بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 25 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 25 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
فضائل عشر ذي الحجة
صفحة 1 من اصل 1
فضائل عشر ذي الحجة
للشيخ عبد الله بن عبد الرحمن السعد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
أمَّا بعد..
فإنَّ اللهَ- عز وجل- شرَّع لعباده مواسمَ الخيرات، ويَسَّرَ لهم طُرُقَ الطَّاعات؛ فعلى العباد أن يغتنموا هذه المواسم ليحقِّقوا أعلى الدرجات.
وإنَّ من المواسم العظيمة التي حثَّ اللهُ عبادَه على اغتنامها أيَّام عشر ذي الحجة، وقد دلَّت الأدلة– كما سيأتي إن شاء الله– على أنَّ هذه الأيَّامَ أفضلُ أيَّام العام، وقد اجتمع فيها عبادات عظيمة وطاعات جليلة.
* * *
فضائل عشر ذي الحجة
الأدلَّةُ الدَّالَّةُ على فضل عشر ذي الحجّة تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما ورد في فضلها جميعا.
والثاني: ما ورد في فضل بعض أيامها.
فأمَّا القسم الأول- وهو ما ورد في فضلها جميعا- فمنه:
1- قولُه تعالى: }وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ [الفجر: 1، 2].
والمقصود باللَّيالي العشر: العشر الأول من ذي الحجة؛ كما ثبت ذلك عن ابن عبَّاس- رضي الله عنهما- وعكرمة، وجاء هذا عن عبد الله بن الزُّبَير ومسروق بن الأجدع ومجاهد والضَّحَّاك وغيرهم، وهو قول أكثر أهل العلم.
قال الإمام ابن جرير الطَّبريّ في «تفسيره» (30/168): (اختلف أهل التَّأويل في هذه اللَّيالي العشر؛ أيّ ليال هي؟ فقال بعضهم: هي ليالي عشر ذي الحجة.
ثنا ابن بشَّار ثنا ابن أبي عديّ وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر عن عوف عن زرارة عن ابن عباس قال: هي ليالي العشر الأول من ذي الحجّة).اهـ.
ورواه أيضاً بإسناد آخر فقال: حدَّثني يعقوب ثنا ابن علية أنا عوف به ([1]).
ثم قال: (حدَّثني يونس، أنا ابن وهب، أخبرني عمر بن قيس عن محمد بن المرتفع عن عبد الله بن الزُّبَير: }وَلَيَالٍ عَشْرٍ{: أوَّلُ ذي الحجّة إلى يوم النَّحْر)([2]).اهـ.
ورواه أيضاً عن مسروق([3]) وعكرمة ومجاهد([4]) وقتادة والضَّحَّاك.
ثم قال: (حدثني يونس أنا ابن وهب قال: قال ابنُ زيد في قوله تعالى: }وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ قال: أول ذي الحجة، وقال: هي عشر المحرم من أوله).
ثم قال: (والصواب من القول في ذلك عندنا أنَّها عشر الأضحى؛ لإجماع الحجَّة من أهل التَّأويل عليه، وأن عبد الله بن أبي زياد القطواني حدَّثني قال: حدثني زيد بن حباب قال: أخبرني عياش بن عقبة قال: حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله r قال: «}وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ [الفجر: 1، 2] قال: عشر الأضحى»). اهـ.
قلت: حديث جابر رواه الإمام أحمد (3/327) عن زيد بن الحباب به.
ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (4086، 11907) عن محمد بن رافع و (11608) عبدة بن عبد الله كلاهما عن زيد بن الحباب به.
ورواه ابن أبي حاتم– كما في «تفسير ابن كثير» (4/505)– من طريقه.
قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/505): (وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم، وعندي أن المتن في رفعه نكارة، والله أعلم).اهـ.
وقال رحمه الله في تفسير الآية الكريمة: (والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة، كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف...).
ثم ذكر حديث ابن عباس، ثم قال: (وقيل: المراد بذلك العشر الأول من المحرم، حكاه أبو جعفر ابن جرير ولم يعزه إلى أحد ([5])، وقد روى أبو كدينة عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس: }وَلَيَالٍ عَشْرٍ{: قال: هو العشر الأول من رمضان. والصَّحيحُ القولُ الأوَّل). اهـ.
وإقسامُ الله- عز وجل- بهذه الأيام يدلُّ على عظمتها؛ قال أبو عبد الله ابن القيم: (وهو- سبحانه- يقسم بأمور على أمور؛ وإنَّما يقسم بنفسه الموصوفة بصفاته وآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنَّه من عظيم آياته)([6]). اهـ.
2- روى البخاري (969) من طريق شعبة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النَّبيِّ r قال: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه([7])». قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء».
ورواه أبو داود (2438) قال: حدَّثَنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي صالح ومجاهد ومسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الرَّسولُ r أنَّه قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام– يعني أيام العشر- قال: قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
ورواه التِّرمذيُّ (757) قال: حدَّثنا هنَّاد حدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش به ولفظه: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر...» الحديث.
ورواه ابن ماجه (1727) قال: حدَّثَنا عليّ بن محمَّد ثنا أبو معاوية عن الأعمش به، ولفظه: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»؛ يعني العشر.
ورواه عبد الرَّزَّاق (8121) عن الثَّوريِّ عن الأعمش به بلفظ: «ما من أيام أحب فيهن العمل، أو أفضل فيهن العمل من أيام العشر».
وهذا الاختلافُ في ألفاظ الحديث عند التَّحقيق ليس فيه اختلاف من حيث المعنى؛ فهذه الرِّوايات كلُّها متَّفقةٌ على أنَّ العملَ في عشر ذي الحجة أفضل من العمل فيما سواها؛ لكن بعض هذه الرِّوايات أصرح في الدِّلالة على ذلك ([8]).
وظاهر هذا الحديث يدلُّ على أنَّ هذه الأيَّامَ هي أفضل أيَّام السَّنة؛ حتى من العشر الأخيرة من رمضان؛ لأنَّ الرسولَ r لم يستثن شيئًا من الأيام سواها.
ويؤيِّد هذا ما جاء عند الدَّارميّ (1774) قال: أخبرنا يزيد بن هارون أنا أصبغ حدثنا القاسم بن أبي أيوب عن سعيد عن ابن عباس t عن النَّبيِّ r أنَّه قال: «ما من عمل أزكى عند الله- عَزَّ وجَلَّ- ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى...» وذكر الحديث ثم قال: وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيَّام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه.
وأخرجه الطَّحاويُّ في «المشكل» (2970) قال: حدَّثَنا عليُّ بن شيبة فال: حدَّثنا يزيد بن هارون قال: حدَّثنا أصبغ بن زيد الورَّاق قال: حدَّثَنا القاسم بن أبي أيُّوب عن سعيد بن جبير، أنَّه كان يحدِّث عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ r... وذكر الحديث.
وقد جاء النَّصُّ على ذلك صراحةً فيما جاء من حديث أبي الزُّبَير عن جابر رفعه: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر». يعني: عشر ذي الحجة... الحديث ([9]).
حديث آخر (حديث ابن عمر):
روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر عن النَّبيِّ r قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»([10]).
حديث آخر (حديث عبد الله بن عمرو):
قال الإمام أحمد (6559): حدَّثنا أبو كامل، ثنا زهير، حدَّثنا إبراهيم بن المهاجر عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو قال: كنت عند رسول الله r فذكرتُ الأعمال، فقال: «ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر». قالوا: يا رسول الله، الجهاد– وعنده غيره: ولا الجهاد– في سبيل الله؟ قال: «فأكبره»، فقال: «ولا الجهاد؛ إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه».
ثم قال (6560): حدَّثنا أبو النَّضر ويحيى بن آدم قالا: ثنا زهير عن إبراهيم بن مهاجر به ([11]).
حديث آخر (حديث النهاس بن قهم):
قال أبو عيسى التِّرمذيُّ في «الجامع» (758): حدَّثنا أبو بكر ابن نافع البصري ثنا محمود بن واصل عن النَّهَّاس بن قَهْم عن قتادة عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النَّبيِّ r قال: «ما من أيام أحبّ إلى الله أن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر».
هذا حديث باطل ([12]).
* * *
قال ابن رجب في «اللطائف» (468): (وهذا كلُّه يدلُّ على أنَّ عشر ذي الحجَّة أفضل من غيره من الأيَّام من غير استثناء؛ هذا في أيَّامه؛ فأمَّا لياليه فمن المتأخرين مَن زَعَمَ أنَّ ليالي عشر رمضان أفضل من لياليه؛ لاشتمالها على ليلة القدر، وهذا بعيد جدًّا). اهـ.
وقال أبو عثمان النَّهديُّ: (كانوا يفضِّلون ثلاث عشرات: العشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم، والعشر الأواخر من رمضان).
وقال ابنُ ناصر الدِّين الدِّمشقيّ: (والأخبار مشعرة بتفضيل عشر ذي الحجَّة على العشرين المذكورين؛ لأنَّ فيه يوم التَّروية ويوم عرفة ويوم النَّحر). اهـ.
ثم ذكر حديث جابر بطرقه وألفاظه، وقال بعده: (وفي الحديث وما قبله دلالةٌ على أنَّ العشرَ أفضلُ أيَّام الدُّنيا... إلى أن قال: وقال بعض الأئمَّة: يقال: مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان؛ لأنَّ هذا العشر أقسم الله- عزَّ وجلَّ- بفجر أوَّل يوم منه؛ على قول([13]) الضَّحَّاك وغيره.
وأيضًا أقسم الله- عَزَّ وجَلَّ- بلياليه العشر على قول الجمهور، وصحَّ عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما.
وهو العشر التي أتمَّها الله- عز وجل- لموسى عليه الصَّلاة والسَّلام في قوله تعالى: }وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً{ [الأعراف: 142]. قاله مجاهد.
وهو خاتمة الأشهر المعلومات المذكورة في قوله تعالى: }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ{ [البقرة: 197]؛ وهي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. قاله عمر وعليّ وابن مسعود وابن عمر وابن عبَّاس وابن الزُّبير، وأكثر التَّابعين، وبعضُهم أخرج منه يوم النَّحر، وهو الأيام المعلومات؛ قاله ابن عمر وابن عبَّاس وطائفة من التَّابعين منهم الحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة وسعيد بن جبير... إلى أن ذكر بعضَ ألفاظ وطرق حديث ابن عباس ثم قال: وفي هذه دلالة على أنَّ العملَ في هذا([14]) العشر- وإن كان مفضولاً - أفضل من العمل في غيره، وإن كان فاضلاً، وربَّما يزيد عليه بمضاعفة الثَّواب). اهـ من «فضل يوم عرفة» له (ص: 139-144).
هذا ما جاء في فضلها عمومًا.
* * *
وأمَّا القسمُ الثَّاني- وهو ما جاء في فضل بعض أيامها، فمن ذلك:
1- ما رواه الإمام أحمد (4/350) وأبو داود (1765) والنسائي في «الكبرى» (4098) والبخاريّ في «التاريخ الكبير» (5/34) وصحَّحه ابن خزيمة (2866) وابن حبَّان (2811) والحاكم (4/246)، كلُّهم رووه عن ثور– وهو ابن يزيد– قال: حدَّثني راشد بن سعد عن عبد الله بن لحي عن عبد الله بن قرط؛ أنَّ رسولَ الله r قال: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر...»([15]).
وهذا إسنادٌ جيِّدٌ، ورجالُه كلُّهم ثقاتٌ، وعبد الله بن قرط هو الأزديّ الثَّماليّ، نصَّ البخاريُّ على صحبته (5/34) فقال: «له صحبة»، ثم ساق له هذا الحديث.
ويظهر من تنصيص البخاريّ على صحبته ثم روايته لحديثه هذا وعدم تعقُّبه بشيء قوَّةُ هذا الخبر عند البخاريِّ، والله تعالى أعلم.
وله قصَّة مع الرَّسول r أخرجها أحمد في مسند عبد الله بن قرط (2/75).
ويومُ النَّحْر هو يومُ العيد؛ وهو اليوم العاشر، وأمَّا يوم القر فهو اليوم الحادي عشر.
* * *
2- وممَّا جاء في فضل بعض أيَّامها أيضًا على وجه الخصوص ما جاء عند أبي داود (2419) والنَّسائيّ (3004)، وصحَّحَه التِّرمذيُّ (773) وابن خزيمة (2100) وابنُ حبَّان (3603) والحاكم (1/600) من حديث موسى بن عليّ عن أبيه عن عقبة بن عامر؛ أنَّ رسولَ الله r قال: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام».
ولا يخفى أنَّ أيَّامَ الأعياد أيامٌ معظَّمةٌ، ومن أعظم هذه الأيَّام يوم عرفة، وفضله ومكانته معلومة، وغير ذلك من الأدلَّة التي تدلُّ على فضل هذه الأيام إمَّا بعمومها أو خصوص بعضها.
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين..
أمَّا بعد..
فإنَّ اللهَ- عز وجل- شرَّع لعباده مواسمَ الخيرات، ويَسَّرَ لهم طُرُقَ الطَّاعات؛ فعلى العباد أن يغتنموا هذه المواسم ليحقِّقوا أعلى الدرجات.
وإنَّ من المواسم العظيمة التي حثَّ اللهُ عبادَه على اغتنامها أيَّام عشر ذي الحجة، وقد دلَّت الأدلة– كما سيأتي إن شاء الله– على أنَّ هذه الأيَّامَ أفضلُ أيَّام العام، وقد اجتمع فيها عبادات عظيمة وطاعات جليلة.
* * *
فضائل عشر ذي الحجة
الأدلَّةُ الدَّالَّةُ على فضل عشر ذي الحجّة تنقسم إلى قسمين:
الأول: ما ورد في فضلها جميعا.
والثاني: ما ورد في فضل بعض أيامها.
فأمَّا القسم الأول- وهو ما ورد في فضلها جميعا- فمنه:
1- قولُه تعالى: }وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ [الفجر: 1، 2].
والمقصود باللَّيالي العشر: العشر الأول من ذي الحجة؛ كما ثبت ذلك عن ابن عبَّاس- رضي الله عنهما- وعكرمة، وجاء هذا عن عبد الله بن الزُّبَير ومسروق بن الأجدع ومجاهد والضَّحَّاك وغيرهم، وهو قول أكثر أهل العلم.
قال الإمام ابن جرير الطَّبريّ في «تفسيره» (30/168): (اختلف أهل التَّأويل في هذه اللَّيالي العشر؛ أيّ ليال هي؟ فقال بعضهم: هي ليالي عشر ذي الحجة.
ثنا ابن بشَّار ثنا ابن أبي عديّ وعبد الوهاب ومحمد بن جعفر عن عوف عن زرارة عن ابن عباس قال: هي ليالي العشر الأول من ذي الحجّة).اهـ.
ورواه أيضاً بإسناد آخر فقال: حدَّثني يعقوب ثنا ابن علية أنا عوف به ([1]).
ثم قال: (حدَّثني يونس، أنا ابن وهب، أخبرني عمر بن قيس عن محمد بن المرتفع عن عبد الله بن الزُّبَير: }وَلَيَالٍ عَشْرٍ{: أوَّلُ ذي الحجّة إلى يوم النَّحْر)([2]).اهـ.
ورواه أيضاً عن مسروق([3]) وعكرمة ومجاهد([4]) وقتادة والضَّحَّاك.
ثم قال: (حدثني يونس أنا ابن وهب قال: قال ابنُ زيد في قوله تعالى: }وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ قال: أول ذي الحجة، وقال: هي عشر المحرم من أوله).
ثم قال: (والصواب من القول في ذلك عندنا أنَّها عشر الأضحى؛ لإجماع الحجَّة من أهل التَّأويل عليه، وأن عبد الله بن أبي زياد القطواني حدَّثني قال: حدثني زيد بن حباب قال: أخبرني عياش بن عقبة قال: حدثني خير بن نعيم عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله r قال: «}وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ{ [الفجر: 1، 2] قال: عشر الأضحى»). اهـ.
قلت: حديث جابر رواه الإمام أحمد (3/327) عن زيد بن الحباب به.
ورواه النسائي في «السنن الكبرى» (4086، 11907) عن محمد بن رافع و (11608) عبدة بن عبد الله كلاهما عن زيد بن الحباب به.
ورواه ابن أبي حاتم– كما في «تفسير ابن كثير» (4/505)– من طريقه.
قال الحافظ ابن كثير في «تفسيره» (4/505): (وهذا إسناد رجاله لا بأس بهم، وعندي أن المتن في رفعه نكارة، والله أعلم).اهـ.
وقال رحمه الله في تفسير الآية الكريمة: (والليالي العشر المراد بها عشر ذي الحجة، كما قاله ابن عباس، وابن الزبير، ومجاهد، وغير واحد من السلف والخلف...).
ثم ذكر حديث ابن عباس، ثم قال: (وقيل: المراد بذلك العشر الأول من المحرم، حكاه أبو جعفر ابن جرير ولم يعزه إلى أحد ([5])، وقد روى أبو كدينة عن قابوس بن أبي ظبيان عن أبيه عن ابن عباس: }وَلَيَالٍ عَشْرٍ{: قال: هو العشر الأول من رمضان. والصَّحيحُ القولُ الأوَّل). اهـ.
وإقسامُ الله- عز وجل- بهذه الأيام يدلُّ على عظمتها؛ قال أبو عبد الله ابن القيم: (وهو- سبحانه- يقسم بأمور على أمور؛ وإنَّما يقسم بنفسه الموصوفة بصفاته وآياته المستلزمة لذاته وصفاته، وإقسامه ببعض المخلوقات دليل على أنَّه من عظيم آياته)([6]). اهـ.
2- روى البخاري (969) من طريق شعبة عن الأعمش عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النَّبيِّ r قال: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه([7])». قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله فلم يرجع بشيء».
ورواه أبو داود (2438) قال: حدَّثَنا عثمان بن أبي شيبة ثنا وكيع ثنا الأعمش عن أبي صالح ومجاهد ومسلم البطين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال الرَّسولُ r أنَّه قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله عز وجل من هذه الأيام– يعني أيام العشر- قال: قالوا: يا رسول الله، ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: «ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجلا خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء».
ورواه التِّرمذيُّ (757) قال: حدَّثنا هنَّاد حدَّثنا أبو معاوية عن الأعمش به ولفظه: «ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر...» الحديث.
ورواه ابن ماجه (1727) قال: حدَّثَنا عليّ بن محمَّد ثنا أبو معاوية عن الأعمش به، ولفظه: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام»؛ يعني العشر.
ورواه عبد الرَّزَّاق (8121) عن الثَّوريِّ عن الأعمش به بلفظ: «ما من أيام أحب فيهن العمل، أو أفضل فيهن العمل من أيام العشر».
وهذا الاختلافُ في ألفاظ الحديث عند التَّحقيق ليس فيه اختلاف من حيث المعنى؛ فهذه الرِّوايات كلُّها متَّفقةٌ على أنَّ العملَ في عشر ذي الحجة أفضل من العمل فيما سواها؛ لكن بعض هذه الرِّوايات أصرح في الدِّلالة على ذلك ([8]).
وظاهر هذا الحديث يدلُّ على أنَّ هذه الأيَّامَ هي أفضل أيَّام السَّنة؛ حتى من العشر الأخيرة من رمضان؛ لأنَّ الرسولَ r لم يستثن شيئًا من الأيام سواها.
ويؤيِّد هذا ما جاء عند الدَّارميّ (1774) قال: أخبرنا يزيد بن هارون أنا أصبغ حدثنا القاسم بن أبي أيوب عن سعيد عن ابن عباس t عن النَّبيِّ r أنَّه قال: «ما من عمل أزكى عند الله- عَزَّ وجَلَّ- ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى...» وذكر الحديث ثم قال: وكان سعيد بن جبير إذا دخل أيَّام العشر اجتهد اجتهاداً شديداً حتى ما يكاد يقدر عليه.
وأخرجه الطَّحاويُّ في «المشكل» (2970) قال: حدَّثَنا عليُّ بن شيبة فال: حدَّثنا يزيد بن هارون قال: حدَّثنا أصبغ بن زيد الورَّاق قال: حدَّثَنا القاسم بن أبي أيُّوب عن سعيد بن جبير، أنَّه كان يحدِّث عن ابن عبَّاس عن النَّبيِّ r... وذكر الحديث.
وقد جاء النَّصُّ على ذلك صراحةً فيما جاء من حديث أبي الزُّبَير عن جابر رفعه: «أفضل أيام الدنيا أيام العشر». يعني: عشر ذي الحجة... الحديث ([9]).
حديث آخر (حديث ابن عمر):
روى يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عن ابن عمر عن النَّبيِّ r قال: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»([10]).
حديث آخر (حديث عبد الله بن عمرو):
قال الإمام أحمد (6559): حدَّثنا أبو كامل، ثنا زهير، حدَّثنا إبراهيم بن المهاجر عن عبد الله بن باباه، عن عبد الله بن عمرو قال: كنت عند رسول الله r فذكرتُ الأعمال، فقال: «ما من أيام العمل فيهن أفضل من هذه العشر». قالوا: يا رسول الله، الجهاد– وعنده غيره: ولا الجهاد– في سبيل الله؟ قال: «فأكبره»، فقال: «ولا الجهاد؛ إلا أن يخرج رجل بنفسه وماله في سبيل الله، ثم تكون مهجة نفسه فيه».
ثم قال (6560): حدَّثنا أبو النَّضر ويحيى بن آدم قالا: ثنا زهير عن إبراهيم بن مهاجر به ([11]).
حديث آخر (حديث النهاس بن قهم):
قال أبو عيسى التِّرمذيُّ في «الجامع» (758): حدَّثنا أبو بكر ابن نافع البصري ثنا محمود بن واصل عن النَّهَّاس بن قَهْم عن قتادة عن سعيد بن المسيَّب عن أبي هريرة عن النَّبيِّ r قال: «ما من أيام أحبّ إلى الله أن يتعبّد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة، وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر».
هذا حديث باطل ([12]).
* * *
قال ابن رجب في «اللطائف» (468): (وهذا كلُّه يدلُّ على أنَّ عشر ذي الحجَّة أفضل من غيره من الأيَّام من غير استثناء؛ هذا في أيَّامه؛ فأمَّا لياليه فمن المتأخرين مَن زَعَمَ أنَّ ليالي عشر رمضان أفضل من لياليه؛ لاشتمالها على ليلة القدر، وهذا بعيد جدًّا). اهـ.
وقال أبو عثمان النَّهديُّ: (كانوا يفضِّلون ثلاث عشرات: العشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأول من المحرم، والعشر الأواخر من رمضان).
وقال ابنُ ناصر الدِّين الدِّمشقيّ: (والأخبار مشعرة بتفضيل عشر ذي الحجَّة على العشرين المذكورين؛ لأنَّ فيه يوم التَّروية ويوم عرفة ويوم النَّحر). اهـ.
ثم ذكر حديث جابر بطرقه وألفاظه، وقال بعده: (وفي الحديث وما قبله دلالةٌ على أنَّ العشرَ أفضلُ أيَّام الدُّنيا... إلى أن قال: وقال بعض الأئمَّة: يقال: مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان؛ لأنَّ هذا العشر أقسم الله- عزَّ وجلَّ- بفجر أوَّل يوم منه؛ على قول([13]) الضَّحَّاك وغيره.
وأيضًا أقسم الله- عَزَّ وجَلَّ- بلياليه العشر على قول الجمهور، وصحَّ عن ابن عبَّاس رضي الله تعالى عنهما.
وهو العشر التي أتمَّها الله- عز وجل- لموسى عليه الصَّلاة والسَّلام في قوله تعالى: }وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً{ [الأعراف: 142]. قاله مجاهد.
وهو خاتمة الأشهر المعلومات المذكورة في قوله تعالى: }الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ{ [البقرة: 197]؛ وهي: شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة. قاله عمر وعليّ وابن مسعود وابن عمر وابن عبَّاس وابن الزُّبير، وأكثر التَّابعين، وبعضُهم أخرج منه يوم النَّحر، وهو الأيام المعلومات؛ قاله ابن عمر وابن عبَّاس وطائفة من التَّابعين منهم الحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وقتادة وسعيد بن جبير... إلى أن ذكر بعضَ ألفاظ وطرق حديث ابن عباس ثم قال: وفي هذه دلالة على أنَّ العملَ في هذا([14]) العشر- وإن كان مفضولاً - أفضل من العمل في غيره، وإن كان فاضلاً، وربَّما يزيد عليه بمضاعفة الثَّواب). اهـ من «فضل يوم عرفة» له (ص: 139-144).
هذا ما جاء في فضلها عمومًا.
* * *
وأمَّا القسمُ الثَّاني- وهو ما جاء في فضل بعض أيامها، فمن ذلك:
1- ما رواه الإمام أحمد (4/350) وأبو داود (1765) والنسائي في «الكبرى» (4098) والبخاريّ في «التاريخ الكبير» (5/34) وصحَّحه ابن خزيمة (2866) وابن حبَّان (2811) والحاكم (4/246)، كلُّهم رووه عن ثور– وهو ابن يزيد– قال: حدَّثني راشد بن سعد عن عبد الله بن لحي عن عبد الله بن قرط؛ أنَّ رسولَ الله r قال: «أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القر...»([15]).
وهذا إسنادٌ جيِّدٌ، ورجالُه كلُّهم ثقاتٌ، وعبد الله بن قرط هو الأزديّ الثَّماليّ، نصَّ البخاريُّ على صحبته (5/34) فقال: «له صحبة»، ثم ساق له هذا الحديث.
ويظهر من تنصيص البخاريّ على صحبته ثم روايته لحديثه هذا وعدم تعقُّبه بشيء قوَّةُ هذا الخبر عند البخاريِّ، والله تعالى أعلم.
وله قصَّة مع الرَّسول r أخرجها أحمد في مسند عبد الله بن قرط (2/75).
ويومُ النَّحْر هو يومُ العيد؛ وهو اليوم العاشر، وأمَّا يوم القر فهو اليوم الحادي عشر.
* * *
2- وممَّا جاء في فضل بعض أيَّامها أيضًا على وجه الخصوص ما جاء عند أبي داود (2419) والنَّسائيّ (3004)، وصحَّحَه التِّرمذيُّ (773) وابن خزيمة (2100) وابنُ حبَّان (3603) والحاكم (1/600) من حديث موسى بن عليّ عن أبيه عن عقبة بن عامر؛ أنَّ رسولَ الله r قال: «يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام».
ولا يخفى أنَّ أيَّامَ الأعياد أيامٌ معظَّمةٌ، ومن أعظم هذه الأيَّام يوم عرفة، وفضله ومكانته معلومة، وغير ذلك من الأدلَّة التي تدلُّ على فضل هذه الأيام إمَّا بعمومها أو خصوص بعضها.
* * *
مواضيع مماثلة
» فضائل العشر الأول من ذي الحجة وأهمية اغتنامها
» صوم عشر ذي الحجة وتأكيد يوم عرفة لغير الحاج :
» العشر الأول من ذي الحجة
» أعمالٌ عشرٌ في أيام عشر ذي الحجة
» لترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة
» صوم عشر ذي الحجة وتأكيد يوم عرفة لغير الحاج :
» العشر الأول من ذي الحجة
» أعمالٌ عشرٌ في أيام عشر ذي الحجة
» لترغيب في العمل الصالح في عشر ذي الحجة
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin