الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وبعد ...
فأيها الأحبة ها نحن نتابع بعض آداب طلب العلم من سير سلفنا الصالح ، فلا شك أنهم قدوتنا جعلنا الله في زمرتهم وحشرنا معهم إنه ولي ذلك والقادر عليه .
توقفنا عند :
الأدب الرابع وهو : الجلوس قبل مجيء الشيخ: فإن السلف رحمهم الله كانوا يحضرون مجالس العلم قبل حضور الأشياخ ولا أدل على ذلك من قصة الشافعي مع مالك حين قدم عليه من العراق قال رحمه الله : وقصدت الحجاز ..حتى وصلت المدينة بعد العصر فصليت العصر ورأيت كرسيًّا من الحديد عليه مخدة من قباطي مصـر وحوله أربعمئة دفتر أو يزدن وبينما أنا كذلك إذ رأيت مالك بن أنس رحمه الله قد دخل من باب النبي صلى الله عليه وسلم وقد فاح عطره في المسجد ..فلما وصل قام إليه من كان قاعداً وجلس على الكرسي .
الأدب الخامس : الحضور على هيئة حسنة: وإلى ذلك نبَّه ابن جماعة رحمه الله في : [ التذكرة ] ، قائلاً : وينبغي أن يَتَأدَّب في حضور الدرس بأن يحضره على أحسن الهيئات ، وأكمل الطهارات ، وقال : ويُحَسِّن : جلوسَهُ ، واستماعَه ُ، وإيرادَهُ ، وجوابَهُ ، وكلامَهُ ، وخطابَهُ .
الأدبان السادس والسابع : اصطحاب العدة : القلم الأوراق والكتاب الذي يشرح ، و عدم وضع الكتاب على الأرض وإنما على حامل أو بين يديه : يقول ابن جماعة رحمه الله في [ التذكرة ] : ويُحْضِر الطالب كتابَهُ الذي يَقْرأ منه معه ، ويَحْمله بنفسه ، ولا يَضَعه حال القراءة على الأرض مفتوحاً ، بل يحمله بيديه ، ويقرأ منه ، ولا يقرأ حتى يستأذن الشيخ .
الأدب الثامن : تقييد الفوائد والمعلومات : ثبت من حديث ابن عمرو رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم (( قيدوا العلم بالكتاب )) صحيح الجامع.
قال الشيخ صالح آل الشيخ حفظه الله : طريقة طلب العلم مهمة ، منكم من يحرص على الحضور عند المشايخ وطلاب العلم والمعلمين، فيحضر ويسمع ويكتب، لكن هذه وحدها لا تكفي بل لابد من الدرس والمراجعة، لابد أن تدرس كأنه غدا لديك اختبار في هذه المواد ؛ لابد تدرس وتدقق في الألفاظ وفي الأدلة وتحفظ وترتب وتكتب حتى يكون عندك التلقي على أقوى ما يمكن ، وإلا فالسماع والكتابة وحدها لا تنفع، تسمع فقط أو تسمع وتكتب ثم تنسى ، هذه الفوائد بعد سنة ترجع إليها تثقل عليك ؛ لكن إذا كان لك مراجعة فيما سمعت مراجعة أسبوعية تدرس فيها المتن أولا ، وتراجع الكلمات ثم الـشرح والفوائد، وتحفظ الأدلة، وتنظر كيف تعامل المعلم أو الشيخ مع النصوص الشرعية، كيف تعامل مع المتن، كيف تعامل مع المسائل، كيف شرح وأوضح، بهذه الدربة تحفظ المسائل ويكون عندك قدرة على نقل هذا العلم .
لا بد أن يكون ما تقيده من الفوائد عن المعلم أو عن الشيخ لا بد أن يكون مرتَّبا بخط واضح ، البعض يكتب بخط صغير متقارب الكلمات ويحشر الصفحة ، هذه لا تنشِّطه للقراءة إذا أراد أن يراجع، بل لا بد أن تكتب في سطر وتترك سطر وتكتب بخط واضح والورق كثير ولله الحمد.
وكذلك لا بد أن يكون لك تلخيص لما درست ؛ يعني بعد أن تسمع أنت : ستنتخب أحسن ما سمعت، ثم بعد ذلك : اختر أيضا الفوائد مما كتبت ؛ لأن بعض ما كتبت ربما يكون فيه تكرار، وربما يكون فيه زيادة ونحو ذلك . ثم تنتخب أحسن ما كتبت من الفوائد التي تراها أكثر فائدة لك وترددها وتحفظها .
بعد حين يجب أن ترجع إلى ما كتبت عن الشيخ وتراجعه مرة أخرى حفظاً ودراسة؛ لأن العلم يذهب بالغفلة ويبقى مع التَّرداد، فيه كتب كثيرة ومختـصرات إذا قرأناها مرة ثانية وقد قرأناها عشرة وعشرين مرة تخرج لنا منها فوائد ، والمرء لا يقول هذا الكتاب قرأناه هذا المتن قرأناه ، لا ، إذا صار عندك فرصة تراجع ما كتبت وتراجع ما قرأت، وكلما كان الأمر أثبت كلما كان أقوى لك في المستقبل؛ لأنه كلما ثبتت عندك العلوم كلما كان التصور أسهل لديك وحفظ المعلومات الجديدة أسهل ؛ لأن ما بني على صحيح فهو صحيح ، وما بني على مختل فهو مختل، وما بني على غلط فهو غلط ، لهذا صارت البنية الأساسية واضحة وصحيحة فيكون ذلك له أثره فيما بعده .
ولهذا يقول هشام بن عروة : قال لي أبي كتبت الحديث قلت: نعم، قال: هل راجعته وعارضته مع غيرك ، قلت : لا ، قال: إذاً لم تكتب الحديث.
.
.
نتوقف هنا ونكمل في اللقاء المقبل بمشيئة الله وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
وكتــــبه مـــحب الدعــوة والـــدعــاة
وعضــو مــركـــز الـدعـوة والإرشاد
بالمـملــكة العـــربـــية الــسـعـــوديـــة
عــبـد الـعـــزيــز بـن عـلي الـــقــرني
27 / 8 / 1437هـ