من الآداب الإجتماعية في الأحاديث النبوية:
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه ".أخرجه الإمام مسلم في صحيحه
الشروح
كتاب الأقضية
قال الزهري - رحمه الله تعالى - : القضاء - تعريفه - في الأصل إحكام الشيء والفراغ منه ، ويكون القضاء إمضاء الحكم . ومنه قوله تعالى : ( وقضينا إلى بني إسرائيل) وسمي الحاكم قاضيا ; لأنه يمضي الأحكام ويحكمها ، ويكون ( قضى ) بمعنى أوجب ، فيجوز أن يكون سمي قاضيا لإيجابه الحكم على من يجب عليه ، وسمي حاكما لمنعه الظالم من الظلم ، يقال : حكمت الرجل ، وأحكمته : إذا منعته ، وسميت حكمة الدابة ; لمنعها الدابة من ركوبها رأسها ، وسميت الحكمة حكمة ; لمنعها النفس من هواها .
قوله صلى الله عليه وسلم : لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ولكن اليمين على المدعى عليه . وفي رواية : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه ) هكذا روى هذا الحديث البخاري ومسلم في صحيحيهما مرفوعا من رواية ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهكذا ذكره أصحاب السنن وغيرهم ،
" بدعواهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر " . وهذا الحديث قاعدة كبيرة من قواعد أحكام الشرع ، ففيه أنه لا يقبل قول الإنسان فيما يدعيه بمجرد دعواه ، بل يحتاج إلى بينة أو تصديق المدعى عليه ، فإن طلب يمين المدعى عليه فله ذلك . وقد بين صلى الله عليه وسلم الحكمة في كونه لا يعطى بمجرد دعواه ، لأنه لو كان أعطي بمجردها لادعى قوم دماء قوم وأموالهم واستبيح ، ولا يمكن المدعى عليه أن يصون ماله ودمه ، وأما المدعي فيمكنه صيانتهما بالبينة .
وفي هذا الحديث دلالة لمذهب الشافعي والجمهور من سلف الأمة وخلفها : أن اليمين تتوجه على كل من ادعي عليه حق . سواء كان بينه وبين المدعي اختلاط أم لا ، وقال مالك وجمهور أصحابه والفقهاء السبعة فقهاء المدينة : إن اليمين لا تتوجه إلا على من بينه وبينه خلطة لئلا يبتذل السفهاء أهل الفضل بتحليفهم مرارا في اليوم الواحد ، فاشترطت الخلطة دفعا لهذه المفسدة .
واختلفوا في تفسير الخلطة فقيل : هي معرفته بمعاملته ومداينته بشاهد أو بشاهدين ، وقيل : تكفي الشبهة ، وقيل : هي أن تليق به الدعوى بمثلها على مثله ، وقيل : أن يليق به أن يعامله بمثلها ، ودليل الجمهور حديث الباب ، ولا أصل لاشتراط الخلطة في كتاب ولا سنة ولا إجماع .