكون بحالٍ يحبها الله ويرتضيها لعباده المؤمنين...
فمن ابتلي بهذه الآفة فلعلنا أن نذكر بعض الوسائل التي تعينه بعد الله على الخلاص منها:
1- صدق التوجه إلى الله وسؤاله والإلحاح عليه بأن ينقي قلبك ويطهره ويجعلك من أهل القلوب السليمة.
2- استعرضي الآثار السيئة لآفة السخرية, وكيف أنها تدمر العلاقات الأخوية....فهل ترغبي أن تكوني أحد المسببات في فرقة الأمة وتشتتها؟؟؟
3- تذكري أن هذه الصفة الشنيعة تورثك غضب الله وسخطه.
4- تذكري حسناتك وكيف تعبتِ وحرصتِ على نيلها ثم بعد ذلك تذهب هدية لأولئك الأشخاص الذين سخرتِ منهم وانتقصتِ كرامتهم,في وقت ستكونين فيه بأمس الحاجة للتخفف من الأوزار...فالحذر الحذر.
5- إن جمحت بك نفسك وأردت السخرية بأخية لك فتذكري أن الذي ابتلاها قادر على أن يعافيها مما أصابها ويبتليك قال صلى الله عليه وسلم(لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك) سنن الترمذي
6- حفظ اللسان وإلجامه بلجام التقوى والتمسك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) البخاري
7- تذكري أنه من دواعي الإيمان أن تحبي لأخياتك ما تحبيه لنفسك قال صلى الله عليه وسلم(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) البخاري, فكما لا تحبين أن يُسخر منك ويُنتقص من قدرك يجب عليك أن تحبي ذلك لأخواتك وإخوانك المسلمين.
8- الاشتغال بعيوب النفس وإصلاحها.
ختاماً:
ما أجمل أن تصفو أنفسنا لإخواننا, ومخاطبتهم بالكلام الطيب الحسن..
ما أجمل الاحترام والتقدير بين الأخوة, لا تجريح...لا شحناء...لا بغضاء وتنافر..
فلنكن كما وصانا الرحمة المهداة صلوات ربي وسلامه عليه..( لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا) البخاري
لحوم لا تأكلها الحافظة
( الغيبة )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
من نعم الله العظيمة على عباده, نعمة قليلٌ ما تفكرنا بها, وكثير ما تساهلنا بها..
إنها نعمة البيان والإفصاح عما في النفس قال تعالى{الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} الرحمن.
وأداة هذا البيان هو ذاك العضو الصغير في حجمه..العظيم في طاعته وجرمه..إنه اللسان..رحب الميدان فمن أرخى له العنان, يخوض به كل مجال, بلا تورع ولا حذر...سلك به الشيطان مسالك تورده المهالك فعندما سأل معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا( وهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله، أجابه فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) الترمذي
ألا وإن من أخطر آفاته, الغيبة وما أدراك ما لغيبة؟؟؟
داء استشرى في اجتماعاتنا, أصبح فاكهة المجالس وزينتها, لا يستأنس المتحدث إلا به, ولا يجد لذة لحديثه إلا إذا خاض فيه...تجد الواحد منا متورعاً عن الظلم وأكل مال الحرام ولكن لسانه يلوك بأعراض إخوانه مستحلاً حرمتهم..قال ابن القيم رحمه الله: "وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يغري في الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول"
فحري بتلك الحافظة المباركة أن يحملها عقلها ويدفعها إيمانها إلى الاعتناء بهذه الجارحة, والحذر كل الحذر من أكل لحوم البشر...
مالذي يحذر حافظة الوحيين من الغيبة؟
يحذرها نداء الرحمن لأهل الإيمان الذي تحفظه في قلبها وتحفظ به جوارحها قال تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} الحجرات
ويحذرها حديث نبيها وقدوتها عليه الصلاة والسلام إذ قال(يا معشر من آمن بلسانه
نعم أيتها الفاضلة فهناك أسباب وصوارف تحول بينك وبين التدبر ومنها:
1- الذنوب والإصرار على المعاصي قال تعالى{ سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق}الأعراف
فالذنوب سبب لظلمة القلب والإقفال عليه وحجبه عن نور الله عز وجل.
2- التعلق الزائد بالدنيا وملذاتها, فهذا مما يصرف القلب عن التلذذ بالخطاب الرباني.
3- التكلف المبالغ فيه وحصر الإهتمام فقط بتحسين الصوت بالقراءة بعيداً عن التدبر.
4- الإعتقاد بأن التدبر هو مهمة مقصورة على العلماء والمفسرين, وهذا خطأ فالتدبر واجب مأمور به الجميع قال ابن كثير:"يقول الله تعالى آمراً عباده بتدبر القرآن وناهياً لهم عن الإعراض عنه وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة: أفلا يتدبرون القرآن" فهذا أمر صريح بالتدبر والأمر للوجوب.
ختاماً...
ما أجمل أن نعيش مع كتاب ربنا عز وجل.... نبحر في معانيه, ونغوص في لطائفه وأسراره...وتجول خواطرنا في الحكم النابعة منه...
فإذا ذقتِ هذه الحلاوة, ووجدتِ لذتها في نفسك...فابتدري بها من حولك, من أهلك وإخوانك وأخواتك وصديقاتك...لنحيي هذه العبادة العظيمة, التي شغل عنها الكثير والتي لا يجب ويعاب على حافظة الوحيين أن تنشغل عنها...
أسأل الله أن يجعل القرآن العظيم ربيع قلوبنا ونور صدورنا وجلاء أحزاننا وذهاب همومنا وغمومنا...
وأسأله أَنْ ينَوِّرَ بِكِتَابِه أَبْصَارَكنَّ، وَأَنْ يُطْلِقَ بِهِ ألسِنتَكنَّ، وَأَنْ يغسلَ بِهِ قُلوبَكنَّ، وَأَنْ يشْرَحَ بِهِ صُدورَكنَّ، وَأَنْ يُفرّج به هُمومَكنَّ وسَائرَ المسلمينَ والمسلمات...
حصن على قصورك الشامخة
( قيام الليل )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..
يقبل الليل بظلامه, فيعم السكون وتخف الحركة, ويأوي كلاً منا إلى مأواه ومستقره...
وهنا تتمايز الأحوال...إذ أن ليل حافظة الوحيين يختلف تماماً عن ليل غيرها من اللاهين الغافلين...
ففي ليلها أسرار ومناجاة, انطراح وعبرات, نور ورحمات...فهي تخلو بربها وتصفُّ أقدامها بين يدي الملك العلام, وتمرغ جبينها للقدوس السلام...
تسأله من فضله, وتستغفر من تقصير في حقه, وتبث شكواها إليه, فهي تعلم ألا مهرب منه إلا إليه...
أنس ولذة تخالط بشاشة قلبها, فتود أن ساعات الليل لا تنقضي...
نعم فهكذا يجب أن يكون حال حافظة الوحيين...تحرس علمها وتحصن قصورها الشامخة بدموع السحر وركعات المنيبين...قال أبو عصمة البيهقي: "بت ليلة عند أحمد بن حنبل, فجاء بالماء فوضعه، فلما أصبح, نظر في الماء فإذا هو كما كان, فقال: سبحان الله, رجل يطلب العلم لا يكون له ورد بالليل!"
حافظة الوحيين وقيام الليل:
إن من الآيات التي عمرتِ بها قلبك قول الله عز وجل{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِهِ قُلْ هَل يَستَوي الذيِنَ يعلمون والذين لا يَعْلَمُونَ إنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبَاب} الزمر.
وتعمرين قلبك كذلك بأمر نبوي كريم حيث قال عليه الصلاة والسلام(عليكم بقيام الليل فإنه دأبُ الصالحين قبلكم ،وقُربة إلى الله تعالى ،ومكفرة للسيئات ،ومنهاة عن الإثم ،ومطردة للداء عن الجسد) رواه أحمد والترمذي وصححه الألباني.
فلتناخ مطايانا هاهنا, ولنرد على هذين الموردين الصافيين, ننهل من معينهما عظيم الفوائد, فنحرك بهما بواعث الهمة والنشاط...
ماذا نعني بقيام الليل؟
قال شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله تعالى :
"الصلاة في الليل تسمى تهجداً وتسمى قيام الليل، كما قال الله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}، وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً}" أ.هـ
والتّهجّد في اللّغة : من الهجود ، ويطلق الهجود على النّوم وعلى السّهر فهو من الأضداد.
ويقال: تهجّد إذا أزال النّوم بالتّكلّف .
والتّهجّد - عند جمهور الفقهاء - صلاة التّطوّع في اللّيل بعد النّوم.
عدد ركعاته وأفضل أوقاته:
* أقله أن تصلي ركعة واحدة وتسمى الوتر وقد ورد في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة"
* أما أكثرها فلا حد له لعموم الحديث السابق وإن كانت السنة الثابتة عن المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه لم يزد عن إحدى عشرة ركعة فالأولى المحافظة على هذا العدد، ومن أرادت الزيادة فلا بأس.
* وأما عن أفضل الأوقات لصلاة الليل فهو الثلث الأخير من الليل ليوافق النزول الإلهي، كما قال صلى الله عليه وسلم(ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له؟ ومن يسألني فأعطيه؟ ومن يستغفرني فأغفر له؟" رواه البخاري ومسلم.
ذلك هو أفضل الأوقات لمن علمت من نفسها أنها ستقوم من آخر الليل، وأما من خافت أن لا يستيقظ فالأفضل أن تصلي وتوتر قبل أن تنام، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن الترمذي وغيرها.
المكانة العالية لقيام الليل:
لقد أعلى الله شأن هذه العبادة الجليلة, ورغب فيها نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام... ومما يدلك على مكانتها تلك الآيات والأحاديث الواردة في فضلها:
● أمر الله لنبيه عليه الصلاة والسلام بقيام الليل إذ قال جل وعز:{ يَا أيُهَا الْمُزَّمّلُ * قُمْ اللّيْلَ إلاَّ قَلِيلاً * نّصْفَهُ أَوِ انقُصْ منْهُ قَلِيلاً * أو زِدْ عَلَيْهِ وَرَتّلِ الْقُرآنَ تَرْتِيلاً} المزمل
وقوله تعالى{ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً} الإسراء
● حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها والعناية بها حضراً وسفراً فعن عائشة رضي الله عنها قالت(كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه . فقلت له : لم تصنع هذا يا رسول الله ، وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ قال أفلا أكون عبداً شكوراً (متفق عليه.
● قيام الليل من صفات عباد الرحمن الذين امتدحهم الباري في سورة الفرقان فقال في وصفهم {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا}
● وقال النبي صلى الله عليه وسلم (في الجنة غُرفة يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها فقيل : لمن يا رسول الله ؟ قال:لمن أطاب الكلام ، وأطعم الطعام ، وبات قائماً والناس نيام) صححه الألباني.
● وقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما( نِعمَ الرجل عبد الله ، لو كان يصلي من الليل(متفق عليه.
قال سالم بن عبد الله ابن عمر : فكان عبد الله بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.
● وقال صلى الله عليه وسلم) من قام بعشر آيات لم يُكتب من الغافلين ومن قام بمائة آية كتب من القانتين ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين ) صحيح أبي داوود.
قوم فقــهوا فعــملـوا:
هذه الآيات والأحاديث الواردة في فضل قيام الليل لم تمر مرور الكرام على سلفنا الصالح, بل اتبعوا العلم بالعمل, واجتهدوا في مرضات الله فحازوا الشرف في الدنيا ونسأل الله أن يبلغهم الشرف الأعظم يوم القيامة...
ولنا معهم وقفات نتأمل فيها حال رهبان الليل فرسان النهار فهي مما يبعث الحماس في النفس:
● عن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كلن يصلي ما شاء الله حتى إذا كان آخر الليل يعظ أهله يقول : الصلاة الصلاة و يتلوا{ و أمر أهلك بالصلاة و اصطبر عليها } ) رواه أبو داود
قال الحافظ ابن كثير عن ليل عمر:"كان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر"
● وقف العبّاد بن بشر يصلي الليل كله وكان مكلفا بحراسة المسلمين في إحدى الغزوات فأتى رجل من الأعداء فرماه بسهم فوقع في كتفه لكنه كان متلذذاً في قربه ومناجاته لربه، فنزع السهم واستغرق في صلاته ولم يعبأ بآلامه، فلم يلبث الكافر أن رماه بسهم آخر فيقع في كتفه أيضا، فينزعه ويكمل الصلاة.. فيعيد الرجل الكرة مرة ثالثة ويقع في المكان نفسه فينزعه، ثم يركع ويسجد ويسلم، ثم يوقظ الصحابي الآخر الذي يتناوب معه بالحراسة، لا لشيء إلا ليتولى حراسة المكان، لا ليشكو ما حدث له!! فيسأله الصحابي الآخر: لماذا لم توقظني من أول سهم رميت به؟ فيقول: كنت أقرأ سورة من القرآن فكرهت أن أقطعها! ولأن أكمل الركعتين أحب إليّ من خروج روحي.
● وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه اذا هدأت العيون وأرخى الليل سدوله، سمع له دويّ كدوي النحل وهو قائم يصلي.
● فهذا عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما وأرضاهما كان إذا قام في الصلاة كأنه عود من شدة الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع حائط.
● وكان منصور بن المعتمر إذا ادلهم الليل وبسط جناحه المظلم على البيوت يصلي في سطح بيته، فلما مات قال غلام صغير يسكن في البيت المجاور: يا أماه! الجذع الذي كان على سطح آل فلان لست أراه الآن، فقد كان يظنه جذعاً واقفاً طوال الليل لا يتغير، فقالت أمه باكية متأثرة: يا بني ليس ذلك والله بجذع، إنما ذلك منصور وقد مات!!!
● كان عبد العزيز بن أبي روّاد رحمه الله يُفرش له فراشه لينام عليه بالليل ، فكان يضع يده على الفراش فيتحسسه ثم يقول : ما ألينك ولكن!!! فراش الجنة ألين منك ثم يقوم إلى صلاته .
● وكانت حبيبة العدوية إذا صلت العشاء ، قامت على سطح دارها وقد شدت عليها درعها وخمارها ، ثم تقول : إلهي ، غارت النجوم ، ونامت العيون ، وغلقت الملوك أبوابها ، وبابك مفتوح ، وخلا كل حبيب بحبيبه ، وهذا مقامي بين يديك ، ثم تقبل على صلاتها ومناجاتها لربها إلى السحر ، فإذا جاء السحر قالت : اللهم هذا الليل قد أدبر ، وهذا النهار قد أسفر ، فليت شعري هل قبلت مني ليلتي فأهنى ، أم رددتها علي فأعزى.
● كان أبو مسلم الخولاني رحمه الله يصلي من الليل فإذا أصابه فتور أو كسل قال لنفسه : أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن يسبقونا عليه ، والله لأزاحمنهم عليه ، حتى يعلموا أنهم خلفوا بعدهم رجالا !! ثم يصلي إلى الفجر.
نعم أيها الفاضلات فلنتنافس معهم, ونسابقهم في الخيرات, ولنتغلب على هوى أنفسنا والشيطان لننال بذلك الأجر العظيم...
ثمرات قيام الليــل:
قيام الليل نعمة كبرى, والموفق من سعى إليها وحافظ عليها...ففيها من الفوائد والثمرات ما تشتاق إليه نفوس العارفين, وتطمع إليه قلوب المخبتين...فمن ثمراته:
1- الأنس بربك والتلذذ بمناجاته قال الحسن البصري: "ما أعلم شيئاً يتقرب به المتقربون إلى الله أفضل من قيام العبد في جوف الليل إلى الصلاة "
2- هو شرف المؤمن وسؤدده قال النبي صلى الله عليه وسلم ( أتاني جبريل فقال : يا محمد ، عش ما شئت فإنك ميت ، وأحبب من شئت فإنك مُفارقه ، واعمل ما شئت فإنك مَجزيّ به ، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل ، وعزه استغناؤه عن الناس) حسن صحيح
3- من أعظم الأسباب الموصلة للجنة قال صلى الله عليه وسلم في حديث عبدالله بن سلام(يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام) سنن الترمذي.
4- إن أنتِ جمعت بين حفظك للقرآن وقيامك به بالليل فأنتِ المغبوطة بين الناس جميعاً مصداقاً لقول نبك عليه الصلاة والسلام(لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار) البخاري.
5- يورثك الرضا والقناعة والاطمئنان قال تعالى{اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاء اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى} طه.
6- قيام اللّيل أبلغ في الحفظ وأثبت في الخير قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإذا لم يقم به نسيه)السلسلة الصحيحة .
فعبادة اللّيل أشد نشاطاً وأتم إخلاصاً وأكثر بركة قال تعالى{ إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وطئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً} المزمل
7- قيام الليل ينقي القلب مما يشوبه من أمراض وآفات قال يحيى بن معاذ:" دواء القلب خمسة أشياء: قراءة القرآن بالتفكر، وخلاء البطن، وقيام اللّيل، والتضرع عند السحر، ومجالسة الصالحين "
8- به تصفو النفس وينشط البدن فقد قال صلى الله عليه وسلم (يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة مكانها : عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان) البخاري.
9- به تستمطرين سحائب رحمات ربك الرحيم التواب فقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم فقال(رحم الله رجلا قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فإن أبت نضح في وجهها الماء رحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها فإن أبى نضحت في وجهه الماء) سنن أبي داوود.
10- ضحك الله للقائمين بالليل واستبشاره بهم ففي الحديث(ثلاثة يحبهم الله ويضحك لهم ويستبشر بهم,وذكر منهم... والذي له امرأة حسنة وفراش لين حسن فيقوم من الليل فيقول يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد والذي إذا كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا فقام من السحر في ضراء وسراء) حديث حسن...
وإذا ضحك ربك إلى عبد في الدنيا فلا حساب عليه كما في الحديث الصحيح.
11- به تكتبين من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات قال صلى الله عليه وسلم(من استيقظ من الليل وأيقظ امرأته فصليا ركعتين جميعا كتبا من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات) سنن أبي داوود.
مالأسباب الميسرة لقيام الليل؟
مما لاشك فيه أن تهفو قلوب المؤمنات الصادقة أن تنال هذا الشرف العظيم, وتزاحم مع من زاحموا لتصف أقدامها باب رب العالمين...ولذا سنذكر شيئاً من الوسائل التي تعينك بعد الله على قيام الليل:
1- تذكر منزلة قيام الليل عند الله عز وجل وما أعده من عظيم الثواب للمتهجدين.
2- النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته ومن تبعهم بإحسان, كيف كانت هممهم ومسابقتهم في الخيرات وطول قيامهم.
3- إخلاص النية لله عز وجل فهي مناط العمل قال ابن القيم رحمه الله :" وعلى قدر نية العبد وهمته ومراده ورغبته يكون توفيقه سبحانه وإعانته ، فالمعونة من الله تنزل على العباد على قدر هممهم ونياتهم ورغبتهم ورهبتهم ، والخذلان ينزل عليهم على حسب ذلك"
4- قصر الأمل وتذكر الموت فإنه يدفعك إلى المثابرة في العمل ويذهب عنك الكسل؛ لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي فقال(كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل) متفق عليه.
5- الحرص على النوم مبكراً حتى يأخذ الجسم حاجته من الراحة فتستيقظي لقيام الليل بقوة ونشاط فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها..
6- اختيار الفراش المناسب ، وذلك بعدم المبالغة في حشو الفراش ، وتليينه وتنعيمه لأن ذلك من أسباب كثرة النوم والغفلة ، ومجلبة للكسل والدّعة ، وثبت من حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كانت وسادة النبي صلى الله عليه وسلم التي ينام عليها بالليل من أدم حشوها ليف . رواه أبو داود وأحمد
7- الحرص على آداب النوم الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم...من النوم على طهارة والاضطجاع على شقك الأيمن, ثم الدعاء بما ثبت من أذكار ما قبل وبعد النوم.
8- الحرص على نومة القيلولة بالنهار, وهي إما قبل الظهر أو بعده ، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل )رواه الطبراني
وقد مرّ الحسن البصري بقوم في السوق في وسط النهار فرأى صخبهم وضجيجهم فقال : أما يقيل هؤلاء ، فقيل له : لا فقال : إني لأرى ليلهم ليل سوء.
9- عدم الإكثار من الأكل والشرب في المساء فيغلبك النوم، ويصعب عليك القيام، وقد قيل: لا تأكل كثيراً، فتشرب كثيراً، فتنام كثيراً، فتخسر كثيراً، وقال لقمان لابنه وهو ينصحه: يا بني! إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة، وقعدت الأعضاء عن العبادة.
10- لا ترهقي نفسك بأعمال مجهدة خلال النهار فتستهلك كل طاقتك ونشاطك.
11- الحذر الحذر من الذنوب والمعاصي والإصرار عليها قال رجل لإبراهيم بن أدهم :" إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال : لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف ."
وقال رجل للحسن البصري : "يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟ فقال الحسن : ذنوبك قيدتْك"
12- الابتعاد عن فضول النظر والكلام؛ فإن ذلك يقسي القلب، ويبعده من الرب.
13- التدرج في القيام ولا تكلفي نفسك فوق طاقتها حتى لا تمل فتتركِ القيام كلياً فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِي امْرَأَةٌ ، فَقَالَ : مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ : امْرَأَةٌ لَا تَنَامُ ، تُصَلِّي . قَالَ : (عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا) وَكَانَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيْهِ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ.
كانت هذه جملة من الأسباب المعينة بعد الله على أداء هذه العبادة العظيمة...
ختاماً:
إن لدموع السحر لذة لا تعدلها لذة, فيها الأنس برب رحيم والشكوى لربٍ قدير ومن جميل ما يطرح في هذا المقام ما قاله ابن القيم رحمه:"إذ استغنى الناس بالدنيا فاستغن أنت بالله، وإذا فرح الناس بالدنيا فافرح أنت بالله، وإذا أنس الناس بأحبائهم فأنس أنت بالله، وإذا ذهب الناس إلى ملوكهم وكبرائهم يسألونهم الرزق ويتوددون إليهم فتودد أنت إلى الله"
أسال الله ألا يحرمنا وإياكن لذة مناجاته, ولذة النظر إلى وجهه الكريم...
ثابري واقتفي الأثر
( الدعوة إلى الله )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
إن الدعوة إلى الله عز وجل هي شرف كل مؤمن ومؤمنة...وهي العز والسؤدد.
كيف لا يكون ذلك وهي سبيل نبينا وقدوتنا عليه الصلاة والسلام{ قل هذه سبيلي ادعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين} يوسف
الدعوة إلى الله نور هداية, ومشكاة صلاح, فهنيئاً لمن حمل هذا المشعل المبارك وسار به ليضيء للناس طريقهم , ويأخذ بأيديهم إلى الله عز وجل...
ففي زمان ترى فيه تسارع أعدائنا في استهداف شبابنا وفتياتنا...زمان كثر فيه الناعقون بإسم الدين وهو منهم براء...زمان يعج بالفتن...كبحر هاجت به الريح فتلاطمت أمواجه...
إلا أنه ثلة من فتياتنا, وأخواتنا, وبنياتنا, كنَّ كجلمود صخر...تحطمت عليها آمال المفسدين... ومخططات المغرضين.
لله درهنّ...نساء صالحات مصلحات...حملن هم هذا الدين...وأشعلن مصابيح الهدى...في طرقات اعتلاها الظلام...
حملنها سائرات بها في قوافل الداعيات...وركاب الصالحات...على خطى الحبيب صلوات ربي وسلامه عليه...سائرات في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل
الدعوة إلى الله عند حافظة الوحيين:
حافظة الوحيين تحفظ قول باريها جل في علاه حيث قال{ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} فصلت
وثبت في صدرها قول نبيها عليه الصلاة والسلام(نضّر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلغه ، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه ، ورب حامل فقه ليس بفقيه) سنن أبي داوود
ولم يكن أبداً هذا الشرف حكراً على الرجال, بل لشقائقنا من النساء حظ وافر ونصيب منه تماماً كنصيب الرجل...
فخطاب التكليف جاء عاماً لم يفرق بين الرجل والمرأة قال تعالى:{ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر}آل عمران
لا يمكن أن نستغني عنك في هذا المجال...أتدرين لماذا؟؟
مهما كثر الدعاة والمصلحون من الرجال إلا أنه تبقى الحاجة ملحة لوجود أخوات فاضلات داعيات إلى الله في الأوساط النسائية...ويرجع ذلك لعدة أسباب منها:
* أنها تدرك تماماً طبيعة الوسط النسائي وخصوصياته ومشكلاته.
* هي أقدر من الرجل في خوض التفاصيل والإفصاح في ذلك نظراً لتجانس الظروف.
* وكذلك المرأة تتأثر بأقوال أختها وأفعلها أكثر من تأثرها بالرجل لأنها ترى فيها التطابق في القدرات والتحمل إلى نوع ما.
* أيضاً قدرتها على الوصول إلى كافة الشرائح النسائية والحديث معهن بإنبساط تام لعدم وجود الخلوة المحرمة كما هو المحظور بين الرجل والمرأة.
* والمرأة بحكم معاشرتها لمجتمع النساء تستطيع أن تحدد الأولويات التي تحتاجها المرأة في مجال الدعوة.
إذاً نحن بحاجة ماسة جداً جداً جداً لوجود داعيات في الأوساط النسائية, فهي خير من يحمل هذا اللواء وأجدر من ينشر الخير في تلكم المجتمعات...
فإن غابت شمس تلك الداعية, وأحجمت عن حمل هذا اللواء فهي بلا شك تترك ثغرة خطيرة, يتسلل من خلالها الذين يتربصون بأخواتنا لنشر سمومهم...
فإياك أن تتخلي عن دورك... وإياك أن يؤتى الدين من قِبلك.. وتذكري الأثر العظيم الذي تتركينه من بعدك...
ثمرات دعوتك إلى الله:
هل تعلمين ماذا تجنين من ثمار وما تبقين من آثار إذا كنت داعية إلى الله؟
1- من الآثار المهمة سد ثغرة من ثغور الإسلام؛ وقطع الطريق على المتربصين به, وإفشال مخططاتهم.
2- تساهمين بشكل فعال في نشر العلم ورفع الجهل...عن كثير من المجتمعات النسائية.
3- مشاركتك في الدعوة تثبت للعالم بأن الإسلام لم يهمل مكانتك ولم يغفل دورك البته.
4- تشعرين بقيمتك كعضو فعال صالح مصلح في أمتك.
5- كما أن قيام المرأة بالدعوة يجعل منها رقيبة على نفسها في قولها وفعلها وحركاتها وسكناتها, فتكونين خير قدوة لأخياتك.
وغير ذلك من الآثار العظيمة والثمار الطيبة, التي تجنينها من خلال نشاطك الدعوي.
إن لعملك ضوابط حتى لا تجنين الشوك:
نعم نحن بحاجة إلى تلكم الداعية الفاضلة...صاحبة الهمة العالية والخير العميم...ولكن لا ينبغي أن يدفعها الحماس أن تقدم المهم على الأهم..وأن تحتج بقول الغاية تبرر الوسيلة...لا
بل هناك ضوابط يجب عليها التقيد بها حتى نجني الثمار اليانعة, ونجسد المعاني السامية ونُشيّدها بدلاً من هدمها تحت شعار الدعوة إلى الله...ومن هذه الضوابط:
* تحريم خلوتها بالأجانب، صلى الله عليه وسلم (لا يخلونّ رجل بامرأة إلا مع ذي محرم) البخاري... وفي رواية (إلا كان الشيطان ثالثهما) .
* تحريم سفرها دون محرم حتى وإن كان للدعوة، فقد قال الحبيب صلى الله عليه و سلم (لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم) البخاري.
* الأصل في الدعوة والتصدر للميادين العامة أنها للرجال، كما كان الحال عليه في عصر الرسول صلى الله عليه وسلم والقرون المفضلة, بل تحاول جاهدة أن تكون دعوتها خاصة بالأوساط النسائية لأن هذا هو مجالها.
* لا تشغلك الدعوة عن واجباتك ومسؤولياتك تجاه بيتك وزوجك وأبنائك فهؤلاء حقهم أعظم...وأنت مسئولة عنهم مسئولية تامة.
حقيقة يجب أن تدركيها:
أختي الفاضلة, يا داعية إلى الخير والهدى..اعلمي رعاك الله أن ميدان الدعوة إلى الله, ميدان لا يخلوا البتة من الاحتكاك بالناس والتعامل معهم ومخالطتهم إختلاطاً هادفاً, وإلا كيف سيكون النصح لهم إذاً ؟؟!!
لذا كان من الضروري على الداعية أن تتقن عدداً من المهارات, لتجعل منها داعية ناجحة محبوبة قريبة من الجميع...
والهدف: ترغيب من حولك وجذبهم إلى ما تحملينه من خير ونصح وصلاح..
فإذا وصلتي إلى قلوب من تناصحيهم , تكونين بذلك مهدتِ الطريق وهيأتِ النفوس لتقبلها والعمل بها... وقد وجهنا الله في محكم التنزيل إلى أهمية كسب القلوب والاستفادة منها في مجال النصح فقال:{ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} الأعراف
وقال ابن تيمية رحمه الله (المحبة والإرادة أصل كل دين ، صالحاً كان أو فاسداً [ لماذا ؟] لأن المحبة هي التي تبعث وتحرك الإرادة ، وهي التي تمضي وتوقع الفعل في الواقع )
ومضات على بعض المهارات:
لاشك أن المهارات وفنون التعامل التي تحتاجها الداعية كثيرة جداً, والمجال فيها واسعاً..
ولعلنا نلقي الضوء هنا على أهم المهارات التي تقربك من قلوب الناس, وتزيل الحواجز فيما بينكِ وبينهم...لتستقر النصيحة في سويداء قلوبهم...
● سحر الابتسامة:
هي أسرع طريق في امتلاك القلوب, لها تأثير عجيب..فهي تشعر من حولك بالطمأنينة والأنس, وهي أول خطوة في تآلف الأرواح...
فضلاً عن ذلك فهي عبادة وقربة..قال صلى الله عيه وسلم ( وتبسمك في وجه أخيك صدقة ) الترمذي.
● المبادرة بالسلام:
فقابلي أخواتك بوجه يتهلل سعادة وبشاشة, ثم بادري بمد يدك مصافحة لهنّ, تُلقين عليهن أعظم تحية وهي تحية أهل الجنة.." السلام عليكم ورحمة الله "
لتزيلي بذلك كثيراً جداً من الحواجز فيما بينك وبينهن..وقد قال صلى الله عليه وسلم (تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء ) حديث حسن
وقال الحسن البصري (المصافحة تزيد في المودة)
● إظهار الاهتمام بمن أمامك:
من طبيعة البشر أنهم يميلون إلى من يهتم بهم, ويحترم وجودهم, ويقدر شخصياتهم...ولعلك تلمسين هذا الشيء في نفسك وفيمن يتعامل معك..
ولك في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة, فقد أخبر أنس رضي الله عنه عن جانب من شمائل نبينا عليه الصلاة والسلام فقال(وما سأله سائل قط إلا أصغى إليه أذنه فلم ينصرف حتى يكون هو الذي ينصرف عنه وما تناول أحد بيده إلا ناوله إياها فلم ينزع حتى يكون هو الذي ينزعها منه)
فحاولي إشعار أخواتك بأهميتهن لديك, استشيريهن في بعض الأمور, ولا تحطمي آرائهن, رويداً بهن حتى تتركي إنطباعاً طيباً في نفوسهن تجاهك.
● إحسان الظن بأخواتك:
إن إساءة الظن بمن حولك, وتفسير ما يصدر عنهن وحمله على أسوء الاحتمالات, هذا من شأنه أن يسبب الفجوة, ويزيد الحواجز بينك وبينهنّ..
بل عليك إحسان الظن بهنّ, وأن تنظري إليهن بعين الرحمة والشفقة, والتمسي الأعذار لهن..فهذا من صفات المؤمنين يقول العالم الجليل ابن المبارك ( المؤمن يطلب معاذير إخوانه، والمنافق يطلب عثراتهم ).
فإن جاهدتِ في ذلك, وجدتِ في قلبك إنشراحاً, وإقبالاً عليهنّ...وحتماً سيبادلنكِ نفس الشعور..
● البسي جلباب التواضع:
إن التكبر والعلو صفة تنفر الناس من صاحبتها, ويتجنبون مخالطتها والاحتكاك بها..لأنهم لا يرون سوى الازدراء والسخرية والاستحقار منها..
أما المتواضعة, لينة الجانب, خافضة الجناح, الكل يرغب مصاحبتها والتقرب إليها...لأنهم يرتاحون في تعاملهم معها...إذ لا علو ولا ازدراء..
فاحذري أن تنظري لأخواتك بنظرة العلو وأنك الأفضل منهن,وألبسي جلباب التواضع الذي أُمر به نبيك عليه الصلاة والسلام وهو صاحب الخلق العظيم فقال الله له{ واخفض جناحك للمؤمنين} الحجر... وفي آية أخرى{ واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين}الشعراء
● املئي قلبك بالرحمة:
فالدعوة تحتاج منكِ أن تكوني ذات قلب كبير يسع الجميع, ويفيض عليهم محبة ورحمة...لأن الأصل أن رحمتك بهم هي الدافع لمناصحتهم وبذل الخير لهم...
فإذا لم تجد أخياتك منك سوى الجفاف والغلظة, وشدة الغضب وسرعة الإنفعال..حتماً سينفرن منك ولن يتقبلن أي نصح وتوجيه منك..واسمعي ماذا قال الله عز وجل لنبينا عليه أفضل الصلاة والسلام{ فبما رحمة من الله لنت لهم ، ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك} آل عمران
فهذا يدلك على أهمية التخلق بالرحمة في كسب قلوب الناس.
كانت هذه ومضات عاجلة لأهم المهارات...فما لا يدرك كله لا يترك جله...
وفي الختام أختي الفاضلة:
فلنحرص على إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, ولنضرب بسهامنا مع من ساهموا في مجال الدعوة, ولنسارع لنحلق بركاب الدعاة والمصلحين.
واعلمي أن الأيام تمضي والعمر ينقضي, ودقائقنا بل ثوانينا وحتى أنفسنا محسوبة علينا, فإما أن تسمو بنا نحو زيادة الخير ولإيمان, أو تهوي بنا في وحل الآثام والعصيان.
الحذر من غيبة القلوب
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين..
نبتدئ بالحمد لله إذ جعلنا من خير أمة أخرجت للناس, أمة يرى المتأمل في شريعتها سمو المقاصد, وتحقيق السعادة للبشرية جمعاء..
إن الحرص على توطيد العلاقة بين المسلمين, والحرص على سلامة قلوبهم تجاه بعضهم هو من مقاصد شريعتنا الغراء, وهكذا تجدين القرآن يؤكد على مبدأ الأخوة في الدين, وعظم حقها قال تعالى{ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} الحجرات.
فالأصل أن تكون علاقتنا راسخة ثابتة كالجسد الواحد, وقلوبنا محملة بالمحبة, والتراحم, والألفة, والتعاون فيما بيننا, والبعد كل البعد عما يقدح في هذه الأخوة, ويزعزع ثوابتها قال صلى الله عليه وسلم(مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه شيء تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) البخاري ومسلم
ألا وإن من أخطر ما يفتك أواصر هذه الأخوة والمحبة بين أبناء الدين الواحد...
سوء الظن المهلك الذي يحمله الأخ على أخيه, لينتزع الثقة وتدب الفرقة في جسد الأمة.
الظن عند حافظة الوحيين:
أيتها الكريمة أنتِ تحفظين قول ربك جلّ جلاله{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}الحجرات
وتحفظين قول نبيك عليه الصلاة والسلام إذ يقول محذراً(إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث..) رواه البخاري ومسلم
فهيا بورك فيك...لنقف سوياً عند هذين النصين, ونتأمل حال قلوبنا ونفتش عن سلامة صدورنا من مرض سوء الظن بإخواننا..
ماذا نقصد بسوء الظن؟
هو اعتقاد جانب الشر وترجيحه على جانب الخير فيما يحتمِلُ الأمرين معاً.
وقيل سوء الظن هو: الاتهام بغير دليل أو كما قال البعض: هو غيبة القلب، يُحَدث نفسه عن أخيه بما ليس فيه.
أقسام سوء الظن:
قسم العلماء سوء الظن إلى قسمين:
● سوء الظن بالله : وهو أشنع ما يقع في قلبك أن تسئ الظن بربك وخالقك قال تعالى: { يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ } آل عمران
وقال تعالى { الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} الفتح
ومن ذلك أن تظني بأن الله لا ينصر دينه وأن الدين مهزوم أو تظني بأن ذنوبك وصلت لدرجة لا تجدي معها توبة ولا تسعها رحمة فتقعي في اليأس والقنوط, أو تسيء الظن في حكمة ربك وعدله في عطائه ومنعه, فتعتقدي أنكِ مبخوسة الحظ وأنك تستحقين فوق ما أعطاك الله..
● القسم الثاني وهو سوء الظن بغيرك من المسلمين:
وهذا لا يجوز، وذلك أن من حكم بِشرّ على غيره بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره وعدم القيام بحقوقه والتواني في إكرامه وإطالة اللسان في عرضه وكل هذه مهلكات .. وكل من رأيته سيء الظن بالناس طالباً لإظهار معايبهم فاعلمي أن ذلك لخبث باطنه وسوء طويته , فإن المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه , والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه .
أضرار سوء الظن:
لسوء الظن آثار سيئة وعواقب وخيمة فنذكر شيئاً من مساوئه ليتضح لنا مدى شناعة هذا الخلق السيئ:
* إن حامل هذه الصفة هو يحمل صفة من صفات المنافقين إذ قال الله تعالى فيهم{ بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا ، وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا} الفتح
ويقول تعالى{ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا}
* يوغر الصدور بين الأخوة ويملؤها غلاً وحقداً.
* سوء الظن إذا تمكن من النفس دفعها للتجسس, وتتبع العورات والعثرات.
* يجعل صاحبه أسير نفسه ووساوسها, قلق دائماً وذو فكر منشغل.
* يُفقد صاحبه الثقة بنفسه وبمن حوله, فيصبح منبوذاً لا صاحب له.
* هو آفة تفتك بروابط الأخوة بين المسلمين فتنقض عراها فيصيب الأمة الوهن آنذاك وتصبح لقمة سائغة في متناول أعدائها.
لماذا نقع في سوء الظن؟
هناك عدة أسباب تؤدي بالواحد منا أن يسلك هذا السبيل الخطير ومن ذلك:
1- ضعف الإيمان في القلب, إذ يكون مستسلماً لما يلقيه الشيطان في نفسه من أوهام وتصورات بهدف القطيعة بين المسلمين.
2- التواجد في بيئة يكثر فيها الشك والظنون السيئة.
3- خبث النفس وفسادها تجعله ينظر للناس بنفس المنظار.
4- امتلاء النفس بالعجب والكبر مما يدفعه لتزكية نفسه واتهام غيره قال أحد الصالحين" ويلكم عبيد السوء ترون القذى في أعين غيركم ولا ترون الجذع في أعينكم"
5- عدم وزن الأمور بميزانها الصحيح وتعميم خطأ شخص ما على كل من حوله.
هل أستطيع التخلص من هذه الآفة؟
نعم أختي المباركة..سأذكر لك عدة أمور من خلالها بإذن الله تعالجين ما يقع في نفسكِ من إساءة الظن:
1- أليست القلوب بيد الرحمن؟؟ إذاً توجهي بصدق إلى ربك جل في علاه وانطرحي على أعتابه وسليه أن يرزقكِ قلباً سليماً ونفساً مطمئنة.
2- استعرضي خطر هذا المرض وأضراره..وكيف أن ربك نهاكِ عنه وحذرك منه.
3- حاوري نفسكِ وحدثيها ملياً وضعيها مكان الشخص الذي أسأتِ الظن فيه, هل ترين أن هذا الفعل يصدر منك؟؟ فسيدفعك هذا لإحسان الظن به وتأملي قول الله عز وجل في حادثة الأفك { لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} وهذا هو الأصل في تعاملنا مع أخواننا.
4- أغلقي على الشيطان كل مدخل, وابدئي بتذكر محاسن من أسأتِ الظن فيه, وما يحمله من صفات الخير والصلاح, فإن هذا يغيظ الشيطان.
5- تجنبي الدخول في النيات والحكم عليها, فإنه لا يعلم مكنون الفؤاد إلا الله عز وجل.
6- قبل أن تصدري الحكم على من أسأت الظن به, التمسي له العذر تلو العذر, فلربما كان حقيقة عمله بعيداً كل البعد عما ظهر لك وبدا وتأملي هذا الموقف لنبيك عليه الصلاة والسلام إذ جاءت إليه جاءت صفية رضي الله عنها وهو معتكف في المسجد فتحدثت عنده ساعة، ثم قامت لتنصرف، فقام النبي صلى الله عليه وسلم معها يوصلها، فمر رجلان من الأنصار فسلما على رسول الله وانصرفا مسرعين فناداهما، فقال لهما: على رسلكما، إنما هي صفية بنت حيي. فقالا: وهل نظن بك إلا خيرا يا رسول الله؟ قال( إن الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم، وخشيت أن يقذف في قلوبكما شرا)
7- لا تقدمي سوء الظن مادام أن هناك مساحة للإحسان وحمل الأمور على الخير وتلمس الأعذار وهكذا كان دأب سلفك الصالح رضي الله عنهم, قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً".
8- تذكري أن لحسن الظن حلاوة ولذة, فلا تستبدليها بمرارة الأسى وسوء الظن بمن حولك.
ثمرات حسن الظن:
* به تنعم النفس بالسكينة والطمأنينة والسلامة من دوافع القلق والريبة.
* استقرار النفس يدفعها إلى مزيد من التقدم والنجاح.
* يزيد من ثقتك بنفسك وبمن حولك.
* تجدين إندفاعاً نحو أخياتك وصويحباتك فتنعمين بإخوة صادقة.
* وهو بذلك يقوي الروابط الأخوية ويزيدها فينعكس بذلك على قوة الأمة وتماسكها..
ختاماً:
ما أجمل أن ننقي صدورنا من شوائب البغضاء والتنافر.. لننعم أولاً بطاعة الله عز وجل, ثم بالسعادة التي ارتضاها لنا ربنا تبارك وتقدس من خلال هذه التعاليم السمحة والتي تعجز والله قوانين البشر جمعاء أن تأتي بعشر معشارها.
ليست جلبابك أيتها الحافظة
( السخرية )
الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق الإنسان من طين...والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
لقد كرم الله ابن آدم وفضله على سائر خلقه إذ قال:{ ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا}الإسراء
والإسلام حرص على الاهتمام بالإنسان, وشرع حدوداً وواجبات تكفل حقوقه وتحترم إنسانيته, وجعل أساس المفاضلة بين الناس قائم على التقوى...
فلا الشكل ولا اللون ولا العرق تعلي من مكانة المرء أو تحط من قدره, قال تعالى :{ إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات
ولكن هذا المعنى العظيم الذي جاءت به شريعتنا الغراء, غاب عن أعين الكثير من أبنائها مع الأسف الشديد, فأصبحنا نوهن أمتنا وننخر في جسدها, بأمراض تكاد تفتك بها, وتتشتت اجتماعها...أمراض وآفات تقطع أوصال المحبة والإخاء, وتوغر الصدور وتورث البغضاء...
ومن هذه الآفات آفة السخرية والاستهزاء, والنظر بعين الكبر والاستعلاء...
إنه بالفعل خُلق سيء ذميم, جدير بمن حملت خير الكلام في قلبها أن تطهره من أدران هذه المهلكات, لتسمو بعلمها الطاهر وتصبح كنبيها وقدوتها عليه الصلاة والسلام قرآناً يمشي على الأرض وليست مجرد حافظة مرددة دون تطبيق وعمل...
مالذي يحذر حافظة الوحيين من السخرية؟
يحذرها آية تحفظها من كتاب باريها عز وجل إذ يقول متوجهاً بالخطاب لها بعد مخاطبة الرجال حيث قال{ياأيُّها الَّذين آمنوا لا يَسخَرْ قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساءٌ من نساءٍ عسى أن يَكُنَّ خيراً منهنَّ ولا تَلْمِزوا أنفُسَكُم ولا تنابَزوا بالألقابِ بئْسَ الاسْمُ الفسوقُ بعد الإيمانِ ومن لم يتُبْ فأولئك همُ الظَّالمون} الحجرات
ويحذرها وصية نبيها عليه الصلاة والسلام إذ قال فداه نفسي وما أملك(المسلم أخو المسلم لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يحقره,التقوى ههنا ، ويشير إلى صدره ثلاث مرات, بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم,كل المسلم على المسلم حرام , دمه وماله وعرضه) رواه مسلم
فهيا أيتها الفاضلة, يا حافظة الوحيين...لنكن كسلفنا الصالح وقّافين عند آيات الله وحدوده, نربي أنفسنا ونجاهدها على ما يحب ربنا ويرضى...فالفلاح كل الفلاح بتطبيق ما جاء في هذين النبعين الصافيين[ كتاب الله عز وجل وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام]وما ضعفت أمتنا وهزت أركانها إلا بابتعادها عنهما...
ماذا نعني بالسخرية؟
هي الاستهانة بالناس واستحقار مكانتهم واستصغارهم, والتنبيه على ما فيهم من عيوب ونقائص بقصد إضحاك من حولهم عليهم وتقليلاً من شأنهم.
وهي لا تصدر إلا من نفس مريضة خبُثت بداء الكبر والعجب نسأل الله السلامة والعافية.
صـــور السـخريــــــــة
إن من أصيب بهذا الداء, تجده متصيداً متتبعاً لنقائص إخوانه جاعلاً منها مصدراً لإشباع هوى نفسه وإمتاعها فيما يغضب ربه سبحانه وتعالى ويجرح مشاعر غيره...ومن صور هذا الازدراء:
* السخرية بلقب أخيتك, ونعتها وندائها بصفة أو لقب أو اسم تكرهه بقصد جعلها مثاراً للسخرية والضحك.
* السخرية من خلقة أخيتك الجسدية, ولونها وشكلها, وهذا فيه اعتراض على الخالق سبحانه إذ هو من خلقها بهذه الصورة لحكمة تخفى علينا, وهذا خطر لا يشعر به المستهزئ والعياذ بالله.
* السخرية من الوضع المادي المتدني لأخيتك وطبقتها الإجتماعية وازدرائها لهذا السبب.
* السخرية بطريقة كلام أخيتك وتنبيه من حولها على ملاحظة بعض اللوازم الفطرية التي تصاحبها أثناء حديثها نحو تكرار كلمة معينة أو إصدار حركة تلقائية, بقصد إضحاكهم عليها.
* السخرية من مستوى تفكير أخيتك وبساطة عقليتها, ونعتها دائماً بالغباء والسذاجة.
* السخرية من مصاب أخيتك, بأن تكون مريضة أو تأخر بها الزواج أو حرمت من الولد...
* والأشنع من ذلك كله السخرية من أهل الصلاح, فيُسخر من طريقة تسترها واحتشامها, وهيئتها وأفعالها والذي يعتبر انتقاصاً للدين الذي تسير على تعاليمه.
وما إلى ذلك من الصور التي توضح شناعة هذا الفعل وسوء النفس التي تحمل هذه الطوية...
دوافــــع الســخريــــة
مالذي يدفع الشخص بأن ينال من أخوته ويحقرهم, ويؤذي مشاعرهم؟؟؟
بلا شك هناك عدد من الأسباب دفعت به إلى هذا الأمر نذكر منها:
1- التكبر على الناس والنظر إليهم بعين الفوقية والاستعلاء.
2- الحقد والغيرة ما يجعله يبادر بإطفاء نيرانها عن طريق انتقاص أخيه والسخرية منه.
3- الشعور بالنقص فيحاول تغليفها بانتقاص الآخرين.
4- النشأة في بيئة فاسدة يكثر فيها السخرية والاستهزاء, فتجد الطفل منذ نشأته لا ينادى إلا بأسماء وألقاب قبيحة فينشأ على ذلك.
5- أصحاب السوء والذين يشجعونه على تقليد الآخرين والسخرية منهم واتخاذ ذلك تسلية وترفيهاً.
6- قد تكون سخريته ردة فعل لما يواجهه فقد يكون هذا الشخص محطاً للسخرية من الآخرين فيسخر من الجميع.
آثار السخرية المدمرة
إن النتائج التي يخلفها هذا العمل كثيرة، ووخيمة لا يعلم مداها إلا الله سبحانه، ولكن نذكر أهمها على سبيل المثال لا الحصر :
1- تورث البغضاء وتوغر الصدور بين الأخوة.
2- تفجر الأحقاد وتهيج الضغينة والكراهية.
3- تقطع أواصر الإخاء والألفة فيضحي المجتمع متمزقاً متفككاً.
4- تسلب الشخص المستهزأ منه الثقة بنفسه وتورثه شخصية مهزوزة.
5- أنها تدخل الساخر في الفسوق والعياذ بالله ففي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر}
6- أن من لم يتب منها فإنه معرض لعقاب الله كما قال تعالى{ ويل لكل همزة لمزة} الهمزة
7- أن من لم يتب منها فهو ظالم لنفسه مستحق للعقوبة لقوله تعالى بعد التحذير منها{ ومن لم يتُبْ فأولئك همُ الظَّالمون} الحجرات.
كيف الخلاص من هذه الآفة؟
يجب على كل منا أن يفتش عن مكامن الخلل في نفسه ويجاهد في سبيل التخلص منها, وقهر النفس على أن تكون بحالٍ يحبها الله ويرتضيها لعباده المؤمنين...
فمن ابتلي بهذه الآفة فلعلنا أن نذكر بعض الوسائل التي تعينه بعد الله على الخلاص منها:
1- صدق التوجه إلى الله وسؤاله والإلحاح عليه بأن ينقي قلبك ويطهره ويجعلك من أهل القلوب السليمة.
2- استعرضي الآثار السيئة لآفة السخرية, وكيف أنها تدمر العلاقات الأخوية....فهل ترغبي أن تكوني أحد المسببات في فرقة الأمة وتشتتها؟؟؟
3- تذكري أن هذه الصفة الشنيعة تورثك غضب الله وسخطه.
4- تذكري حسناتك وكيف تعبتِ وحرصتِ على نيلها ثم بعد ذلك تذهب هدية لأولئك الأشخاص الذين سخرتِ منهم وانتقصتِ كرامتهم,في وقت ستكونين فيه بأمس الحاجة للتخفف من الأوزار...فالحذر الحذر.
5- إن جمحت بك نفسك وأردت السخرية بأخية لك فتذكري أن الذي ابتلاها قادر على أن يعافيها مما أصابها ويبتليك قال صلى الله عليه وسلم(لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك) سنن الترمذي
6- حفظ اللسان وإلجامه بلجام التقوى والتمسك بوصية النبي صلى الله عليه وسلم إذ قال( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) البخاري
7- تذكري أنه من دواعي الإيمان أن تحبي لأخياتك ما تحبيه لنفسك قال صلى الله عليه وسلم(لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) البخاري, فكما لا تحبين أن يُسخر منك ويُنتقص من قدرك يجب عليك أن تحبي ذلك لأخواتك وإخوانك المسلمين.
8- الاشتغال بعيوب النفس وإصلاحها.
ختاماً:
ما أجمل أن تصفو أنفسنا لإخواننا, ومخاطبتهم بالكلام الطيب الحسن..
ما أجمل الاحترام والتقدير بين الأخوة, لا تجريح...لا شحناء...لا بغضاء وتنافر..
فلنكن كما وصانا الرحمة المهداة صلوات ربي وسلامه عليه..( لا تباغضوا ، ولا تحاسدوا ، ولا تدابروا ، وكونوا عباد الله إخوانا) البخاري
لحوم لا تأكلها الحافظة
( الغيبة )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين...
من نعم الله العظيمة على عباده, نعمة قليلٌ ما تفكرنا بها, وكثير ما تساهلنا بها..
إنها نعمة البيان والإفصاح عما في النفس قال تعالى{الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآَنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} الرحمن.
وأداة هذا البيان هو ذاك العضو الصغير في حجمه..العظيم في طاعته وجرمه..إنه اللسان..رحب الميدان فمن أرخى له العنان, يخوض به كل مجال, بلا تورع ولا حذر...سلك به الشيطان مسالك تورده المهالك فعندما سأل معاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا( وهل نحن مؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله، أجابه فقال: "ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) الترمذي
ألا وإن من أخطر آفاته, الغيبة وما أدراك ما لغيبة؟؟؟
داء استشرى في اجتماعاتنا, أصبح فاكهة المجالس وزينتها, لا يستأنس المتحدث إلا به, ولا يجد لذة لحديثه إلا إذا خاض فيه...تجد الواحد منا متورعاً عن الظلم وأكل مال الحرام ولكن لسانه يلوك بأعراض إخوانه مستحلاً حرمتهم..قال ابن القيم رحمه الله: "وكم ترى من رجل متورع عن الفواحش والظلم، ولسانه يغري في الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول"
فحري بتلك الحافظة المباركة أن يحملها عقلها ويدفعها إيمانها إلى الاعتناء بهذه الجارحة, والحذر كل الحذر من أكل لحوم البشر...
مالذي يحذر حافظة الوحيين من الغيبة؟
يحذرها نداء الرحمن لأهل الإيمان الذي تحفظه في قلبها وتحفظ به جوارحها قال تعالى{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ} الحجرات
ويحذرها حديث نبيها وقدوتها عليه الصلاة والسلام إذ قال(يا معشر من آمن بلسانه
مواضيع مماثلة
» لماذا حديثنا إليك 1
» بلادي هزني شوق إليك
» ( أي الناس أحب إليك حتى أحبه
» إليك 10 أشياء لا تعرفها عن نفسك " :
» لاتجعل الله أهون الناظرين إليك
» بلادي هزني شوق إليك
» ( أي الناس أحب إليك حتى أحبه
» إليك 10 أشياء لا تعرفها عن نفسك " :
» لاتجعل الله أهون الناظرين إليك
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin