بحـث
الشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المواضيع الأخيرة
نوفمبر 2024
الأحد | الإثنين | الثلاثاء | الأربعاء | الخميس | الجمعة | السبت |
---|---|---|---|---|---|---|
1 | 2 | |||||
3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 |
10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 |
17 | 18 | 19 | 20 | 21 | 22 | 23 |
24 | 25 | 26 | 27 | 28 | 29 | 30 |
الحمدلله على نعمة الاسلام
ايها الاخوه الدعاه الى الله وكذا جميع الزائرين والزائرات مرحبا بكم واهلا نتمنى من الله ان نكون عند حسن ظنكم جميا والله الموفق الى الخير وهو حسبنا ونعم الوكيلالشيخ محمدشوقى
ُ مُنْتَدَيَاتُ مُلْتَقَى؛ الدُعَاةُ}ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ
وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن
ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }النحل125.
المتواجدون الآن ؟
ككل هناك 29 عُضو متصل حالياً :: 0 عضو مُسجل, 0 عُضو مُختفي و 29 زائر لا أحد
أكبر عدد للأعضاء المتواجدين في هذا المنتدى في نفس الوقت كان 76 بتاريخ الأربعاء 30 أكتوبر 2024, 11:01 pm
]إعجاز البيان في اقصر سورة من القرآن
صفحة 1 من اصل 1
]إعجاز البيان في اقصر سورة من القرآن
إعجاز البيان
في اقصر سورة من القرآن
إعداد الطالب
جميل صالح حسن الدليمي
المادة : إعجاز القرآن
الفصل الاول
الدلالات النحوية لسورة الكوثر
المطلب الاول
دلالة لفظة العطاء
العَطاء : اسمٌ لما يُعْطَىِ وإذا سمّيت الشَّيء بالعطاء من الذّهب والفضّة قلت : أَعْطِيَة وأَعْطِيات : جمع الجمع
والعَطْوُ : التّناوُلُ باليدِ
قَالَ امرؤ القيس :
وتَعْطو برَخْصٍ غير شَثْنٍ كأنَّه ... أساريعُ ظَبْيٍ أو مَساويكُ إسْحِلِ
ُ العاطي : الرافع يديه إلى الشّجرة ليتناول من الورق
قَالَ
تحكُّ بقَرنَيْها بريرَ أراكةٍ ... وتَعْطُو بظلْفَيها إذا الغُصْنُ طالَها )
يُقَالُ : ظبيٌ عاطٍ وعَطُوٌّ وجَدْيٌ عطوٌّ ومنه اشتُقّ الإعطاءُ
والمُعاطاةُ : المُناوَلَةُ
عاطى الصبيُّ أهلَه إذا عمِلَ لهم وناولَ ما أرادوا
والتَّعاطي : تناولُ ما لا يحقّ
تعاطَى فلان : ظلمكِ قَالَ الله عزّ وجلّ : ( فتعاطَى فَعَقَرَ ) قالوا : قام الشّقيّ على أطرافِ أصابع رجلَيْهِ ثمّ رفع يدَيْه فضربَها فَعَقَرَهاِ .
والإيتاء حقيقته الدفع والإعطاء الحسي ، ويطلق على تخصيص الشيء بالشيء وجعله حقّاً له ، مثل إطلاق الإعطاء في قوله تعالى : { إنا أعطيناك الكوثر } [ الكوثر : 1 ] وفي الحديث : « رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هَلَكَتِه في الحقّ ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها » .
المطلب الثاني
دلالة لفظة الكوثر
والكَوْثَر الكثير من كل شيء والكَوْثَر الكثير الملتف من الغبار إِذا سطع وكَثُرَ هُذَليةٌ قال أُمَيَّةُ يصف حماراً وعانته يُحامي الحَقِيقَ إِذا ما احْتَدَمْن وحَمْحَمْنَ في كَوْثَرٍ كالجَلالْ أَراد في غُبار كأَنه جَلالُ السفينة وقد تَكَوْثَر الغُبار إِذا كثر قال حَسّان بن نُشْبَة أَبَوْا أَن يُبِيحوا جارَهُمْ لعَدُوِّهِمْ وقد ثارَ نَقْعُ المَوْتِ حتى تَكَوْثَرا وقد تَكَوْثَرَ ورجل كَوْثَرٌ كثير العطاء والخير والكَوْثَرُ السيد الكثير لخير قال الكميت وأَنتَ كَثِيرٌ يا ابنَ مَرْوانَ طَيِّبٌ وكان أَبوك ابنُ العقائِل كَوْثَرا وقال لبيد وعِنْدَ الرِّداعِ بيتُ آخرَكَوْثَرُ والكَوْثَرُ النهر عن كراع والكوثر نهر في الجنة يتشعب منه جميع أَنهارها وهو للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة وفي حديث مجاهد أُعطِيتُ الكَوْثَر وهو نهر في الجنة وهو فَوْعَل من الكثرة والواو زائدة ومعناه الخير الكثير وجاء في التفسير أَن الكوثر القرآن والنبوّة وفي التنزيل العزيز إِنا أَعطيناك الكوثر قيل الكوثر ههنا الخير الكثير الذي يعطيه الله أُمته يوم القيامة وكله راجع إِلى معنى الكثرة وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أَن الكوثر نهر في الجنة أَشد بياضاً من اللبن وأَحلى من العسل في حافَتَيه قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ وجاء أَيضاً في التفسير أَن الكوثر الإِسلام والنبوّة وجميع ما جاء في تفسير الكوثر قد أُعطيه النبي صلى الله عليه وسلم أُعطي النبوّة وإِظهار الدين الذي بعث به على كل دين والنصر على أَعدائه والشفاعة لأُمته وما لا يحصى من الخير وقد أُعطي من الجنة على قدر فضله على أَهل الجنة صلى الله عليه وسلم وقال أَبو عبيدة قال عبد الكريم أَبو أُمية قَدِمَ فلانٌ بكَوْثَرٍ كَثير وهو فوعل من الكثرة أَبو تراب الكَيْثَرُ بمعنى الكَثِير وأَنشد هَلِ العِزُّ إِلا اللُّهى والثَّرَا ءُ والعَدَدُ الكَيْثَرُ الأَعْظَمُ ؟ فالكَيْثَرُ والكَوْثَرُ واحد والكَثْرُ والكَثَرُ بفتحتين جُمَّار النخل أَنصارية وهو شحمه الذي في وسط النخلة في كلام الأَنصار وهو الجَذَبُ أَيضاً ويقال الكَثْرُ طلع النخل ومنه الحديث لا قَطْعَ في ثَمَرٍ ولا كَثَرٍ وقيل الكَثَرُ الجُمَّارُ عامَّةً واحدته كَثَرَةٌ وقد أَكثر النخل
المطلب الثالث
دلالة لفظة النحر
وهو المَنْحَر مدكر لا غير صرح اللحياني بذلك وجمعه نُحور لا يُكَسَّر على غير ذلك ونَحَره ينْحَره نَحْراً أَصاب نَحْرَه ونَحَر البعيرَ ينحَره نحراً طَعَنه في مَنْحَرِه حيث يبدو الحُلقوم من أَعلى الصدْر وجَمَلٌ نَحِير في جمال نَحْرى ونُحَراء ونَحائِرَ وناقة نَحِير ونَحِيرَة في أَنْيُق نَحْرى ونُحَرَاء ونَحائرَ ويومُ النَّحر عاشر ذي الحجة يومُ الأَضحى لأَن البُدْنَ تُنحر فيه والمنْحَر الموضع الذي يُنحر فيه الهدْي وغيره وتَناحَرَ القومُ على الشيء وانْتَحَرُوا تَشاحُّوا عليه فكاد بعضهم يَنْحَر بعضاً من شِدّة حِرْصِهم وتناحَرُوا في القِتال والنَّاحِرَانِ والنَّاحِرَتانِ عِرْقان في النحر وفي الصحاح الناحِران عِرْقانِ في صَدر الفَرَس المحكم والناحِرَتانِ ضِلعان من أَضلاع الزَّوْرِ وقيل هما الواهِنَتانِ وقال ابن الأَعرابي الناحِرَتان التَّرْقُوَتانِ من الناس والإِبِل وغيرهم غيرُه والجَوانِحُ ما رُفِع عليه الكَتِف من الدابة والبعير ومن الإِنسان الدَّأْيُ والدَّأْيُ ما كان من قِبَلِ الظهر وهي سِتٌّ ثلاثٌ من كل جانب وهي من الصدر الجوانح لِجُنُوحِها على القلب وقال الكتف على ثلاثة أَضلاع من جانب وستة أَضلاع من جانب وهذه الستة يقال لها الدَّأَياتُ أَبو زيد الجوانح أَدنى الضلوع من المنحر وفيهن الناحِرات وهي ثلاث من كل جانب ثم الدَّأَياتُ وهي ثلاث من كل شقٍّ ثم يبقى بعد ذلك ست من كل جانب متصلات بالشَّراسِيفِ لا يسمونها إِلا الأَضلاع ثم ضِلَع الخَلْفِ وهي أَواخر الضلوع ونَحْرُ النهار أَولُه وأَتيتُه في نَحْرِ النهار أَي أَوله وكذلك في نَحْرِ الظهيرة وفي حديث الهجرة أَتانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ هو حين تبلغ الشمس مُنتهاها من الارتفاع كأَنها وصَلَتْ إِلى النحر وهو أَعلى الصدر وفي حديث الإِفْكِ حتى أَتينا الجيشَ في نَحْرِ الظهيرة وفي حديث وابِصَةَ أَتاني ابن مسعود في نَحْرِ الظهيرة فقلت أَيَّةُ ساعةِ زيادةٍ ونُحُورُ الشُّهور أَوائِلُها وكل ذلك على المَثَلِ والنَّحِيرَةُ أَوّل يوم من الشهر ويقال لآخر ليلة من الشهرِ نَحِيرَةٌ لأَنها تَنْحَرُ الهلال قال الكميت فَبادَرَ لَيْلَةَ لا مُقْمِرٍ نَحِيرَةَ شهرٍ لِشهرٍ سَِرَارَا أَراد ليلة لا رَجُلٍ مُقْمِرٍ والسِّرارُ مردودٌ على الليلة ونَحِيرَة فعيلة بمعنى فاعلة لأَنها تَنْحَر الهلال أَي تَسْتقبِله وقيل النَّحِيرَة آخر يوم من شهر لأَنه يَنْحَر الذي يَدخل بعده وقيل النَّحِيرة لأَنها تنحَر التي قبلها أَي تستقبلها في نحرها والجمع ناحِراتٌ ونَواحِرُ نادران قال الكميت يصف فعل الأَمطار بالديار والغَيْثُ بالمُتَأَلِّقا تِ من الأَهلَّة في النَّواحِرْ
( * قوله « والغيث إلخ » أورده الصحاح في مادة نحر بالواو بدل في فقال والنواحر )
وقال النَّحِيرة آخر ليلة من الشهر مع يومها لأَنها تَنْحَر الذي يدخل بعدها أَي تصير في نحره فهي ناحرة وقال ابن أَحمر الباهلي ثم اسْتمرّ عليه واكِفٌ هَمِعٌ في ليلة نَحَرَتْ شعبانَ أَو رجبا قال الأَزهري معناه أَنه يَستقبل أَوّل الشهر ويقال له ناحِرٌ وفي الحديث أَنه خرج وقد بَكَّروا بصلاة الضحى فقال نَحَرُوها نَحَرَهُمُ لله أي صَلَّوْها في أَول وقتها من نَحْرِ الشهر وهو أَوله قال ابن الأَثير وقوله نحرهم الله يحتمل أَن يكون دعاءً لهم أَي بكَّرهم الله بالخير كما بكَّروا بالصلاة في أَول وقتها ويحتمل أَن يكون دعاءً عليهم بالنَّحْرِ والذبح لأنهم غَيَّروا وقتها وقوله أَنشده ثعلب مرفوعةٌ مِثلُ نَوْءِ السِّمَا كِ وافَقَ غُرَّةَ شهرٍ نَحِيرا قال ابن سيده أَرى نَحِيراً فعيلاً بمعنى مفعول فهو هلى هذا صفة لِلْغُرَّة قال وقد يجوز أَن يكون النَّحِيرُ لغة في النَّحِيرة والدَّارَانِ تَتناحَرَانِ أَي تَتقابلانِ وإِذا استقبلتْ دَارٌ دَاراً قيل هذه تَنْحَرُ تلك وقال الفرّاء سمعت بعض العرب يقول منازلُهم تَناحَرُ هذا بِنَحْرِ هذا أَي قُبالَتِهِ قال وأَنشدني بعض بني أَسد أَبا حَكَمٍ هل أَنتَ عمُّ مُجالِدٍ وسيِّدُ أَهلِ الأَبْطَحِ المُتناحِرِ ؟ وفي الحديث حتى تُدْعَقَ الخيول في نَواحِرِ أَرضهم أَي مُقابِلاتِها يقال منازل بني فلان تَتَناحَرُ أَي تَتَقابَلُ وقول الشاعر أَوْرَدْتُهم وصُدورُ العِيسِ مُسْنَفَةٌ والصبحُ بالكَوكَبِ الدُّرِّيِّ مَنْحُورُ أَي مستقبَلٌ ونَحَرَ الرجلُ في الصلاة يَنْحَرُ انتصب ونَهَدَ صَدْرُه وقوله تعالى فصلِّ لربك وانحرْ قيل هو وضع اليمين على الشمال في الصلاة قال ابن سيده وأَراها لغة شرعية وقيل معناه وانْحَرِ البُدْن وقال طائفة أُمِرَ بنحر النُّسك بعد الصلاة وقيل أَمر بأَن ينتصِب بنَحْره بإِزاء القبلة وأَن لا يلتفتَ يميناً ولا شمالاً وقال الفراء معناه استقبل القبلة بِنَحْرِك ابن الأَعرابي النَّحْرَة انتصاب الرجلُ في الصلاة بإِزاء المحراب والنَّحْرُ والنِّحْريرُ الحاذق الماهر العاقل المجرِّب وقيل النِّحريرُ الرجل الطَّبِنُ الفطِن المُتْقِن البصِير في كل شيء وجمعه النَّحارِير وفي حديث حُذيفة وُكِّلَتِ الفِتنةُ بثلاثة بالحادِّ النحرير وهو الفطِن البصير بكل شيء والنَّحْرُ في اللَّبَّة مثلُ الذبح في الحلق ورجل مِنْحار وهو للمبالغة يوصف بالجود ومن كلام العرب إِنه لَمِنْحارٌ بَوائِكَها أَي يَنْحَرُ سِمانَ الإِبلِ ويقال للسحاب إِذا انْعَقَّ بماء كثير انْتَحَرَ انْتِحاراً وقال الراعي فمرّ على منازِلِها وأَلقى بها الأَثْقالَ وانْتَحر انْتِحارا وقال عديّ بن زيد يصف الغيث مَرِحٌ وَبْلُهُ يَسُحُّ سُيُوبَ ال ماءِ سَحّاً كأَنه مَنْحُورُ ودائرةُ الناحِرِ تكون في الجِرَانِ إِلى أَسفل من ذلك ويقال انْتَحر الرجلُ اي نَحَر نفسه وفي المثل سُرِقَ السارِقُ فانْتَحَر وبَرَقَ نَحْرُهُ اسم رجل وأَورد الجوهري في نخر بيتاً لغَيلان بن حُريث شاهداً على مُنْخورِه لغة في الأَنْفِ وهو من لَدُ لَحْيَيْه إِلى مُنْخُورِه قال ابن بري صواب إِنشاده كما أَنشده سيبويه إِلى مُنْحُورِهِ بالحاء والمُنْحُورُ النحر وصف الشاعر فرساً بطول العنق فجعله يستوعب من حبله مقدار باعين من لحييه.
قال الشنقيطي في اضواء البيان
فقيل : علم .
وقيل : وصف .
وعلى العلمية قالوا : إنه علم على نهر في الجنة ، وعلى الوصف قالوا : الخير الكثير .
المطلب الرابع
دلالة لفظة شنأ
الشَّناءة مثل الشَّناعةِ البُغْضُ شَنِئَ الشيءَ وشَنَأَه أَيضاً الأَخيرة عن ثعلب يَشْنَؤُهُ فيهما شَنْأً وشُنْأً وشِنْأً وشَنْأَةً ومَشْنَأً ومَشْنأَةً ومَشْنُؤَةً وشَنَآناً وشَنْآناً بالتحريك والتسكين أَبْغَضَه وقرئَ بهما قوله تعالى ولا يَجْرِمَنَّكم شَنآنُ قوم فمن سكَّن فقد يكون مصدراً كَلَيَّان ويكون صفة كَسَكْرانَ أَي مُبْغِضُ قوم قال الجوهري وهو شاذ في اللفظ لأَنه لم يجئْ شيءٌ من المصادر عليه ومن حرَّك فانما هو شاذ في المعنى لأَن فَعَلانَ إِنما هو من بِناءِ ما كان معناه الحركةَ والاضْطِرابَ كالضَّرَبانِ والخَفَقَانِ التهذيب الشَّنَآنُ مصدر على فَعَلان كالنَّزَوانِ والضَّرَبانِ وقرأَ عاصم شَنْآن بإِسكان النون وهذا يكون اسماً كأنه قال ولا يَجْرِمَنَّكم بَغِيضُ قوم قال أَبو بكر وقد أَنكر هذا رجل من أَهل البصرة يُعرف بأَبي حاتم السِّجِسْتانِي معه تَعدٍّ شديدٌ وإِقدام على الطعْن في السَّلف قال فحكيت ذلك لأَحمد بن يحيى فقال هذا من ضِيقِ عَطَنِه وقلة معرفته أَما سَمِعَ قولَ ذي الرُّمَّة
فأَقْسِمُ لا أَدْرِي أَجَوْلانُ عَبْرةٍ ... تَجُودُ بها العَيْنانِ أَحْرَى أَمِ الصَّبْرُ
قال قلت له هذا وإِن كان مصدراً ففيه الواو فقال قد قالت العرب وَشْكانَ ذا إِهالةً وحَقْناً فهذا مصدر وقد أَسكنه الشَّنانُ بغير همز مثل الشَّنَآنِ وأَنشد للأَ حوص
وما العيْشُ إِلاَّ ما تَلَذُّ وتَشْتَهي ... وإِنْ لامَ فيه ذُو الشَّنانِ وفَنَّدا
سلمة عن الفرّاءِ من قرأَ شَنَآنُ قوم فمعناهُ بُغْضُ قومٍ شَنِئْتُه شَنَآناً وشَنْآناً وقيل قوله شَنآنُ أَي بَغْضاؤُهم ومَن قَرأَ شَنْآنُ قَوْم فهو الاسم لا يَحْمِلَنَّكم بَغِيضُ قَوْم ورجل شَنائِيةٌ وشَنْآنُ والأُنثى شَنْآنَةٌ وشَنْأَى الليث رجل شَناءة وشَنائِيةٌ بوزن فَعالةٍ وفَعالِية مُبْغِضٌ سَيِّىءُ الخُلقُ وشُنِئَ الرجلُ فهو مَشْنُوءٌ إِذا كان مُبْغَضاً وإِن كان جميلاً ومَشْنَأٌ على مَفْعَل بالفتح قبيح الوجه أَو قبيح المَنْظَر الواحد والمثنى والجميع والمذكر والمؤنث في ذلك سواءٌ والمِشْناءُ بالكسر ممدود على مِثالِ مِفْعالٍ الذي يُبْغِضُه الناسُ عن أَبي عُبيد قال وليس بِحَسن لأَن المِشْناءَ صيغة فاعل وقوله الذي يُبْغِضُه الناسُ في قوَّة المفعول حتى كأَنه قال المِشْناءُ المُبْغَضُ وصيغة المفعول لا يُعَبَّر بها قوله « لا يعبر بها إلخ » كذا في النسخ ولعل المناسب لا يعبر عنها بصيغة الفاعل
عن صيغة الفاعل فأَمّا رَوْضةٌ مِحْلالٌ فمعناه أَنها تُحِلُّ الناسَ أَو تَحُلُّ بهم أَي تَجْعَلُهم يَحُلُّون وليست في معنى مَحْلُولةٍ قال ابن بري ذكر أَبو عبيد أَنَّ المَشْنَأَ مثل المَشْنَعِ القَبِيحُ المَنْظَر وإِن كان مُحَبَّباً والمِشْناءُ مثل المِشْناعِ الذي يُبْغِضُه الناسُ وقال علي بن حمزة المِشْناءُ بالمدّ الذي يُبْغِضُ الناسَ وفي حديث أُم معبد لا تَشْنَؤُه مِن طُولٍ قال ابن الأَثير كذا جاءَ في رواية أَي لا يُبْغَضُ لفَرْطِ طُولِهِ ويروى لا يُتَشَنَّى من طُول أُبْدل من الهمزة ياء وفي حديث علي كرَّم اللّه وجه ومُبْغِضٌ يَحْمِله شَنَآني على أَنْ يَبْهَتَني وتَشانَؤُوا أَي تَباغَضوا وفي التنزيل العزيز إنَّ شانِئَك هو الأَبْتر قال الفرَّاءُ قال اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم إِنَّ شانِئك أَي مُبْغِضَك وعَدُوَّكَ هو الأَبْتَر أَبو عمرو الشَّانِئُ المُبْغِضُ والشَّنْءُ والشِّنْءُ البِغْضَةُ وقالَ أَبو عبيدة في قوله ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنآن قوم يقال الشَّنَآن بتحريك النون والشَّنْآنُ بإِسكان النون البِغْضةُ قال أَبو الهيثم يقال شَنِئْتُ الرجلَ أَي أَبْغَضْته قال ولغة رديئة شَنَأْتُ بالفتح وقولهم لا أَبا لشانِئك ولا أَبٌ أَي لِمُبْغِضِكَ قال ابن السكيت هي كناية عن قولهم لا أَبا لك والشَّنُوءة على فَعُولة التَّقَزُّزُ من الشيءِ وهو التَّباعدُ من الأَدْناس ورجل فيه شَنُوءة وشُنُوءة أَي تَقَزُّزٌ فهو مرة صفة ومرة اسم وأَزدُ شَنُوءة قبيلة مِن اليَمن من ذلك النسبُ إليه شَنَئِيٌّ أَجْرَوْا فَعُولةَ مَجْرَى فَعِيلةَ لمشابهتها اياها من عِدّة أَوجه منها أَن كل واحد من فَعُولة وفَعِيلة ثلاثي ثم إِن ثالث كل واحد منهما حرف لين يجري مجرى صاحبه ومنها أَنَّ في كل واحد من فَعُولة وفَعِيلة تاءَ التأْنيث ومنها اصْطِحابُ فَعُول وفَعِيل على الموضع الواحد نحوأَثُوم وأَثِيم ورَحُوم ورَحِيم فلما استمرت حال فعولة وفعيلة هذا الاستمرار جَرَتْ واو شنوءة مَجرى ياءِ حَنِيفة فكما قالوا حَنَفِيٌّ قياساً قالوا شَنَئِيءٌّ قياساً قال أَبو الحسن الأَخفش فإِن قلت إنما جاءَ هذا في حرف واحد يعني شَنُوءة قال فإنه جميع ما جاءَ قال ابن جني وما أَلطفَ هذا القولَ من أَبي الحسن قال وتفسيره أَن الذي جاءَ في فَعُولة هو هذا الحرف والقياس قا بِلُه قال ولم يَأْتِ فيه شيءٌ يَنْقُضُه وقيل سُمُّوا بذلك لشَنَآنٍ كان بينهم وربما قالوا أَزْد شَنُوَّة بالتشديد غير مهموز ويُنسب إليها شَنَوِيٌّ وقال
نَحْنُ قُرَيْشٌ وهُمُ شَنُوَّهْ ... بِنا قُرَيْشاً خُتِمَ النُّبُوَّهْ
قال ابن السكيت أَزْدُ شَنُوءة بالهمز على فَعُولة ممدودة ولا يقال شَنُوَّة أَبو عبيد الرجلُ الشَّنُوءة الذي يَتَقَزَّزُ من الشيءِ قال وأَحْسَبُ أَنَّ أَزْدَ شَنُوءة سمي بهذا قال الليث وأَزْدُ شَنُوءة أَصح الأَزد أَصْلاً وفرعاً وأَنشد
فَما أَنْتُمُ بالأَزْدِ أَزْدِ شَنُوءة ... ولا مِنْ بَنِي كَعْبِ بنِ عَمْرو بن عامِرِ
أَبو عبيد شَنِئْتُ حَقَّك أَقْرَرْت به وأَخرَجْته من عندي وشَنِئَ له حَقَّه وبه أَعْطاه إِيَّاه وقال ثعلب شَنَأَ إِليه حَقَّه أَعطاه إيَّاه وتَبَرَّأَ منه وهو أَصَحُّ وأَما قول العجاج زَلَّ بَنُو العَوَّامِ عن آلِ الحَكَمْ ... وشَنِئوا المُلْكَ لِمُلْكٍ ذي قِدَمْ
فإنه يروى لِمُلْكٍ ولِمَلْكٍ فمن رواه لِمُلْكٍ فوجهه شَنِئوا أَي أَبْغَضُوا هذا المُلك لذلك المُلْكِ ومَنْ رواه لِمَلْكٍ فالأَجْودُ شَنَؤوا أَي تَبَرَّؤُوا به إِليه ومعنى الرجز أَي خرجوا من عندهم وقَدَمٌ مَنْزِلةٌ ورِفْعةٌ وقال الفرزدق ولَوْ كانَ في دَيْنٍ سِوَى ذا شَنِئْتُمُ ... لَنا حَقَّنا أَو غَصَّ بالماء شارِبُهْ
وشَنِئَ به أَي أَقَرَّ به وفي حديث عائشة عليكم بالمَشْنِيئةِ النافعةِ التَّلْبِينةِ تعني الحَساء وهي مفعولةٌ من شَنِئْتُ أَي أَبْغَضْتُ قال الرياشي سأَلت الأَصمعي عن المَشْنِيئةِ فقال البَغِيضةُ قال ابن الأَثير في قوله مَفْعُولةٌ من شَنِئْتُ إِذا أَبْغَضْتَ في الحديث قال وهذا البِناءُ شاذ قان أَصله مَشْنُوءٌ بالواو ولا يقال في مَقْرُوءٍ ومَوْطُوءٍ مَقرِيٌّ ومَوْطِيٌّ ووجهه أَنه لما خَفَّفَ الهمزة صارت ياءً فقال مَشْنِيٌّ كَمَرْضيٍّ فلما أَعادَ الهمزة اسْتَصْحَبَ الحالَ المُخَفَّفة وقولها التَّلْبينة هي تفسير المَشْنِيئةِ وجعلتها بَغِيضة لكراهتها وفي حديث كعب رضي اللّه عنه يُوشِكُ أَن يُرْفَعَ عنكم الطاعونُ ويَفِيضَ فيكم شَنَآنُ الشِّتاءِ قيل ما شَنآنُ الشِّتاءِ ؟ قال بَرْدُه اسْتعارَ الشَّنآنَ للبَرْد لأَنه يَفِيضُ في الشتاء وقيل أَراد بالبرد سُهولة الأَمر والرّاحَة لأَن العرب تَكْنِي بالبرد عن الرَّاحة والمعنى يُرْفَعُ عنكم الطاعونُ والشِّدَّةُ ويَكثر فيكم التَّباغُضُ والراحةُ والدَّعة وشَوانِئُ المال ما لا يُضَنُّ به عن ابن الأَعرابي من تذكرة أَبي علي قال وأَرى ذلك لأَنها شُنِئَت فجِيدَ بها فأَخْرجه مُخرَج النَّسب فجاءَ به على فاعل والشَّنَآنُ من شُعَرائهم وهو الشَّنَآنُ بن مالك
المطلب الخامس
دلالة لفظة الأبتر
البَتْرُ اسْتِئْصالُ الشيء قطعاً غيره البَتْرُ قَطْعُ الذَّنَبِ ونحوه إِذا استأْصله بَتَرْتُ الشيءَ بَتْراً قطعته قبل الإِتمام والانْبتارُ الانْقِطاعُ وفي حديث الضحايا أَنه نهي عن المبتورةِ وهي التي قطع ذنبها قال ابن سيده وقيل كُلُّ قطع بَتْرٌ بَتَرَهُ يَبْتُرُهُ بَتْراً فانْبَتَرَ وتَبَتَّر وسَيْفٌ باتِرٌ وبَتُورٌ وبَتَّارٌ قطَّاع والباتِرُ السيفُ القاطعُ والأَبْتَرُ المقطوعُ الذَّنَب من أَيّ موضع كان من جميع الدواب وقد أَبْتَرَهُ فَبَتَر وذَنَبٌ أَبْتَرُ وتقول منه بَتِرَ بالكسر يَبْتَرُ بَتَراً وفي الحديث أَنه نهى عن البُتَيْراءِ هو أَن يُوتِرَ بركعة واحدة وقيل هو الذي شرع في ركعتين فأَتم الأُولى وقطع الثانية وفي حديث سعد أَنه أَوْتَرَ بركعة فَأَنْكَرَ عليه ابْنُ مسعود وقال ما هذه البَتْراءُ ؟ وكل أَمر انقطع من الخير أَثَرُه فهو أَبْتَرُ والأَبْتَرانِ العَيْرُ والعَبْدُ سُميِّا أَبْتَرَيْنِ لقلة خيرهما وقد أَبْتَرَه اللهُ أَي صيره أَبتر وخطبةٌ بَتْراءُ إِذا لم يُذكر الله تعالى فيها ولا صُلّيَ على النبي صلى الله عليه وسلم وخطب زياد خطبته البَتْراءَ قيل لها البَتْراءُ لأَنه لم يحمد الله تعالى فيها ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث كان لرسولُ الله صلى الله عليه وسلم دِرْعٌ يقال لهَا البَتْراءُ سميت بذلك لقصرها والأَبْتَرُ من الحيات الذي يقال له الشيطان قصير الذنب لا يراه أَحد إِلاَّ فرّ منه ولا تبصره حامل إِلاَّ أَسقطت وإِنما سمي بذلك لِقَصرِ ذَنَبه كأَنه بُتِرَ منه وفي الحديث كلُّ أَمْر ذي بال لا يُبدأُ فيه بحمد الله فهو أَبْتَرُ أَي أَقطع والبَتْرُ القطعُ والأَبْتَرُ من عَرُوض المُتَقَارَب الرابع من المثمَّن كقوله خَلِيليَّ عُوجَا على رَسْمِ دَارٍ خَلَتْ مِنْ سُلَيْمى ومِنْ مَيَّهْ والثاني من المُسَدَّس كقوله تَعَفَّفْ ولا تَبْتَئِسْ فما يُقْضَ يَأْتيكَا فقوله يَهْ من مَيَّهْ وقوله كامِنْ يَأْتِيكا كلاهما فل وإِنما حكمهما فعولن فحذفت لن فبقي فعو ثم حذفت الواو وأُسكنت العين فبقي فل وسمى قطرب البيت الرابع من المديد وهو قوله إِنما الذَّلْفاءُ ياقُوتَةٌ أُخْرِجَتْ مِنْ كيسِ دُِهْقانِ سماه أَبْتَرَ قال أَبو إِسحق وغلط قرب إِنما الأَبتر في المتقارب فأَما هذا الذي سماه قطرب الأَبْتَرَ فإِنما هو المقطوع وهو مذكور في موضعه والأَبْتَرُ الذي لا عَقِبَ له وبه فُسِّرَ قولهُ تعالى إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ نزلت في العاصي بن وائل وكان دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس فقال هذا الأَبْتَرُ أَي هذا الذي لا عقب له فقال الله جل ثناؤه إِن شانئك يا محمد هو الأَبتر أَي المنقطع العقب وجائز أَن يكون هو المنقطع عنه كلُّ خير وفي حديث ابن عباس قال لما قَدِم ابنُ الأَشْرَفِ مكةَ قالت له قريشٌ أَنت حَبْرُ أَهل المدينة وسَيِّدُهم ؟ قال نعم قالوا أَلا تَرى هذا الصُّنَيْبِرَ الأُبَيْتِرَ من قومه ؟ يزعم أَنه خير منا ونحن أَهلُ الحَجيج وأَهلُ السِّدانَةِ وأَهلُ السِّقاية ؟ قال أَنتم خير منه فأُنزلت إِن شانئك هو الأَبتر وأُنزلت أَلَمْ تَرَ إلى الَّذين أُوتوا نَصيباً من الكتاب يؤمنون بالجِبْتِ والطاغوتِ ويقولون للذين كفروا هؤلاء أَهدى من الذين آمنوا سبيلاً ابن الأَثير الأَبْتَرُ المُنْبَتِرُ الذي لا ولد له قيل لم يكن يومئذٍ وُلِدَ لَهُ قال وفيه نظر لأَنه ولد له قبل البعث والوحي إِلاَّ أَن يكون أَراد لم يعش له ولد ذكر والأَبْتَرُ المُعْدِمُ والأَبْتَرُ الخاسرُ والأَبْتَرُ الذي لا عُرْوَةَ له من المَزادِ والدِّلاء وتَبَتَّر لَحْمهُ انْمارَ وبَتَرَ رَحِمَهُ يَبْتُرُها بَتْراً قطعها والأُباتِرُ بالضم الذي يَبْتُرُ رحمه ويقطعها قال أَبو الرئيس المازني واسمه عبادة بن طَهْفَةَ يهجو أَبا حصن السلمي لَئِيمٌ نَزَتْ في أَنْفِهِ خُنْزُ وانَهٌ على قَطْعِ ذي القُرْبى أَحَذُّ أُباتِرُ قل ابن بري كذا أَورده الجوهري والمشهور في شعره شديدُ وِكاءٍ البَطْنِ ضَبُّ ضَغِينَةٍ وسنذكره هنا وقيل الأُباتِرُ القصير كأَنه بُتِرَ عن التمام وقيل الأُباتِرُ الذي لا نَسْلَ لَه وقوله أَنشده ابن الأَعرابي شديدُ وِكاءٍ البَطْنِ ضَبُّ ضَغِينَةٍ على قَطْعِ ذي القُرْبى أَحَذُّ أُباتِرُ قال أُباتِرُ يُسْرِعُ في بَتْرِ ما بينه وبين صديقه وأَبْتَرَ الرجلُ إِذا أَعْطَى ومَنَعَ والحُجَّةُ البَتْراءُ النافذة عن ثعلب والبُتَيْراءُ الشمسُ وفي حديث علي كرّم الله وجهه وسئل عن صلاة الأَضْحى أَو الضُّحى فقال حين تَبْهَرُ البُتَيْراءُ الأَرضَ أَراد حين تنبسط الشمس على وجه الأَرض وترتفع وأَبْتَرَ الرجلُ صلى الضحى وهو من ذلك وفي التهذيب أَبْتَرَ الرجلُ إِذا صلى الضحى حين تُقَضِّبُ الشمسُ وتُقَضِّبُ الشمس أَي تُخرجُ شعاعَها كالْقُضْبان ابن الأَعرابي البُتَيْرَةُ تصغير البَتْرَةِ وهي الأَتانُ والبُتْرِيَّةُ فِرْقَةٌ من الزَّيدية نسبوا إِلى المغيرة بن سعد ولقبه الأَبْتَرُ والبُتْرُ والبَتْراءُ والأُباتِرُ مواضع قال القتال الكلابي عَفَا النَّبْتُ بعدي فالعَرِيشَانِ فالبُتْرُ وقال الراعي تَرَكْنَ رِجالَ العُنْظُوانِ تَنُوبُهُمْ ضِباعٌ خِفافٌ مِنْ وراءِ الأُباتِر
الفصل الثالث
الدلالات البلاغية
المطلب الأول
المناسبات في سورة الكوثر
المناسبة:هي في اللغة المقاربة والمشاكلة. يقال : فلان يناسب فلاناً ، أي يقاربه ويشاكله. ومنه النسيب الذي هو القريب المتصل بغيره ، كالأخ وابن العم.
واصطلاحاً : هي علم تعرف منه علل ترتيب أجزاء القرآن .
وقال البقاعي في نظم الدرر: «وهو سر البلاغة ؛ لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال ، وتتوقف الإجازة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها ، ويفيد ذلك في معرفة المقصود من جميع جملها ، فلذلك كان هذا العلم في غاية النفاسة ، وكانت نسبته من علم التفسير كنسبة علم البيان من النحو».
وسأشرع ببيان المناسبات والروابط بين السورة وماقبلها ومابعدها وبين ألفاظ السورة
وابين ان السور القرآنية كالجسد الواحد لاختلاف بينها بل ان وحداتها وان صغرت فهي مرتبطة مع اختها برباط نوراني مما يشير الى اعجاز هذا الكتاب بتناسقة الجميل
لما ذكر الله عزوجل النموج السيء الذي لايحسن معاملة الخالق ( أرئيت الذي يكذب بالدين ) ولا يحسن معاملة المخلوق ( فذلك الذي يدع اليتيم )
قابله بذكر النموذج الانساني العظيم الذي يحسن معاملة الخالق ( فصل لربك ) ويحسن معاملة المخلوق (وانحر أي لربك ) وهذه مناسبة عظيمة بين السورتين .!
وقد ذكر النموذج الانساني الذي لايحسن معاملة المخلوق (فذلك الذي يدع اليتيم ) واي مخلوق انه الفاقد للرعاية المحتاج للرحمة وقد رمز باليتيم لكل مخلوق ضعيف وهذا لبتعبير في قمة الفصاحة والبيان وبالمقابل ذكر النموذج الانساني الذي يحمل قلبا يسع البشرية رحمة النموذج الذي يحسن معاملة الممخلوق ورمز له ب (انحر ) فجمع بين الصدقة والرحمة في آن واحد . وقد قسمته الى مباحث
المطلب الثاني
الرابط بين سورة الماعون وسورة الكوثر
وقد ذكر ألبقاعي لمناسبات بين السورتين فقال (لما كانت سورة الدين بإفصاحها ناهية عن مساوىء الأخلاق، كانت بإفهامها داعية إلى معالي الشيم، فجاءت الكوثر لذلك، وكانت الدين قد ختمت بأبخل البخلاء وأدنى الخلائق: المنع تنفيراً من البخل ومما جره من التكذيب، فابتدئت الكوثر بأجود الجود. العطاء لأشرف الخلائق ترغيباً فيه وندباً إليه، فكان كأنه قيل: أنت يا خير الخلق غير متلبس بشيء مما نهت عنه تلك المختتمة بمنع الماعون: { إنا } بما لنا من العظمة وأكد لأجل تكذيبهم: { أعطيناك } أي خولناك مع التمكين العظيم، ولم يقل: آتيناك، لأن الإيتاء أصله الإحضار وإن اشتهر في معنى الإعطاء { الكوثر } الذي هو من جملة الجود على المصدقين بيوم الدين.
ولما كان كثير الرئيس أكثر من كثير غيره، فكيف بالملك فكيف بملك الملوك، فكيف إذا أخرجه في صيغة مبالغة فكيف إذا كان في مظهر العظمه، فكيف إذا بنيت الصيغة على الواو الذي له العلو والغلبة(يعني بذلك ان حرف الواو في لفظة الكوثر ارفع مقاما من الياء في لفظة كثير ) فكيف إذا أتت إثر الفتحة التي لها من ذلك مثل ذلك بل أعظم(يقصد ان الضمة اعلى من الفتحة والفتحة اعلى من الكسرة فالعرب تعطي الشريف للشريف وهذا من اعجب مناسبات الحركات للحروف في سورة الكوثر )، كان المعنى: أفضنا عليك وأبحناك من كل شيء من الأعيان والمعاني من العلم والعمل وغيرهما من معادن الدارين ومعاونهما الخير الذي لا غاية له، فلا يدخل تحت الوصف، فأغنيناك عن أن تؤثر بذلك أو توفر مالك بجلب نفع أو دفع ضر، ومنه النهر الذي في الجنة ويسقي المؤمنين من الحوض الممدود منه في المحشر الذي مثاله في الدنيا شريعته صلى الله عليه وسلم التي عراها وأسبابها عدد النجوم الذين هم علماء أمته المقتدى بهم، فقد اجتمع لك الغبطتان: أشرف العطاء من أكرم المعطين وأعظمهم
وقال الرازي المفسر
أن هذه السورة كالمقابلة للسورة المتقدمة ، وذلك لأن في السورة المتقدمة وصف الله تعالى المنافق بأمور أربعة : أولها : البخل وهو المراد من قوله : { يَدُعُّ اليتيم وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين } [ الماعون : 2 ، 3 ] الثاني : ترك الصلاة وهو المراد من قوله : { الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ } [ الماعون : 5 ] والثالث : المراءاة في الصلاة هو المراد من قوله : { الذين هُمْ يُرَاءونَ } [ الماعون : 6 ] والرابع : المنع من الزكاة وهو المراد من قوله : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } [ الماعون : 7 ] فذكر في هذه السورة في مقابلة تلك الصفات الأربع صفات أربعة ، فذكر في مقابلة البخل قوله : { إِنَّا أعطيناك الكوثر } أي إنا أعطيناك الكثير ، فأعط أنت الكثير ولا تبخل ، وذكر في مقابلة : { الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ } قوله : { فَصَلِّ } أي دم على الصلاة ، وذكر في مقابلة : { الذين هُمْ يُرَاءونَ } قوله : { لِرَبّكِ } أي ائت بالصلاة لرضا ربك ، لا لمراءاة الناس ، وذكر في مقابلة : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } قوله : { وانحر } وأراد به التصدق بلحم الأضاحي ، فاعتبر هذه المناسبة العجيبة ، ثم ختم السورة بقوله : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر } أي المنافق الذي يأتي بتلك الأفعال القبيحة المذكورة في تلك السورة سيموت ولا يبقى من دناه أثر ولا خبر ، وأما أنت فيبقى لك في الدنيا الذكر الجميل ، وفي الآخرة الثواب الجزيل .
وقال : إنه سبحانه وتعالى لما شرفه في هذه السور(اى سورة الماعون) من هذه الوجوه العظيمة ، قال بعدها : { إِنَّا أعطيناك الكوثر } أي إنا أعطيناك هذه المناقب المتكاثرة المذكورة في السوره المتقدمة التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها ، فاشتغل أنت بعبادة هذا الرب ، وبإرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم ، أما عبادة الرب فإما بالنفس ، وهو قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ } وإما بالمال ، وهو قوله : { وانحر } وأما إرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم في دينهم ودنياهم ،
المطلب الثالث
الروابط بين كلمات السورة
بعد ان اعطاه الكوثر امره بالشكر وافضل الشكر الصلاة لله عزوجل وبعد ان امره بالصلاة وهي رمز العبادات البدنية ثنى بعبادة مالية وهي النحر وبعد ان تمت عبادته اخبره بنهاية مبغضيه النهاية الشنيعة الا وهي البتر .
قال الالوسي قال تعالى :{ فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر } لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إعطاءه تعالى إياه عليه الصلاة والسلام ما ذكر من العطية التي لم يعطها أحداً من العالمين مستوجب للمأمور به أي استيجاب أي فدم على الصلاة لربك الذي أفاض عليك ما أفاض من الخير خالصاً لوجهه عز وجل خلاف الساهين عنها المرائين فيها أداه لحق شكره تعالى على ذلك فإن الصلاة جامعة لجميع أقسام الشك.
وقد ذكر ابن عاشور في تفسيره:
مناسبة لطيفة فقال: (وناسب أن يكون الشكر بالازدياد مما عاداه عليه المشركون وغيرهم ممن قالوا مقالتهم الشنعاء: إنه أبتر، فإن الصلاة لله شكر له وإغاظة للذين ينهونه عن الصلاة كما قال تعالى:
{ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى }العلق / 9 ، 10
لأنهم إنما نهَوْه عن الصلاة التي هي لوجه الله دون العبادة لأصنامهم وكذلك النحر لله. 1
انَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
استئناف يجوز أن يكون استئنافاً ابتدائياً . ويجوز أن تكون الجملة تعليلاً لحرف { إنّ } إذا لم يكن لرد الإِنكار يكثر أن يفيد التعليل كما تقدم عند قوله تعالى : { قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } في سورة البقرة ( 32 ) .
واشتمال الكلام على صيغة قصر وعلى ضمير غائب وعلى لفظ الأبتر مؤذن بأن المقصود به ردُّ كلام صادر من معيَّن ، وحكايةُ لفظٍ مرادٍ بالرد
المطلب الرابع
الرابط بين سورة الكوثر وسورة الكافرون
قال الرازي في تفسيره
وأما أنها كالأصل لما بعدها، فهو أنه تعالى يأمره بعد هذه السورة بأن يكفر جميع أهل الدنيا بقوله: { قُلْ يأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } ومعلوم أن عسف الناس على مذاهبهم وأديانهم أشد من عسفهم على أرواحهم وأموالهم، وذلك أنهم يبذلون أموالهم وأرواحهم في نصرة أديانهم، فلا جرم كان الطعن في مذاهب الناس يثير من العداوة والغضب مالا يثير سائر المطاعن، فلما أمره بأن يكفر جميع أهل الدنيا، ويبطل أديانهم لزم أن يصير جميع أهل الدنيا في غاية العداوة له، وذلك مما يحترف عنه كل أحد من الخلق فلا يكاد يقدم عليه، وانظر إلى موسى عليه السلام كيف كان يخاف من فرعون وعسكره. وأما ههنا فإن محمداً عليه السلام لما كان مبعوثاً إلى جميع أهل الدنيا، كان كل واحد من الخلق، كفرعون بالنسبة إليه، فدبر تعالى في إزالة هذا الخوف الشديد تدبيراً لطيفاً، وهو أنه قدم على تلك السورة هذه السورة فإن قوله: { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } يزيل عنه ذلك الخوف من وجوه أحدها: أن قوله: { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } أي الخير الكثير في الدنيا والدين، فيكون ذلك وعداً من الله إياه بالنصرة والحفظ، وهو كقوله: { يا أيها النبي حسبك الله }
[الأنفال:64]وقوله: { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ }[المائدة:67]وقوله: { إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ)لتوبة:4] ومن كان الله تعالى ضامناً لحفظه، فإنه لا يخشى أحداً وثانيها: أنه تعالى لما قال: { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } وهذا اللفظ يتناول خيرات الدنيا وخيرات الآخرة، وأن خيرات الدنيا ما كانت واصلة إليه حين كان بمكة، والخلف في كلام الله تعالى محال، فوجب في حكمة الله تعالى إبقاؤه في دار الدنيا إلى حيث يصل إليه تلك الخيرات، فكان ذلك كالبشارة له والوعد بأنهم لا يقتلونه، ولا يقهرونه، ولا يصل إليه مكرهم بل يصير أمره كل يوم في الازدياد والقوة
المطلب الخامس
براعة اسنهلال سورة الكوثر
البراعة لغة : كمال الفضل والاستهلال لغة: الابتداء، كما فى اللسان
واصطلاحا: ضرب من ضروب الصنعة التى يقدمها أمراء البيان، ونقاد الشعر، وجهابذة الألفاظ، بأن يبدأ المتكلم بمعنى ما يريد تكميله، وإن وقع فى أثناء الكلام
وقد ذكر ابن المعتز فنَّا فى محاسن الكلام سماه (حسُن الابتداءات) ، وأراد بهذه التسمية ابتداءات القصائد، إذ ينبغى للشاعر إذا ابتدأ قصيدة ابتدأها بما يدل على غرضه فيها
وكذلك ينبغى للخطيب إذا ارتجل خطبة، والبليغ إذا افتتح رسالة، أن يكون ابتداء كلامه دالاَّ على انتهائه، فالابتداء أول ما يقرع السمع، فإن كان عذبًا، حسن التركيب، صحيح المعنى، أقبل السامع على الكلام فوَعَاه، وإلا أعْرَض عنه، وإن كان الباقى فى غاية الحسن
وتعَدُّ براعة الاستهلال فرعًا فرَّعه المتأخرون مما يسمى" حسن الابتداءات "، فيرى السيوطى أن براعة الاستهلال أخصُّ من حُسُن الابتداء، لأن البراعة لابد فيها من الإشارة إلى ما سيق الكلام لأجله، بخلاف حُسن الابتداء فلا يشترط فيه ذلك . غيرأن الخطيب القزوينى لا يرى فرقا بين حسن الابتداء وبراعة الاستهلال، فكلاهما شيء واحد، وبأيهما سميت كنت مصيبًا، فأحسن الابتداءات ما ناسب المقصود، ويسمى براعة الاستهلال
وبداية سورة الكوثر من ابرع البدايات واجملها حيث ناسب الاستهلال موضوع السورة وهو العطاء واخص العطاء (الكوثر ) ومما زاد في حسن البدء انها أكدت القضية كلها بثلاث مؤكدات : (إن) و(ضمير الفصل) و(استعمال الجملة الاسمية) وهي تعطي حكماً مطلقاً لا يقيده زمان من أزمنة الجملة الفعلية .
المطلب السادس
البيان والبديع في السورة
1- صيغة الجمع الدالة على التعظيم [ إنا أعطيناك ] ولم يقل : أنا أعطيتك.
2- تصدير الجملة بحرف التأكيد الجاري مجرى القسم [إنا] أي نحن.
3- صيغة الماضي المفيدة للوقوع [ أعطيناك ] ولم يقل سنعطيك لأن الوعد لما كان محققا عبر عنه بالماضي مبالغة ، كأنه حدث ووقع.
4-المبالغة في لفظة الكوثر.
5- الإضافة للتكريم والتشريف [ فصل لربك ] .
6- إفادة الحصر [ إن شانئك هو الأبتر ] .
7- المطابقة بين أول السورة وآخرها بين [ الكوثر والأبتر ] فالكوثر الخير الكثير، والأبتر المنقطع عن كل خير.
8 - الطباق:عرض له السهيلي عند قوله تعالى: ) إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر ( (الكوثر: 1-3)، فقال مبينا لفائدة الطباق: "قوبل تعييره للنبي صلى الله عليه وسلم بالبتر بما هو ضده من الكوثر، فإن الكثرة تضاد معنى القلة، ولو قال في جواب اللعين: إنا أعطيناك الحوض الذي من صفته كذا وكذا، لم يكن ردا عليه ولا مشاكلا لجوابه، ولكن جاء باسم يتضمن الخير الكثير، والعدد الجم الغفير المضاد لمعنى البتر، وأن ذلك في الدنيا والآخرة بسبب الحوض المورود الذي أعطاه، فلا يختص لفظ الكوثر بالحوض، بل يجمع هذا المعنى كله، ويشتمل عليه، ولذلك كانت آنيته كعدد النجوم، ويقال هذه الصفة في الدنيا: علماء الأمة من أصحابه ومن بعدهم"([170]). ويلاحظ هنا استخدم تعبير قوبل الذي يدل على التضاد، دون أن يذكر مصطلح الطباق ..
9- قال الرازي في تفسيره: أنه بنى الفعل على المبتدأ، وذلك يفيد التأكيد والدليل عليه أنك لما ذكرت الاسم المحدث عنه عرف العقل أنه يخبر عنه بأمر فيصبر مشتاقاً إلى معرفة أنه بماذا يخبر عنه، فإذا ذكر ذلك الخبر قبله قبول العاشق لمعشوقه، فيكون ذلك أبلغ في التحقيق ونفى الشبهة ومن ههنا تعرف الفخامة في قوله: { فَإِنَّهَا لاَ تعمى ٱلاْبْصَـٰرِ }
[الحج:46] فإنه أكثر فخامة مما لو قال: فإن الأبصار لا تعمى، ومما يحقق قولنا قول الملك العظيم لمن يعده ويضمن له: أنا أعطيك، أنا أكفيك، أنا أقوم بأمرك. وذلك إذا كان الموعود به أمراً عظيماً.فلما تقع المسامحة به فعظمه يورث الشك في الوفاء به، فإذا أسند إلى المتكفل العظيم، فحينئذ يزول ذلك الشك، وهذه الآية من هذا الباب لأن الكوثر شيء عظيم، قلما تقع المسامحة به. فلما قدم المبتدأ، وهو قوله: { إنا } صار ذلك الإسناد مزيلاً لذلك الشك ودافعاً لتلك الشبهة.
قال: { أَعْطَيْنَـٰكَ } ولم يقل: سنعطيك لأن قوله: { أَعْطَيْنَـٰكَ } يدل على أن هذا الإعطاء كان حاصلاً في الماضي، وهذا فيه أنواع من الفوائد إحداها: أن من كان في الزمان الماضي أبداً عزيزاً مرعي الجانب مقضي الحاجة أشرف ممن سيصير كذلك، وثانيها: أنها إشارة إلى أن حكم الله بالإسعاد والإشقاء والإغناء والإفقار، ليس أمراً يحدث الآن، بل كان حاصلاً في الأزل وثالثها: كأنه يقول: إنا قد هيأنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك واشتغالك بالعبودية! ورابعها: كأنه تعالى يقول: نحن ما اخترناك وما فضلناك، لأجل طاعتك، وإلا كان يجب أن لا نعطيك إلا بعد إقدامك على الطاعة، بل إنما اخترناك بمجرد الفضل والإحسان منا إليك من غير موجب، لعلة "
قال: { أَعْطَيْنَـٰكَ } ولم يقل أعطينا الرسول أو النبي أو العالم أو المطيع، لأنه لو قال ذلك لأشعر أن تلك العطية وقعت معللة بذلك الوصف، فلما قال: { أَعْطَيْنَـٰكَ } علم أن تلك العطية غير معللة بعلة أصلاً بل هي محض الاختيار والمشيئة، كما قال: { نَحْنُ قَسَمْنَا }[الزخرف:32]
{ ٱللَّهِ يَصْطَفِى مِنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ }[الحج:75]:
قال: { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ } ثم قال ثانياً: { فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ } وهذا يدل على أن إعطاؤه للتوفيق والإرشاد سابق على طاعاتنا، وكيف لا يكون كذلك وإعطاؤه إيانا صفته وطاعتنا له صفتنا، وصفة الخلق لا تكون مؤثرة في صفة الخالق إنما المؤثر هو صفة الخالق في صفة الخلق، ولهذا نقل عن الواسطي أنه قال: لا أعبد رباً يرضيه طاعتي ويسخطه معصيتي. ومعناه أن رضاه وسخطه قديمان وطاعتي ومعصيتي محدثتان والمحدث لا أثر له في قديم، بل رضاه عن العبد هو الذي حمله على طاعته فيما لا يزال، وكذا القول في السخط والمعصية.
قال الآلوسي في تفسيره :
وفي إسناد الإعطاء إليه دون الإيتاء إشارة إلى أن ذلك إيتاء على جهة التمليك فإن الإعطاء دونه كثيراً ما يستعمل في ذلك ومنه قوله تعالى لسليمان عليه السلام : { هذا عَطَاؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ } [ ص : 39 ] بعد قوله { هَبْ لِى * مَلَكًا } [ ص : 35 ] وقيل فيه إشارة إلى أن المعطي وإن كان كثيراً في نفسه قليل بالنسبة إلى شأنه عليه الصلاة والسلام بناء على أن الإيتاء لا يستعمل إلا في الشيء العظيم كقوله تعالى : { وآتاه الله الملك } [ البقرة : 251 ] { ولقد آتينا داود منا فضلاً } [ سبأ : 10 ] { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } [ الحجر : 87 ] والإعطاء يستعمل في القليل والكثير كما قال تعالى { أعطي قليلاً وأكدي } [ النجم : 34 ] ففيه من تعظيمه عليه الصلاة والسلام ما فيه وقيل التعبير بذلك لأنه بالتفضل أشبه بخلاف الايتاء فإنه قد يكون واجباً ففيه إشارة إلى الدوام والتزايد أبداً لأن التفضل نتيجة كرم الله تعالى الغير المتناهي وفي جعل المفعول الأول ضمير المخاطب دون الرسول أو نحوه إشعار بأن الإعطاء غير معلل هو من محض الاختيار والمشيئة وفيه أيضاً من تعظيمه عليه الصلاة والسلام بالخطاب ما لا يخفى وجوز أن يكون في إسناد الإعطاء إلى ن إشارة إلى أنه مما سعى فيه الملائكة والأنبياء المتقدمون عليهم السلام وفي التعبير بالماضي قيل إشارة إلى تحقق الوقوع وقيل إشارة إلى تعظيم الإعطاء وأنه أمر مرعى لم يترك إلى أن يفعل بعدو قيل إشارة إلى بشارة أخرى كأنه قيل إنا هيؤنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك واشتغالك بالعبودية وقيل إشارة إلى أن حكم الله تعالى بالإغناء والإفقار والإسعاد والإشقاء ليس أمراً محدثاً بل هو حاصل في الأزل . وبنى الفعل على المبتدأ للتأكيد والتقوى وجوز أن يكون للتخصيص على بعض الأقوال السابقة في الكوثر وفي تأكيد الجملة بأن ما لا يخفى من الاعتناء بشأن الخبر وقيل لرد استبعاد السامع الإعطاء لما أنه لم يعلل والمعطى في غاية الكثرة وجوز أن يكون لرد الانكار على بعض الأقوال في الكوثر أيضاً
واعتبار الخلوص في { فَصْلٌ } الخ كما أشرنا إليه لدلالة السياق عليه وقيل لدلالة لأم الاختصاص وفي الالتفات عن ضمير العظمة إلى خصوص الرب مضافاً إلى ضميره عليه الصلاة والسلام تأكيد لترغيبه صلى الله عليه وسلم في أداء ما أمر به على الوجه الأكمل .
وَفِي قَوْلِهِ : { إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ }
{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } إشَارَةٌ إلَى أَنَّك لَا تَتَأَسَّفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ " طَه " " وَالْحِجْرِ " وَغَيْرِهِمَا وَفِيهَا الْإِشَارَةُ إلَى تَرْكِ الِالْتِفَات إلَى النَّاسِ وَمَا يَنَالُك مِنْهُمْ بَلْ صَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ . وَفِيهَا التَّعْرِيضُ بِحَالِ الْأَبْتَرِ الشَّانِئِ الَّذِي صَلَاتُهُ وَنُسُكُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ . وَفِي قَوْلِهِ : { إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } أَنْوَاعٌ مِنْ التَّأْكِيدِ : أَحَدُهَا تَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِإِنَّ . الثَّانِي : الْإِتْيَانُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ الدَّالِّ عَلَى قُوَّةِ الْإِسْنَادِ وَالِاخْتِصَاصِ . الثَّالِثُ : مَجِيءُ الْخَبَرِ عَلَى أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ . دُونَ اسْمِ الْمَفْعُولِ . الرَّابِعُ : تَعْرِيفُهُ بِاللَّامِ الدَّالَّةِ عَلَى حُصُولِ هَذَا الْمَوْصُوفِ لَهُ بِتَمَامِهِ . وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ
المطلب السابع
الاخبار عن الغيوب في السورة
فهذه سورة " الكوثر " ثلاث آيات قصار، وهي أقصر سورة في القرآن، وقد تضمنت الإخبار عن مغيبين: أحدهما - الإخبار عن الكوثر وعظمه وسعته وكثرة أوانيه، وذلك يدل على أن المصدقين به أكثر من أتباع سائر الرسل.
والثاني - الإخبار عن الوليد بن المغيرة، وقد كان عند نزول الآية ذا مال وولد، على ما يقتضيه قوله الحق: " ذرني ومن خلقت وحيدا.
وجعلت له مالا ممدودا.
وبنين شهودا.
ومهدت له تمهيدا (1) " ثم أهلك الله - سبحان - ماله وولده، وانقطع نسله.
قلت وفيها الاخبار عن قيام الدولة الاسلامية حيث ان النحر مختص بالإبل والذبح مختص بالبقر والنبي صلى الله عليه وسلم نحر مئة ناقة وهذه تكفي لاطعام مئة ألف جندي وهذا العدد يكفي لقيام دولة في ذلك الزمان.
الفصل الثاني
اقوال اهل التفسير في بيان معنى (الكوثر)
من تتبعي لاهل التفسير تبين انهم متفقون على ان الكوثر هو نهر في الجنة لورود ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم (عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظْهُرِنا إذ أغفى إغفاءةً ثم رفع رأسه مبتسمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفا سورةٌ، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم : "إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر"، ثم قال: "أتدرون ما الكوثَرُ"؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه نهر وَعَدَنِيهِ ربي عز وجل عليه خيرٌ كثيرٌ هو حوض تَرِدُ عليه أمتي يومَ القيامة، آنِيَتُه عددُ النُّجومِ فَيُخْتَلَجُ العبدُ منهم فأقول: ربِّ إنه مني، فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك .
ولكنهم مختلفون في تحديد المراد بالكوثر وهذا الاختلاف يبين لنا ان الكلمة القرآنية في موضعها كتاب يحتوي على كتب كثيرة ومن هذا اقرر فاقول ان الكلمة خارج النص القرآني لاتحمل الا معنى ضيق ولكن ما ان تدخل النص حتى تبدأ بالتسنبل والتكاثر مع دورة الزمن , فالكلمة القرآنية معجزة في موضعها سواء كانت الكلمة حرفا ام فعلا ام اسما .
وهذه جولة سريعة في بعض التفاسير تبين ماذهبت له .
الطبري المفسر :
قول تعالى ذكره إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ) يا محمد( الْكَوْثَرَ) واختلف أهل التأويل في معنى الكوثر، فقال بعضهم: هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقد نقل ذلك عن ابن عمر وا
في اقصر سورة من القرآن
إعداد الطالب
جميل صالح حسن الدليمي
المادة : إعجاز القرآن
الفصل الاول
الدلالات النحوية لسورة الكوثر
المطلب الاول
دلالة لفظة العطاء
العَطاء : اسمٌ لما يُعْطَىِ وإذا سمّيت الشَّيء بالعطاء من الذّهب والفضّة قلت : أَعْطِيَة وأَعْطِيات : جمع الجمع
والعَطْوُ : التّناوُلُ باليدِ
قَالَ امرؤ القيس :
وتَعْطو برَخْصٍ غير شَثْنٍ كأنَّه ... أساريعُ ظَبْيٍ أو مَساويكُ إسْحِلِ
ُ العاطي : الرافع يديه إلى الشّجرة ليتناول من الورق
قَالَ
تحكُّ بقَرنَيْها بريرَ أراكةٍ ... وتَعْطُو بظلْفَيها إذا الغُصْنُ طالَها )
يُقَالُ : ظبيٌ عاطٍ وعَطُوٌّ وجَدْيٌ عطوٌّ ومنه اشتُقّ الإعطاءُ
والمُعاطاةُ : المُناوَلَةُ
عاطى الصبيُّ أهلَه إذا عمِلَ لهم وناولَ ما أرادوا
والتَّعاطي : تناولُ ما لا يحقّ
تعاطَى فلان : ظلمكِ قَالَ الله عزّ وجلّ : ( فتعاطَى فَعَقَرَ ) قالوا : قام الشّقيّ على أطرافِ أصابع رجلَيْهِ ثمّ رفع يدَيْه فضربَها فَعَقَرَهاِ .
والإيتاء حقيقته الدفع والإعطاء الحسي ، ويطلق على تخصيص الشيء بالشيء وجعله حقّاً له ، مثل إطلاق الإعطاء في قوله تعالى : { إنا أعطيناك الكوثر } [ الكوثر : 1 ] وفي الحديث : « رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هَلَكَتِه في الحقّ ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها » .
المطلب الثاني
دلالة لفظة الكوثر
والكَوْثَر الكثير من كل شيء والكَوْثَر الكثير الملتف من الغبار إِذا سطع وكَثُرَ هُذَليةٌ قال أُمَيَّةُ يصف حماراً وعانته يُحامي الحَقِيقَ إِذا ما احْتَدَمْن وحَمْحَمْنَ في كَوْثَرٍ كالجَلالْ أَراد في غُبار كأَنه جَلالُ السفينة وقد تَكَوْثَر الغُبار إِذا كثر قال حَسّان بن نُشْبَة أَبَوْا أَن يُبِيحوا جارَهُمْ لعَدُوِّهِمْ وقد ثارَ نَقْعُ المَوْتِ حتى تَكَوْثَرا وقد تَكَوْثَرَ ورجل كَوْثَرٌ كثير العطاء والخير والكَوْثَرُ السيد الكثير لخير قال الكميت وأَنتَ كَثِيرٌ يا ابنَ مَرْوانَ طَيِّبٌ وكان أَبوك ابنُ العقائِل كَوْثَرا وقال لبيد وعِنْدَ الرِّداعِ بيتُ آخرَكَوْثَرُ والكَوْثَرُ النهر عن كراع والكوثر نهر في الجنة يتشعب منه جميع أَنهارها وهو للنبي صلى الله عليه وسلم خاصة وفي حديث مجاهد أُعطِيتُ الكَوْثَر وهو نهر في الجنة وهو فَوْعَل من الكثرة والواو زائدة ومعناه الخير الكثير وجاء في التفسير أَن الكوثر القرآن والنبوّة وفي التنزيل العزيز إِنا أَعطيناك الكوثر قيل الكوثر ههنا الخير الكثير الذي يعطيه الله أُمته يوم القيامة وكله راجع إِلى معنى الكثرة وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أَن الكوثر نهر في الجنة أَشد بياضاً من اللبن وأَحلى من العسل في حافَتَيه قِبابُ الدُّرِّ المُجَوَّفِ وجاء أَيضاً في التفسير أَن الكوثر الإِسلام والنبوّة وجميع ما جاء في تفسير الكوثر قد أُعطيه النبي صلى الله عليه وسلم أُعطي النبوّة وإِظهار الدين الذي بعث به على كل دين والنصر على أَعدائه والشفاعة لأُمته وما لا يحصى من الخير وقد أُعطي من الجنة على قدر فضله على أَهل الجنة صلى الله عليه وسلم وقال أَبو عبيدة قال عبد الكريم أَبو أُمية قَدِمَ فلانٌ بكَوْثَرٍ كَثير وهو فوعل من الكثرة أَبو تراب الكَيْثَرُ بمعنى الكَثِير وأَنشد هَلِ العِزُّ إِلا اللُّهى والثَّرَا ءُ والعَدَدُ الكَيْثَرُ الأَعْظَمُ ؟ فالكَيْثَرُ والكَوْثَرُ واحد والكَثْرُ والكَثَرُ بفتحتين جُمَّار النخل أَنصارية وهو شحمه الذي في وسط النخلة في كلام الأَنصار وهو الجَذَبُ أَيضاً ويقال الكَثْرُ طلع النخل ومنه الحديث لا قَطْعَ في ثَمَرٍ ولا كَثَرٍ وقيل الكَثَرُ الجُمَّارُ عامَّةً واحدته كَثَرَةٌ وقد أَكثر النخل
المطلب الثالث
دلالة لفظة النحر
وهو المَنْحَر مدكر لا غير صرح اللحياني بذلك وجمعه نُحور لا يُكَسَّر على غير ذلك ونَحَره ينْحَره نَحْراً أَصاب نَحْرَه ونَحَر البعيرَ ينحَره نحراً طَعَنه في مَنْحَرِه حيث يبدو الحُلقوم من أَعلى الصدْر وجَمَلٌ نَحِير في جمال نَحْرى ونُحَراء ونَحائِرَ وناقة نَحِير ونَحِيرَة في أَنْيُق نَحْرى ونُحَرَاء ونَحائرَ ويومُ النَّحر عاشر ذي الحجة يومُ الأَضحى لأَن البُدْنَ تُنحر فيه والمنْحَر الموضع الذي يُنحر فيه الهدْي وغيره وتَناحَرَ القومُ على الشيء وانْتَحَرُوا تَشاحُّوا عليه فكاد بعضهم يَنْحَر بعضاً من شِدّة حِرْصِهم وتناحَرُوا في القِتال والنَّاحِرَانِ والنَّاحِرَتانِ عِرْقان في النحر وفي الصحاح الناحِران عِرْقانِ في صَدر الفَرَس المحكم والناحِرَتانِ ضِلعان من أَضلاع الزَّوْرِ وقيل هما الواهِنَتانِ وقال ابن الأَعرابي الناحِرَتان التَّرْقُوَتانِ من الناس والإِبِل وغيرهم غيرُه والجَوانِحُ ما رُفِع عليه الكَتِف من الدابة والبعير ومن الإِنسان الدَّأْيُ والدَّأْيُ ما كان من قِبَلِ الظهر وهي سِتٌّ ثلاثٌ من كل جانب وهي من الصدر الجوانح لِجُنُوحِها على القلب وقال الكتف على ثلاثة أَضلاع من جانب وستة أَضلاع من جانب وهذه الستة يقال لها الدَّأَياتُ أَبو زيد الجوانح أَدنى الضلوع من المنحر وفيهن الناحِرات وهي ثلاث من كل جانب ثم الدَّأَياتُ وهي ثلاث من كل شقٍّ ثم يبقى بعد ذلك ست من كل جانب متصلات بالشَّراسِيفِ لا يسمونها إِلا الأَضلاع ثم ضِلَع الخَلْفِ وهي أَواخر الضلوع ونَحْرُ النهار أَولُه وأَتيتُه في نَحْرِ النهار أَي أَوله وكذلك في نَحْرِ الظهيرة وفي حديث الهجرة أَتانا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ هو حين تبلغ الشمس مُنتهاها من الارتفاع كأَنها وصَلَتْ إِلى النحر وهو أَعلى الصدر وفي حديث الإِفْكِ حتى أَتينا الجيشَ في نَحْرِ الظهيرة وفي حديث وابِصَةَ أَتاني ابن مسعود في نَحْرِ الظهيرة فقلت أَيَّةُ ساعةِ زيادةٍ ونُحُورُ الشُّهور أَوائِلُها وكل ذلك على المَثَلِ والنَّحِيرَةُ أَوّل يوم من الشهر ويقال لآخر ليلة من الشهرِ نَحِيرَةٌ لأَنها تَنْحَرُ الهلال قال الكميت فَبادَرَ لَيْلَةَ لا مُقْمِرٍ نَحِيرَةَ شهرٍ لِشهرٍ سَِرَارَا أَراد ليلة لا رَجُلٍ مُقْمِرٍ والسِّرارُ مردودٌ على الليلة ونَحِيرَة فعيلة بمعنى فاعلة لأَنها تَنْحَر الهلال أَي تَسْتقبِله وقيل النَّحِيرَة آخر يوم من شهر لأَنه يَنْحَر الذي يَدخل بعده وقيل النَّحِيرة لأَنها تنحَر التي قبلها أَي تستقبلها في نحرها والجمع ناحِراتٌ ونَواحِرُ نادران قال الكميت يصف فعل الأَمطار بالديار والغَيْثُ بالمُتَأَلِّقا تِ من الأَهلَّة في النَّواحِرْ
( * قوله « والغيث إلخ » أورده الصحاح في مادة نحر بالواو بدل في فقال والنواحر )
وقال النَّحِيرة آخر ليلة من الشهر مع يومها لأَنها تَنْحَر الذي يدخل بعدها أَي تصير في نحره فهي ناحرة وقال ابن أَحمر الباهلي ثم اسْتمرّ عليه واكِفٌ هَمِعٌ في ليلة نَحَرَتْ شعبانَ أَو رجبا قال الأَزهري معناه أَنه يَستقبل أَوّل الشهر ويقال له ناحِرٌ وفي الحديث أَنه خرج وقد بَكَّروا بصلاة الضحى فقال نَحَرُوها نَحَرَهُمُ لله أي صَلَّوْها في أَول وقتها من نَحْرِ الشهر وهو أَوله قال ابن الأَثير وقوله نحرهم الله يحتمل أَن يكون دعاءً لهم أَي بكَّرهم الله بالخير كما بكَّروا بالصلاة في أَول وقتها ويحتمل أَن يكون دعاءً عليهم بالنَّحْرِ والذبح لأنهم غَيَّروا وقتها وقوله أَنشده ثعلب مرفوعةٌ مِثلُ نَوْءِ السِّمَا كِ وافَقَ غُرَّةَ شهرٍ نَحِيرا قال ابن سيده أَرى نَحِيراً فعيلاً بمعنى مفعول فهو هلى هذا صفة لِلْغُرَّة قال وقد يجوز أَن يكون النَّحِيرُ لغة في النَّحِيرة والدَّارَانِ تَتناحَرَانِ أَي تَتقابلانِ وإِذا استقبلتْ دَارٌ دَاراً قيل هذه تَنْحَرُ تلك وقال الفرّاء سمعت بعض العرب يقول منازلُهم تَناحَرُ هذا بِنَحْرِ هذا أَي قُبالَتِهِ قال وأَنشدني بعض بني أَسد أَبا حَكَمٍ هل أَنتَ عمُّ مُجالِدٍ وسيِّدُ أَهلِ الأَبْطَحِ المُتناحِرِ ؟ وفي الحديث حتى تُدْعَقَ الخيول في نَواحِرِ أَرضهم أَي مُقابِلاتِها يقال منازل بني فلان تَتَناحَرُ أَي تَتَقابَلُ وقول الشاعر أَوْرَدْتُهم وصُدورُ العِيسِ مُسْنَفَةٌ والصبحُ بالكَوكَبِ الدُّرِّيِّ مَنْحُورُ أَي مستقبَلٌ ونَحَرَ الرجلُ في الصلاة يَنْحَرُ انتصب ونَهَدَ صَدْرُه وقوله تعالى فصلِّ لربك وانحرْ قيل هو وضع اليمين على الشمال في الصلاة قال ابن سيده وأَراها لغة شرعية وقيل معناه وانْحَرِ البُدْن وقال طائفة أُمِرَ بنحر النُّسك بعد الصلاة وقيل أَمر بأَن ينتصِب بنَحْره بإِزاء القبلة وأَن لا يلتفتَ يميناً ولا شمالاً وقال الفراء معناه استقبل القبلة بِنَحْرِك ابن الأَعرابي النَّحْرَة انتصاب الرجلُ في الصلاة بإِزاء المحراب والنَّحْرُ والنِّحْريرُ الحاذق الماهر العاقل المجرِّب وقيل النِّحريرُ الرجل الطَّبِنُ الفطِن المُتْقِن البصِير في كل شيء وجمعه النَّحارِير وفي حديث حُذيفة وُكِّلَتِ الفِتنةُ بثلاثة بالحادِّ النحرير وهو الفطِن البصير بكل شيء والنَّحْرُ في اللَّبَّة مثلُ الذبح في الحلق ورجل مِنْحار وهو للمبالغة يوصف بالجود ومن كلام العرب إِنه لَمِنْحارٌ بَوائِكَها أَي يَنْحَرُ سِمانَ الإِبلِ ويقال للسحاب إِذا انْعَقَّ بماء كثير انْتَحَرَ انْتِحاراً وقال الراعي فمرّ على منازِلِها وأَلقى بها الأَثْقالَ وانْتَحر انْتِحارا وقال عديّ بن زيد يصف الغيث مَرِحٌ وَبْلُهُ يَسُحُّ سُيُوبَ ال ماءِ سَحّاً كأَنه مَنْحُورُ ودائرةُ الناحِرِ تكون في الجِرَانِ إِلى أَسفل من ذلك ويقال انْتَحر الرجلُ اي نَحَر نفسه وفي المثل سُرِقَ السارِقُ فانْتَحَر وبَرَقَ نَحْرُهُ اسم رجل وأَورد الجوهري في نخر بيتاً لغَيلان بن حُريث شاهداً على مُنْخورِه لغة في الأَنْفِ وهو من لَدُ لَحْيَيْه إِلى مُنْخُورِه قال ابن بري صواب إِنشاده كما أَنشده سيبويه إِلى مُنْحُورِهِ بالحاء والمُنْحُورُ النحر وصف الشاعر فرساً بطول العنق فجعله يستوعب من حبله مقدار باعين من لحييه.
قال الشنقيطي في اضواء البيان
فقيل : علم .
وقيل : وصف .
وعلى العلمية قالوا : إنه علم على نهر في الجنة ، وعلى الوصف قالوا : الخير الكثير .
المطلب الرابع
دلالة لفظة شنأ
الشَّناءة مثل الشَّناعةِ البُغْضُ شَنِئَ الشيءَ وشَنَأَه أَيضاً الأَخيرة عن ثعلب يَشْنَؤُهُ فيهما شَنْأً وشُنْأً وشِنْأً وشَنْأَةً ومَشْنَأً ومَشْنأَةً ومَشْنُؤَةً وشَنَآناً وشَنْآناً بالتحريك والتسكين أَبْغَضَه وقرئَ بهما قوله تعالى ولا يَجْرِمَنَّكم شَنآنُ قوم فمن سكَّن فقد يكون مصدراً كَلَيَّان ويكون صفة كَسَكْرانَ أَي مُبْغِضُ قوم قال الجوهري وهو شاذ في اللفظ لأَنه لم يجئْ شيءٌ من المصادر عليه ومن حرَّك فانما هو شاذ في المعنى لأَن فَعَلانَ إِنما هو من بِناءِ ما كان معناه الحركةَ والاضْطِرابَ كالضَّرَبانِ والخَفَقَانِ التهذيب الشَّنَآنُ مصدر على فَعَلان كالنَّزَوانِ والضَّرَبانِ وقرأَ عاصم شَنْآن بإِسكان النون وهذا يكون اسماً كأنه قال ولا يَجْرِمَنَّكم بَغِيضُ قوم قال أَبو بكر وقد أَنكر هذا رجل من أَهل البصرة يُعرف بأَبي حاتم السِّجِسْتانِي معه تَعدٍّ شديدٌ وإِقدام على الطعْن في السَّلف قال فحكيت ذلك لأَحمد بن يحيى فقال هذا من ضِيقِ عَطَنِه وقلة معرفته أَما سَمِعَ قولَ ذي الرُّمَّة
فأَقْسِمُ لا أَدْرِي أَجَوْلانُ عَبْرةٍ ... تَجُودُ بها العَيْنانِ أَحْرَى أَمِ الصَّبْرُ
قال قلت له هذا وإِن كان مصدراً ففيه الواو فقال قد قالت العرب وَشْكانَ ذا إِهالةً وحَقْناً فهذا مصدر وقد أَسكنه الشَّنانُ بغير همز مثل الشَّنَآنِ وأَنشد للأَ حوص
وما العيْشُ إِلاَّ ما تَلَذُّ وتَشْتَهي ... وإِنْ لامَ فيه ذُو الشَّنانِ وفَنَّدا
سلمة عن الفرّاءِ من قرأَ شَنَآنُ قوم فمعناهُ بُغْضُ قومٍ شَنِئْتُه شَنَآناً وشَنْآناً وقيل قوله شَنآنُ أَي بَغْضاؤُهم ومَن قَرأَ شَنْآنُ قَوْم فهو الاسم لا يَحْمِلَنَّكم بَغِيضُ قَوْم ورجل شَنائِيةٌ وشَنْآنُ والأُنثى شَنْآنَةٌ وشَنْأَى الليث رجل شَناءة وشَنائِيةٌ بوزن فَعالةٍ وفَعالِية مُبْغِضٌ سَيِّىءُ الخُلقُ وشُنِئَ الرجلُ فهو مَشْنُوءٌ إِذا كان مُبْغَضاً وإِن كان جميلاً ومَشْنَأٌ على مَفْعَل بالفتح قبيح الوجه أَو قبيح المَنْظَر الواحد والمثنى والجميع والمذكر والمؤنث في ذلك سواءٌ والمِشْناءُ بالكسر ممدود على مِثالِ مِفْعالٍ الذي يُبْغِضُه الناسُ عن أَبي عُبيد قال وليس بِحَسن لأَن المِشْناءَ صيغة فاعل وقوله الذي يُبْغِضُه الناسُ في قوَّة المفعول حتى كأَنه قال المِشْناءُ المُبْغَضُ وصيغة المفعول لا يُعَبَّر بها قوله « لا يعبر بها إلخ » كذا في النسخ ولعل المناسب لا يعبر عنها بصيغة الفاعل
عن صيغة الفاعل فأَمّا رَوْضةٌ مِحْلالٌ فمعناه أَنها تُحِلُّ الناسَ أَو تَحُلُّ بهم أَي تَجْعَلُهم يَحُلُّون وليست في معنى مَحْلُولةٍ قال ابن بري ذكر أَبو عبيد أَنَّ المَشْنَأَ مثل المَشْنَعِ القَبِيحُ المَنْظَر وإِن كان مُحَبَّباً والمِشْناءُ مثل المِشْناعِ الذي يُبْغِضُه الناسُ وقال علي بن حمزة المِشْناءُ بالمدّ الذي يُبْغِضُ الناسَ وفي حديث أُم معبد لا تَشْنَؤُه مِن طُولٍ قال ابن الأَثير كذا جاءَ في رواية أَي لا يُبْغَضُ لفَرْطِ طُولِهِ ويروى لا يُتَشَنَّى من طُول أُبْدل من الهمزة ياء وفي حديث علي كرَّم اللّه وجه ومُبْغِضٌ يَحْمِله شَنَآني على أَنْ يَبْهَتَني وتَشانَؤُوا أَي تَباغَضوا وفي التنزيل العزيز إنَّ شانِئَك هو الأَبْتر قال الفرَّاءُ قال اللّه تعالى لنبيه صلى اللّه عليه وسلم إِنَّ شانِئك أَي مُبْغِضَك وعَدُوَّكَ هو الأَبْتَر أَبو عمرو الشَّانِئُ المُبْغِضُ والشَّنْءُ والشِّنْءُ البِغْضَةُ وقالَ أَبو عبيدة في قوله ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنآن قوم يقال الشَّنَآن بتحريك النون والشَّنْآنُ بإِسكان النون البِغْضةُ قال أَبو الهيثم يقال شَنِئْتُ الرجلَ أَي أَبْغَضْته قال ولغة رديئة شَنَأْتُ بالفتح وقولهم لا أَبا لشانِئك ولا أَبٌ أَي لِمُبْغِضِكَ قال ابن السكيت هي كناية عن قولهم لا أَبا لك والشَّنُوءة على فَعُولة التَّقَزُّزُ من الشيءِ وهو التَّباعدُ من الأَدْناس ورجل فيه شَنُوءة وشُنُوءة أَي تَقَزُّزٌ فهو مرة صفة ومرة اسم وأَزدُ شَنُوءة قبيلة مِن اليَمن من ذلك النسبُ إليه شَنَئِيٌّ أَجْرَوْا فَعُولةَ مَجْرَى فَعِيلةَ لمشابهتها اياها من عِدّة أَوجه منها أَن كل واحد من فَعُولة وفَعِيلة ثلاثي ثم إِن ثالث كل واحد منهما حرف لين يجري مجرى صاحبه ومنها أَنَّ في كل واحد من فَعُولة وفَعِيلة تاءَ التأْنيث ومنها اصْطِحابُ فَعُول وفَعِيل على الموضع الواحد نحوأَثُوم وأَثِيم ورَحُوم ورَحِيم فلما استمرت حال فعولة وفعيلة هذا الاستمرار جَرَتْ واو شنوءة مَجرى ياءِ حَنِيفة فكما قالوا حَنَفِيٌّ قياساً قالوا شَنَئِيءٌّ قياساً قال أَبو الحسن الأَخفش فإِن قلت إنما جاءَ هذا في حرف واحد يعني شَنُوءة قال فإنه جميع ما جاءَ قال ابن جني وما أَلطفَ هذا القولَ من أَبي الحسن قال وتفسيره أَن الذي جاءَ في فَعُولة هو هذا الحرف والقياس قا بِلُه قال ولم يَأْتِ فيه شيءٌ يَنْقُضُه وقيل سُمُّوا بذلك لشَنَآنٍ كان بينهم وربما قالوا أَزْد شَنُوَّة بالتشديد غير مهموز ويُنسب إليها شَنَوِيٌّ وقال
نَحْنُ قُرَيْشٌ وهُمُ شَنُوَّهْ ... بِنا قُرَيْشاً خُتِمَ النُّبُوَّهْ
قال ابن السكيت أَزْدُ شَنُوءة بالهمز على فَعُولة ممدودة ولا يقال شَنُوَّة أَبو عبيد الرجلُ الشَّنُوءة الذي يَتَقَزَّزُ من الشيءِ قال وأَحْسَبُ أَنَّ أَزْدَ شَنُوءة سمي بهذا قال الليث وأَزْدُ شَنُوءة أَصح الأَزد أَصْلاً وفرعاً وأَنشد
فَما أَنْتُمُ بالأَزْدِ أَزْدِ شَنُوءة ... ولا مِنْ بَنِي كَعْبِ بنِ عَمْرو بن عامِرِ
أَبو عبيد شَنِئْتُ حَقَّك أَقْرَرْت به وأَخرَجْته من عندي وشَنِئَ له حَقَّه وبه أَعْطاه إِيَّاه وقال ثعلب شَنَأَ إِليه حَقَّه أَعطاه إيَّاه وتَبَرَّأَ منه وهو أَصَحُّ وأَما قول العجاج زَلَّ بَنُو العَوَّامِ عن آلِ الحَكَمْ ... وشَنِئوا المُلْكَ لِمُلْكٍ ذي قِدَمْ
فإنه يروى لِمُلْكٍ ولِمَلْكٍ فمن رواه لِمُلْكٍ فوجهه شَنِئوا أَي أَبْغَضُوا هذا المُلك لذلك المُلْكِ ومَنْ رواه لِمَلْكٍ فالأَجْودُ شَنَؤوا أَي تَبَرَّؤُوا به إِليه ومعنى الرجز أَي خرجوا من عندهم وقَدَمٌ مَنْزِلةٌ ورِفْعةٌ وقال الفرزدق ولَوْ كانَ في دَيْنٍ سِوَى ذا شَنِئْتُمُ ... لَنا حَقَّنا أَو غَصَّ بالماء شارِبُهْ
وشَنِئَ به أَي أَقَرَّ به وفي حديث عائشة عليكم بالمَشْنِيئةِ النافعةِ التَّلْبِينةِ تعني الحَساء وهي مفعولةٌ من شَنِئْتُ أَي أَبْغَضْتُ قال الرياشي سأَلت الأَصمعي عن المَشْنِيئةِ فقال البَغِيضةُ قال ابن الأَثير في قوله مَفْعُولةٌ من شَنِئْتُ إِذا أَبْغَضْتَ في الحديث قال وهذا البِناءُ شاذ قان أَصله مَشْنُوءٌ بالواو ولا يقال في مَقْرُوءٍ ومَوْطُوءٍ مَقرِيٌّ ومَوْطِيٌّ ووجهه أَنه لما خَفَّفَ الهمزة صارت ياءً فقال مَشْنِيٌّ كَمَرْضيٍّ فلما أَعادَ الهمزة اسْتَصْحَبَ الحالَ المُخَفَّفة وقولها التَّلْبينة هي تفسير المَشْنِيئةِ وجعلتها بَغِيضة لكراهتها وفي حديث كعب رضي اللّه عنه يُوشِكُ أَن يُرْفَعَ عنكم الطاعونُ ويَفِيضَ فيكم شَنَآنُ الشِّتاءِ قيل ما شَنآنُ الشِّتاءِ ؟ قال بَرْدُه اسْتعارَ الشَّنآنَ للبَرْد لأَنه يَفِيضُ في الشتاء وقيل أَراد بالبرد سُهولة الأَمر والرّاحَة لأَن العرب تَكْنِي بالبرد عن الرَّاحة والمعنى يُرْفَعُ عنكم الطاعونُ والشِّدَّةُ ويَكثر فيكم التَّباغُضُ والراحةُ والدَّعة وشَوانِئُ المال ما لا يُضَنُّ به عن ابن الأَعرابي من تذكرة أَبي علي قال وأَرى ذلك لأَنها شُنِئَت فجِيدَ بها فأَخْرجه مُخرَج النَّسب فجاءَ به على فاعل والشَّنَآنُ من شُعَرائهم وهو الشَّنَآنُ بن مالك
المطلب الخامس
دلالة لفظة الأبتر
البَتْرُ اسْتِئْصالُ الشيء قطعاً غيره البَتْرُ قَطْعُ الذَّنَبِ ونحوه إِذا استأْصله بَتَرْتُ الشيءَ بَتْراً قطعته قبل الإِتمام والانْبتارُ الانْقِطاعُ وفي حديث الضحايا أَنه نهي عن المبتورةِ وهي التي قطع ذنبها قال ابن سيده وقيل كُلُّ قطع بَتْرٌ بَتَرَهُ يَبْتُرُهُ بَتْراً فانْبَتَرَ وتَبَتَّر وسَيْفٌ باتِرٌ وبَتُورٌ وبَتَّارٌ قطَّاع والباتِرُ السيفُ القاطعُ والأَبْتَرُ المقطوعُ الذَّنَب من أَيّ موضع كان من جميع الدواب وقد أَبْتَرَهُ فَبَتَر وذَنَبٌ أَبْتَرُ وتقول منه بَتِرَ بالكسر يَبْتَرُ بَتَراً وفي الحديث أَنه نهى عن البُتَيْراءِ هو أَن يُوتِرَ بركعة واحدة وقيل هو الذي شرع في ركعتين فأَتم الأُولى وقطع الثانية وفي حديث سعد أَنه أَوْتَرَ بركعة فَأَنْكَرَ عليه ابْنُ مسعود وقال ما هذه البَتْراءُ ؟ وكل أَمر انقطع من الخير أَثَرُه فهو أَبْتَرُ والأَبْتَرانِ العَيْرُ والعَبْدُ سُميِّا أَبْتَرَيْنِ لقلة خيرهما وقد أَبْتَرَه اللهُ أَي صيره أَبتر وخطبةٌ بَتْراءُ إِذا لم يُذكر الله تعالى فيها ولا صُلّيَ على النبي صلى الله عليه وسلم وخطب زياد خطبته البَتْراءَ قيل لها البَتْراءُ لأَنه لم يحمد الله تعالى فيها ولم يصلِّ على النبي صلى الله عليه وسلم وفي الحديث كان لرسولُ الله صلى الله عليه وسلم دِرْعٌ يقال لهَا البَتْراءُ سميت بذلك لقصرها والأَبْتَرُ من الحيات الذي يقال له الشيطان قصير الذنب لا يراه أَحد إِلاَّ فرّ منه ولا تبصره حامل إِلاَّ أَسقطت وإِنما سمي بذلك لِقَصرِ ذَنَبه كأَنه بُتِرَ منه وفي الحديث كلُّ أَمْر ذي بال لا يُبدأُ فيه بحمد الله فهو أَبْتَرُ أَي أَقطع والبَتْرُ القطعُ والأَبْتَرُ من عَرُوض المُتَقَارَب الرابع من المثمَّن كقوله خَلِيليَّ عُوجَا على رَسْمِ دَارٍ خَلَتْ مِنْ سُلَيْمى ومِنْ مَيَّهْ والثاني من المُسَدَّس كقوله تَعَفَّفْ ولا تَبْتَئِسْ فما يُقْضَ يَأْتيكَا فقوله يَهْ من مَيَّهْ وقوله كامِنْ يَأْتِيكا كلاهما فل وإِنما حكمهما فعولن فحذفت لن فبقي فعو ثم حذفت الواو وأُسكنت العين فبقي فل وسمى قطرب البيت الرابع من المديد وهو قوله إِنما الذَّلْفاءُ ياقُوتَةٌ أُخْرِجَتْ مِنْ كيسِ دُِهْقانِ سماه أَبْتَرَ قال أَبو إِسحق وغلط قرب إِنما الأَبتر في المتقارب فأَما هذا الذي سماه قطرب الأَبْتَرَ فإِنما هو المقطوع وهو مذكور في موضعه والأَبْتَرُ الذي لا عَقِبَ له وبه فُسِّرَ قولهُ تعالى إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ نزلت في العاصي بن وائل وكان دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس فقال هذا الأَبْتَرُ أَي هذا الذي لا عقب له فقال الله جل ثناؤه إِن شانئك يا محمد هو الأَبتر أَي المنقطع العقب وجائز أَن يكون هو المنقطع عنه كلُّ خير وفي حديث ابن عباس قال لما قَدِم ابنُ الأَشْرَفِ مكةَ قالت له قريشٌ أَنت حَبْرُ أَهل المدينة وسَيِّدُهم ؟ قال نعم قالوا أَلا تَرى هذا الصُّنَيْبِرَ الأُبَيْتِرَ من قومه ؟ يزعم أَنه خير منا ونحن أَهلُ الحَجيج وأَهلُ السِّدانَةِ وأَهلُ السِّقاية ؟ قال أَنتم خير منه فأُنزلت إِن شانئك هو الأَبتر وأُنزلت أَلَمْ تَرَ إلى الَّذين أُوتوا نَصيباً من الكتاب يؤمنون بالجِبْتِ والطاغوتِ ويقولون للذين كفروا هؤلاء أَهدى من الذين آمنوا سبيلاً ابن الأَثير الأَبْتَرُ المُنْبَتِرُ الذي لا ولد له قيل لم يكن يومئذٍ وُلِدَ لَهُ قال وفيه نظر لأَنه ولد له قبل البعث والوحي إِلاَّ أَن يكون أَراد لم يعش له ولد ذكر والأَبْتَرُ المُعْدِمُ والأَبْتَرُ الخاسرُ والأَبْتَرُ الذي لا عُرْوَةَ له من المَزادِ والدِّلاء وتَبَتَّر لَحْمهُ انْمارَ وبَتَرَ رَحِمَهُ يَبْتُرُها بَتْراً قطعها والأُباتِرُ بالضم الذي يَبْتُرُ رحمه ويقطعها قال أَبو الرئيس المازني واسمه عبادة بن طَهْفَةَ يهجو أَبا حصن السلمي لَئِيمٌ نَزَتْ في أَنْفِهِ خُنْزُ وانَهٌ على قَطْعِ ذي القُرْبى أَحَذُّ أُباتِرُ قل ابن بري كذا أَورده الجوهري والمشهور في شعره شديدُ وِكاءٍ البَطْنِ ضَبُّ ضَغِينَةٍ وسنذكره هنا وقيل الأُباتِرُ القصير كأَنه بُتِرَ عن التمام وقيل الأُباتِرُ الذي لا نَسْلَ لَه وقوله أَنشده ابن الأَعرابي شديدُ وِكاءٍ البَطْنِ ضَبُّ ضَغِينَةٍ على قَطْعِ ذي القُرْبى أَحَذُّ أُباتِرُ قال أُباتِرُ يُسْرِعُ في بَتْرِ ما بينه وبين صديقه وأَبْتَرَ الرجلُ إِذا أَعْطَى ومَنَعَ والحُجَّةُ البَتْراءُ النافذة عن ثعلب والبُتَيْراءُ الشمسُ وفي حديث علي كرّم الله وجهه وسئل عن صلاة الأَضْحى أَو الضُّحى فقال حين تَبْهَرُ البُتَيْراءُ الأَرضَ أَراد حين تنبسط الشمس على وجه الأَرض وترتفع وأَبْتَرَ الرجلُ صلى الضحى وهو من ذلك وفي التهذيب أَبْتَرَ الرجلُ إِذا صلى الضحى حين تُقَضِّبُ الشمسُ وتُقَضِّبُ الشمس أَي تُخرجُ شعاعَها كالْقُضْبان ابن الأَعرابي البُتَيْرَةُ تصغير البَتْرَةِ وهي الأَتانُ والبُتْرِيَّةُ فِرْقَةٌ من الزَّيدية نسبوا إِلى المغيرة بن سعد ولقبه الأَبْتَرُ والبُتْرُ والبَتْراءُ والأُباتِرُ مواضع قال القتال الكلابي عَفَا النَّبْتُ بعدي فالعَرِيشَانِ فالبُتْرُ وقال الراعي تَرَكْنَ رِجالَ العُنْظُوانِ تَنُوبُهُمْ ضِباعٌ خِفافٌ مِنْ وراءِ الأُباتِر
الفصل الثالث
الدلالات البلاغية
المطلب الأول
المناسبات في سورة الكوثر
المناسبة:هي في اللغة المقاربة والمشاكلة. يقال : فلان يناسب فلاناً ، أي يقاربه ويشاكله. ومنه النسيب الذي هو القريب المتصل بغيره ، كالأخ وابن العم.
واصطلاحاً : هي علم تعرف منه علل ترتيب أجزاء القرآن .
وقال البقاعي في نظم الدرر: «وهو سر البلاغة ؛ لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال ، وتتوقف الإجازة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها ، ويفيد ذلك في معرفة المقصود من جميع جملها ، فلذلك كان هذا العلم في غاية النفاسة ، وكانت نسبته من علم التفسير كنسبة علم البيان من النحو».
وسأشرع ببيان المناسبات والروابط بين السورة وماقبلها ومابعدها وبين ألفاظ السورة
وابين ان السور القرآنية كالجسد الواحد لاختلاف بينها بل ان وحداتها وان صغرت فهي مرتبطة مع اختها برباط نوراني مما يشير الى اعجاز هذا الكتاب بتناسقة الجميل
لما ذكر الله عزوجل النموج السيء الذي لايحسن معاملة الخالق ( أرئيت الذي يكذب بالدين ) ولا يحسن معاملة المخلوق ( فذلك الذي يدع اليتيم )
قابله بذكر النموذج الانساني العظيم الذي يحسن معاملة الخالق ( فصل لربك ) ويحسن معاملة المخلوق (وانحر أي لربك ) وهذه مناسبة عظيمة بين السورتين .!
وقد ذكر النموذج الانساني الذي لايحسن معاملة المخلوق (فذلك الذي يدع اليتيم ) واي مخلوق انه الفاقد للرعاية المحتاج للرحمة وقد رمز باليتيم لكل مخلوق ضعيف وهذا لبتعبير في قمة الفصاحة والبيان وبالمقابل ذكر النموذج الانساني الذي يحمل قلبا يسع البشرية رحمة النموذج الذي يحسن معاملة الممخلوق ورمز له ب (انحر ) فجمع بين الصدقة والرحمة في آن واحد . وقد قسمته الى مباحث
المطلب الثاني
الرابط بين سورة الماعون وسورة الكوثر
وقد ذكر ألبقاعي لمناسبات بين السورتين فقال (لما كانت سورة الدين بإفصاحها ناهية عن مساوىء الأخلاق، كانت بإفهامها داعية إلى معالي الشيم، فجاءت الكوثر لذلك، وكانت الدين قد ختمت بأبخل البخلاء وأدنى الخلائق: المنع تنفيراً من البخل ومما جره من التكذيب، فابتدئت الكوثر بأجود الجود. العطاء لأشرف الخلائق ترغيباً فيه وندباً إليه، فكان كأنه قيل: أنت يا خير الخلق غير متلبس بشيء مما نهت عنه تلك المختتمة بمنع الماعون: { إنا } بما لنا من العظمة وأكد لأجل تكذيبهم: { أعطيناك } أي خولناك مع التمكين العظيم، ولم يقل: آتيناك، لأن الإيتاء أصله الإحضار وإن اشتهر في معنى الإعطاء { الكوثر } الذي هو من جملة الجود على المصدقين بيوم الدين.
ولما كان كثير الرئيس أكثر من كثير غيره، فكيف بالملك فكيف بملك الملوك، فكيف إذا أخرجه في صيغة مبالغة فكيف إذا كان في مظهر العظمه، فكيف إذا بنيت الصيغة على الواو الذي له العلو والغلبة(يعني بذلك ان حرف الواو في لفظة الكوثر ارفع مقاما من الياء في لفظة كثير ) فكيف إذا أتت إثر الفتحة التي لها من ذلك مثل ذلك بل أعظم(يقصد ان الضمة اعلى من الفتحة والفتحة اعلى من الكسرة فالعرب تعطي الشريف للشريف وهذا من اعجب مناسبات الحركات للحروف في سورة الكوثر )، كان المعنى: أفضنا عليك وأبحناك من كل شيء من الأعيان والمعاني من العلم والعمل وغيرهما من معادن الدارين ومعاونهما الخير الذي لا غاية له، فلا يدخل تحت الوصف، فأغنيناك عن أن تؤثر بذلك أو توفر مالك بجلب نفع أو دفع ضر، ومنه النهر الذي في الجنة ويسقي المؤمنين من الحوض الممدود منه في المحشر الذي مثاله في الدنيا شريعته صلى الله عليه وسلم التي عراها وأسبابها عدد النجوم الذين هم علماء أمته المقتدى بهم، فقد اجتمع لك الغبطتان: أشرف العطاء من أكرم المعطين وأعظمهم
وقال الرازي المفسر
أن هذه السورة كالمقابلة للسورة المتقدمة ، وذلك لأن في السورة المتقدمة وصف الله تعالى المنافق بأمور أربعة : أولها : البخل وهو المراد من قوله : { يَدُعُّ اليتيم وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين } [ الماعون : 2 ، 3 ] الثاني : ترك الصلاة وهو المراد من قوله : { الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ } [ الماعون : 5 ] والثالث : المراءاة في الصلاة هو المراد من قوله : { الذين هُمْ يُرَاءونَ } [ الماعون : 6 ] والرابع : المنع من الزكاة وهو المراد من قوله : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } [ الماعون : 7 ] فذكر في هذه السورة في مقابلة تلك الصفات الأربع صفات أربعة ، فذكر في مقابلة البخل قوله : { إِنَّا أعطيناك الكوثر } أي إنا أعطيناك الكثير ، فأعط أنت الكثير ولا تبخل ، وذكر في مقابلة : { الذين هُمْ عَن صلاتهم سَاهُونَ } قوله : { فَصَلِّ } أي دم على الصلاة ، وذكر في مقابلة : { الذين هُمْ يُرَاءونَ } قوله : { لِرَبّكِ } أي ائت بالصلاة لرضا ربك ، لا لمراءاة الناس ، وذكر في مقابلة : { وَيَمْنَعُونَ الماعون } قوله : { وانحر } وأراد به التصدق بلحم الأضاحي ، فاعتبر هذه المناسبة العجيبة ، ثم ختم السورة بقوله : { إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأبتر } أي المنافق الذي يأتي بتلك الأفعال القبيحة المذكورة في تلك السورة سيموت ولا يبقى من دناه أثر ولا خبر ، وأما أنت فيبقى لك في الدنيا الذكر الجميل ، وفي الآخرة الثواب الجزيل .
وقال : إنه سبحانه وتعالى لما شرفه في هذه السور(اى سورة الماعون) من هذه الوجوه العظيمة ، قال بعدها : { إِنَّا أعطيناك الكوثر } أي إنا أعطيناك هذه المناقب المتكاثرة المذكورة في السوره المتقدمة التي كل واحدة منها أعظم من ملك الدنيا بحذافيرها ، فاشتغل أنت بعبادة هذا الرب ، وبإرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم ، أما عبادة الرب فإما بالنفس ، وهو قوله : { فَصَلّ لِرَبّكَ } وإما بالمال ، وهو قوله : { وانحر } وأما إرشاد عباده إلى ما هو الأصلح لهم في دينهم ودنياهم ،
المطلب الثالث
الروابط بين كلمات السورة
بعد ان اعطاه الكوثر امره بالشكر وافضل الشكر الصلاة لله عزوجل وبعد ان امره بالصلاة وهي رمز العبادات البدنية ثنى بعبادة مالية وهي النحر وبعد ان تمت عبادته اخبره بنهاية مبغضيه النهاية الشنيعة الا وهي البتر .
قال الالوسي قال تعالى :{ فَصَلّ لِرَبّكَ وانحر } لترتيب ما بعدها على ما قبلها فإن إعطاءه تعالى إياه عليه الصلاة والسلام ما ذكر من العطية التي لم يعطها أحداً من العالمين مستوجب للمأمور به أي استيجاب أي فدم على الصلاة لربك الذي أفاض عليك ما أفاض من الخير خالصاً لوجهه عز وجل خلاف الساهين عنها المرائين فيها أداه لحق شكره تعالى على ذلك فإن الصلاة جامعة لجميع أقسام الشك.
وقد ذكر ابن عاشور في تفسيره:
مناسبة لطيفة فقال: (وناسب أن يكون الشكر بالازدياد مما عاداه عليه المشركون وغيرهم ممن قالوا مقالتهم الشنعاء: إنه أبتر، فإن الصلاة لله شكر له وإغاظة للذين ينهونه عن الصلاة كما قال تعالى:
{ أرأيت الذي ينهى عبداً إذا صلى }العلق / 9 ، 10
لأنهم إنما نهَوْه عن الصلاة التي هي لوجه الله دون العبادة لأصنامهم وكذلك النحر لله. 1
انَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
استئناف يجوز أن يكون استئنافاً ابتدائياً . ويجوز أن تكون الجملة تعليلاً لحرف { إنّ } إذا لم يكن لرد الإِنكار يكثر أن يفيد التعليل كما تقدم عند قوله تعالى : { قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم } في سورة البقرة ( 32 ) .
واشتمال الكلام على صيغة قصر وعلى ضمير غائب وعلى لفظ الأبتر مؤذن بأن المقصود به ردُّ كلام صادر من معيَّن ، وحكايةُ لفظٍ مرادٍ بالرد
المطلب الرابع
الرابط بين سورة الكوثر وسورة الكافرون
قال الرازي في تفسيره
وأما أنها كالأصل لما بعدها، فهو أنه تعالى يأمره بعد هذه السورة بأن يكفر جميع أهل الدنيا بقوله: { قُلْ يأَيُّهَا ٱلْكَـٰفِرُونَ لاَ أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ } ومعلوم أن عسف الناس على مذاهبهم وأديانهم أشد من عسفهم على أرواحهم وأموالهم، وذلك أنهم يبذلون أموالهم وأرواحهم في نصرة أديانهم، فلا جرم كان الطعن في مذاهب الناس يثير من العداوة والغضب مالا يثير سائر المطاعن، فلما أمره بأن يكفر جميع أهل الدنيا، ويبطل أديانهم لزم أن يصير جميع أهل الدنيا في غاية العداوة له، وذلك مما يحترف عنه كل أحد من الخلق فلا يكاد يقدم عليه، وانظر إلى موسى عليه السلام كيف كان يخاف من فرعون وعسكره. وأما ههنا فإن محمداً عليه السلام لما كان مبعوثاً إلى جميع أهل الدنيا، كان كل واحد من الخلق، كفرعون بالنسبة إليه، فدبر تعالى في إزالة هذا الخوف الشديد تدبيراً لطيفاً، وهو أنه قدم على تلك السورة هذه السورة فإن قوله: { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } يزيل عنه ذلك الخوف من وجوه أحدها: أن قوله: { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } أي الخير الكثير في الدنيا والدين، فيكون ذلك وعداً من الله إياه بالنصرة والحفظ، وهو كقوله: { يا أيها النبي حسبك الله }
[الأنفال:64]وقوله: { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ }[المائدة:67]وقوله: { إِلا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ)لتوبة:4] ومن كان الله تعالى ضامناً لحفظه، فإنه لا يخشى أحداً وثانيها: أنه تعالى لما قال: { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ ٱلْكَوْثَرَ } وهذا اللفظ يتناول خيرات الدنيا وخيرات الآخرة، وأن خيرات الدنيا ما كانت واصلة إليه حين كان بمكة، والخلف في كلام الله تعالى محال، فوجب في حكمة الله تعالى إبقاؤه في دار الدنيا إلى حيث يصل إليه تلك الخيرات، فكان ذلك كالبشارة له والوعد بأنهم لا يقتلونه، ولا يقهرونه، ولا يصل إليه مكرهم بل يصير أمره كل يوم في الازدياد والقوة
المطلب الخامس
براعة اسنهلال سورة الكوثر
البراعة لغة : كمال الفضل والاستهلال لغة: الابتداء، كما فى اللسان
واصطلاحا: ضرب من ضروب الصنعة التى يقدمها أمراء البيان، ونقاد الشعر، وجهابذة الألفاظ، بأن يبدأ المتكلم بمعنى ما يريد تكميله، وإن وقع فى أثناء الكلام
وقد ذكر ابن المعتز فنَّا فى محاسن الكلام سماه (حسُن الابتداءات) ، وأراد بهذه التسمية ابتداءات القصائد، إذ ينبغى للشاعر إذا ابتدأ قصيدة ابتدأها بما يدل على غرضه فيها
وكذلك ينبغى للخطيب إذا ارتجل خطبة، والبليغ إذا افتتح رسالة، أن يكون ابتداء كلامه دالاَّ على انتهائه، فالابتداء أول ما يقرع السمع، فإن كان عذبًا، حسن التركيب، صحيح المعنى، أقبل السامع على الكلام فوَعَاه، وإلا أعْرَض عنه، وإن كان الباقى فى غاية الحسن
وتعَدُّ براعة الاستهلال فرعًا فرَّعه المتأخرون مما يسمى" حسن الابتداءات "، فيرى السيوطى أن براعة الاستهلال أخصُّ من حُسُن الابتداء، لأن البراعة لابد فيها من الإشارة إلى ما سيق الكلام لأجله، بخلاف حُسن الابتداء فلا يشترط فيه ذلك . غيرأن الخطيب القزوينى لا يرى فرقا بين حسن الابتداء وبراعة الاستهلال، فكلاهما شيء واحد، وبأيهما سميت كنت مصيبًا، فأحسن الابتداءات ما ناسب المقصود، ويسمى براعة الاستهلال
وبداية سورة الكوثر من ابرع البدايات واجملها حيث ناسب الاستهلال موضوع السورة وهو العطاء واخص العطاء (الكوثر ) ومما زاد في حسن البدء انها أكدت القضية كلها بثلاث مؤكدات : (إن) و(ضمير الفصل) و(استعمال الجملة الاسمية) وهي تعطي حكماً مطلقاً لا يقيده زمان من أزمنة الجملة الفعلية .
المطلب السادس
البيان والبديع في السورة
1- صيغة الجمع الدالة على التعظيم [ إنا أعطيناك ] ولم يقل : أنا أعطيتك.
2- تصدير الجملة بحرف التأكيد الجاري مجرى القسم [إنا] أي نحن.
3- صيغة الماضي المفيدة للوقوع [ أعطيناك ] ولم يقل سنعطيك لأن الوعد لما كان محققا عبر عنه بالماضي مبالغة ، كأنه حدث ووقع.
4-المبالغة في لفظة الكوثر.
5- الإضافة للتكريم والتشريف [ فصل لربك ] .
6- إفادة الحصر [ إن شانئك هو الأبتر ] .
7- المطابقة بين أول السورة وآخرها بين [ الكوثر والأبتر ] فالكوثر الخير الكثير، والأبتر المنقطع عن كل خير.
8 - الطباق:عرض له السهيلي عند قوله تعالى: ) إنا أعطيناك الكوثر، فصل لربك وانحر، إن شانئك هو الأبتر ( (الكوثر: 1-3)، فقال مبينا لفائدة الطباق: "قوبل تعييره للنبي صلى الله عليه وسلم بالبتر بما هو ضده من الكوثر، فإن الكثرة تضاد معنى القلة، ولو قال في جواب اللعين: إنا أعطيناك الحوض الذي من صفته كذا وكذا، لم يكن ردا عليه ولا مشاكلا لجوابه، ولكن جاء باسم يتضمن الخير الكثير، والعدد الجم الغفير المضاد لمعنى البتر، وأن ذلك في الدنيا والآخرة بسبب الحوض المورود الذي أعطاه، فلا يختص لفظ الكوثر بالحوض، بل يجمع هذا المعنى كله، ويشتمل عليه، ولذلك كانت آنيته كعدد النجوم، ويقال هذه الصفة في الدنيا: علماء الأمة من أصحابه ومن بعدهم"([170]). ويلاحظ هنا استخدم تعبير قوبل الذي يدل على التضاد، دون أن يذكر مصطلح الطباق ..
9- قال الرازي في تفسيره: أنه بنى الفعل على المبتدأ، وذلك يفيد التأكيد والدليل عليه أنك لما ذكرت الاسم المحدث عنه عرف العقل أنه يخبر عنه بأمر فيصبر مشتاقاً إلى معرفة أنه بماذا يخبر عنه، فإذا ذكر ذلك الخبر قبله قبول العاشق لمعشوقه، فيكون ذلك أبلغ في التحقيق ونفى الشبهة ومن ههنا تعرف الفخامة في قوله: { فَإِنَّهَا لاَ تعمى ٱلاْبْصَـٰرِ }
[الحج:46] فإنه أكثر فخامة مما لو قال: فإن الأبصار لا تعمى، ومما يحقق قولنا قول الملك العظيم لمن يعده ويضمن له: أنا أعطيك، أنا أكفيك، أنا أقوم بأمرك. وذلك إذا كان الموعود به أمراً عظيماً.فلما تقع المسامحة به فعظمه يورث الشك في الوفاء به، فإذا أسند إلى المتكفل العظيم، فحينئذ يزول ذلك الشك، وهذه الآية من هذا الباب لأن الكوثر شيء عظيم، قلما تقع المسامحة به. فلما قدم المبتدأ، وهو قوله: { إنا } صار ذلك الإسناد مزيلاً لذلك الشك ودافعاً لتلك الشبهة.
قال: { أَعْطَيْنَـٰكَ } ولم يقل: سنعطيك لأن قوله: { أَعْطَيْنَـٰكَ } يدل على أن هذا الإعطاء كان حاصلاً في الماضي، وهذا فيه أنواع من الفوائد إحداها: أن من كان في الزمان الماضي أبداً عزيزاً مرعي الجانب مقضي الحاجة أشرف ممن سيصير كذلك، وثانيها: أنها إشارة إلى أن حكم الله بالإسعاد والإشقاء والإغناء والإفقار، ليس أمراً يحدث الآن، بل كان حاصلاً في الأزل وثالثها: كأنه يقول: إنا قد هيأنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك واشتغالك بالعبودية! ورابعها: كأنه تعالى يقول: نحن ما اخترناك وما فضلناك، لأجل طاعتك، وإلا كان يجب أن لا نعطيك إلا بعد إقدامك على الطاعة، بل إنما اخترناك بمجرد الفضل والإحسان منا إليك من غير موجب، لعلة "
قال: { أَعْطَيْنَـٰكَ } ولم يقل أعطينا الرسول أو النبي أو العالم أو المطيع، لأنه لو قال ذلك لأشعر أن تلك العطية وقعت معللة بذلك الوصف، فلما قال: { أَعْطَيْنَـٰكَ } علم أن تلك العطية غير معللة بعلة أصلاً بل هي محض الاختيار والمشيئة، كما قال: { نَحْنُ قَسَمْنَا }[الزخرف:32]
{ ٱللَّهِ يَصْطَفِى مِنَ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ ٱلنَّاسِ }[الحج:75]:
قال: { إِنَّا أَعْطَيْنَـٰكَ } ثم قال ثانياً: { فَصَلّ لِرَبّكَ وَٱنْحَرْ } وهذا يدل على أن إعطاؤه للتوفيق والإرشاد سابق على طاعاتنا، وكيف لا يكون كذلك وإعطاؤه إيانا صفته وطاعتنا له صفتنا، وصفة الخلق لا تكون مؤثرة في صفة الخالق إنما المؤثر هو صفة الخالق في صفة الخلق، ولهذا نقل عن الواسطي أنه قال: لا أعبد رباً يرضيه طاعتي ويسخطه معصيتي. ومعناه أن رضاه وسخطه قديمان وطاعتي ومعصيتي محدثتان والمحدث لا أثر له في قديم، بل رضاه عن العبد هو الذي حمله على طاعته فيما لا يزال، وكذا القول في السخط والمعصية.
قال الآلوسي في تفسيره :
وفي إسناد الإعطاء إليه دون الإيتاء إشارة إلى أن ذلك إيتاء على جهة التمليك فإن الإعطاء دونه كثيراً ما يستعمل في ذلك ومنه قوله تعالى لسليمان عليه السلام : { هذا عَطَاؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ } [ ص : 39 ] بعد قوله { هَبْ لِى * مَلَكًا } [ ص : 35 ] وقيل فيه إشارة إلى أن المعطي وإن كان كثيراً في نفسه قليل بالنسبة إلى شأنه عليه الصلاة والسلام بناء على أن الإيتاء لا يستعمل إلا في الشيء العظيم كقوله تعالى : { وآتاه الله الملك } [ البقرة : 251 ] { ولقد آتينا داود منا فضلاً } [ سبأ : 10 ] { ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم } [ الحجر : 87 ] والإعطاء يستعمل في القليل والكثير كما قال تعالى { أعطي قليلاً وأكدي } [ النجم : 34 ] ففيه من تعظيمه عليه الصلاة والسلام ما فيه وقيل التعبير بذلك لأنه بالتفضل أشبه بخلاف الايتاء فإنه قد يكون واجباً ففيه إشارة إلى الدوام والتزايد أبداً لأن التفضل نتيجة كرم الله تعالى الغير المتناهي وفي جعل المفعول الأول ضمير المخاطب دون الرسول أو نحوه إشعار بأن الإعطاء غير معلل هو من محض الاختيار والمشيئة وفيه أيضاً من تعظيمه عليه الصلاة والسلام بالخطاب ما لا يخفى وجوز أن يكون في إسناد الإعطاء إلى ن إشارة إلى أنه مما سعى فيه الملائكة والأنبياء المتقدمون عليهم السلام وفي التعبير بالماضي قيل إشارة إلى تحقق الوقوع وقيل إشارة إلى تعظيم الإعطاء وأنه أمر مرعى لم يترك إلى أن يفعل بعدو قيل إشارة إلى بشارة أخرى كأنه قيل إنا هيؤنا أسباب سعادتك قبل دخولك في الوجود فكيف نهمل أمرك بعد وجودك واشتغالك بالعبودية وقيل إشارة إلى أن حكم الله تعالى بالإغناء والإفقار والإسعاد والإشقاء ليس أمراً محدثاً بل هو حاصل في الأزل . وبنى الفعل على المبتدأ للتأكيد والتقوى وجوز أن يكون للتخصيص على بعض الأقوال السابقة في الكوثر وفي تأكيد الجملة بأن ما لا يخفى من الاعتناء بشأن الخبر وقيل لرد استبعاد السامع الإعطاء لما أنه لم يعلل والمعطى في غاية الكثرة وجوز أن يكون لرد الانكار على بعض الأقوال في الكوثر أيضاً
واعتبار الخلوص في { فَصْلٌ } الخ كما أشرنا إليه لدلالة السياق عليه وقيل لدلالة لأم الاختصاص وفي الالتفات عن ضمير العظمة إلى خصوص الرب مضافاً إلى ضميره عليه الصلاة والسلام تأكيد لترغيبه صلى الله عليه وسلم في أداء ما أمر به على الوجه الأكمل .
وَفِي قَوْلِهِ : { إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ }
{ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } إشَارَةٌ إلَى أَنَّك لَا تَتَأَسَّفُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الدُّنْيَا كَمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ " طَه " " وَالْحِجْرِ " وَغَيْرِهِمَا وَفِيهَا الْإِشَارَةُ إلَى تَرْكِ الِالْتِفَات إلَى النَّاسِ وَمَا يَنَالُك مِنْهُمْ بَلْ صَلِّ لِرَبِّك وَانْحَرْ . وَفِيهَا التَّعْرِيضُ بِحَالِ الْأَبْتَرِ الشَّانِئِ الَّذِي صَلَاتُهُ وَنُسُكُهُ لِغَيْرِ اللَّهِ . وَفِي قَوْلِهِ : { إنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ } أَنْوَاعٌ مِنْ التَّأْكِيدِ : أَحَدُهَا تَصْدِيرُ الْجُمْلَةِ بِإِنَّ . الثَّانِي : الْإِتْيَانُ بِضَمِيرِ الْفَصْلِ الدَّالِّ عَلَى قُوَّةِ الْإِسْنَادِ وَالِاخْتِصَاصِ . الثَّالِثُ : مَجِيءُ الْخَبَرِ عَلَى أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ . دُونَ اسْمِ الْمَفْعُولِ . الرَّابِعُ : تَعْرِيفُهُ بِاللَّامِ الدَّالَّةِ عَلَى حُصُولِ هَذَا الْمَوْصُوفِ لَهُ بِتَمَامِهِ . وَأَنَّهُ أَحَقُّ بِهِ
المطلب السابع
الاخبار عن الغيوب في السورة
فهذه سورة " الكوثر " ثلاث آيات قصار، وهي أقصر سورة في القرآن، وقد تضمنت الإخبار عن مغيبين: أحدهما - الإخبار عن الكوثر وعظمه وسعته وكثرة أوانيه، وذلك يدل على أن المصدقين به أكثر من أتباع سائر الرسل.
والثاني - الإخبار عن الوليد بن المغيرة، وقد كان عند نزول الآية ذا مال وولد، على ما يقتضيه قوله الحق: " ذرني ومن خلقت وحيدا.
وجعلت له مالا ممدودا.
وبنين شهودا.
ومهدت له تمهيدا (1) " ثم أهلك الله - سبحان - ماله وولده، وانقطع نسله.
قلت وفيها الاخبار عن قيام الدولة الاسلامية حيث ان النحر مختص بالإبل والذبح مختص بالبقر والنبي صلى الله عليه وسلم نحر مئة ناقة وهذه تكفي لاطعام مئة ألف جندي وهذا العدد يكفي لقيام دولة في ذلك الزمان.
الفصل الثاني
اقوال اهل التفسير في بيان معنى (الكوثر)
من تتبعي لاهل التفسير تبين انهم متفقون على ان الكوثر هو نهر في الجنة لورود ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم (عن أنس قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم بين أظْهُرِنا إذ أغفى إغفاءةً ثم رفع رأسه مبتسمًا فقلنا: ما أضحكك يا رسول الله؟ قال: أنزلت علي آنفا سورةٌ، فقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم : "إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر"، ثم قال: "أتدرون ما الكوثَرُ"؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: "فإنه نهر وَعَدَنِيهِ ربي عز وجل عليه خيرٌ كثيرٌ هو حوض تَرِدُ عليه أمتي يومَ القيامة، آنِيَتُه عددُ النُّجومِ فَيُخْتَلَجُ العبدُ منهم فأقول: ربِّ إنه مني، فيقول: ما تدري ما أحدث بعدك .
ولكنهم مختلفون في تحديد المراد بالكوثر وهذا الاختلاف يبين لنا ان الكلمة القرآنية في موضعها كتاب يحتوي على كتب كثيرة ومن هذا اقرر فاقول ان الكلمة خارج النص القرآني لاتحمل الا معنى ضيق ولكن ما ان تدخل النص حتى تبدأ بالتسنبل والتكاثر مع دورة الزمن , فالكلمة القرآنية معجزة في موضعها سواء كانت الكلمة حرفا ام فعلا ام اسما .
وهذه جولة سريعة في بعض التفاسير تبين ماذهبت له .
الطبري المفسر :
قول تعالى ذكره إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ) يا محمد( الْكَوْثَرَ) واختلف أهل التأويل في معنى الكوثر، فقال بعضهم: هو نهر في الجنة أعطاه الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم.
وقد نقل ذلك عن ابن عمر وا
مواضيع مماثلة
» باب ذكر نكت في إعجاز القرآن وشرائط المعجزة وحقيقتها
» في الصلاة الجهرية عندما يقرأ الإمام سورة الفاتحة ويشرع بقراءة ما تيسر من القرآن، فهل علينا
» سورة المؤمنونسورة المؤمنون - سورة 23 - عدد آياتها 118 بسم الله الرحمن الرحيم قَدْ أَفْ
» من روائع البيان القرءاني ...
» باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه ، وثواب من قرأ القرآن معربا
» في الصلاة الجهرية عندما يقرأ الإمام سورة الفاتحة ويشرع بقراءة ما تيسر من القرآن، فهل علينا
» سورة المؤمنونسورة المؤمنون - سورة 23 - عدد آياتها 118 بسم الله الرحمن الرحيم قَدْ أَفْ
» من روائع البيان القرءاني ...
» باب ما جاء في إعراب القرآن وتعليمه والحث عليه ، وثواب من قرأ القرآن معربا
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة 21 يونيو 2024, 12:25 am من طرف Admin
» هل الانجيل محرف
الأربعاء 19 يونيو 2024, 2:34 pm من طرف Admin
» شبهات النصاري زواج ام المؤمنين عائشه،
الإثنين 17 يونيو 2024, 10:30 am من طرف Admin
» الفرق بين السنه والفقه
السبت 11 مايو 2024, 11:23 pm من طرف Admin
» كيف عرفت انه نبي..
الجمعة 26 أبريل 2024, 5:40 am من طرف Admin
» موضوع هل يدخل الجنه غير المسلمين،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:48 am من طرف Admin
» التدرج في التشريع
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:43 am من طرف Admin
» كتب عليكم الصيام،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:41 am من طرف Admin
» اقوال العلماء في تفسير ايه الحجاب،،
الثلاثاء 09 أبريل 2024, 7:40 am من طرف Admin