معنى الغلو .وملامحه.وانواعه...........
جاء معنى الغلو في لغة العرب كما هو في مقاييس اللغة لأبن فارس، ولسان العرب لابن منظور، وتاج العروس شرح القاموس، وفي غير ما من معاجم وكتب اللغة على أن هذه الكلمة تدل على مجاوزة في الحد والقدر، ولذلك يقال: غلا يغلو غلواً إذا ارتفع.
ويقال غلا الرجل في الدين والأمر غلواً إذا جاوز حده ومعناه عدم الاقتصار على الوسطية وعرفه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما هو في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم) ([2]) بأنه: (مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في مدحه وذمه على ما يستحق)، وقد ذكر ذلك وقريباً منه الشاطبي في كتابه (الاعتصام)، والحافظ ابن حجر في الفتح وصاحب كتاب تيسير العزيز الحميد، وقالوا: إن الغلو (هو الزيادة ـ والزيادة لفظ عام ـ وسواء كانت هذه الزيادة اعتقادية، أو عملية أو حكماً على الآخرين.
ملامح الغلو:
بعد أن ذكرنا المعنى اللغوي للغلو لا بد أن نذكر ملامح الغلو أو مظاهره ليتضح على أنه شامل وليس خاصاً في مسألة علمية أو عملية معينتين.
1) فمن ذلك تفسير المفسر للنصوص مشدِّداَ بما يتعارض مع سمة الشريعة ومقاصدها، فيشدد ذلك المفسر على نفسه وعلى الخلق وهذه سمة من سمات الغلو ولمحة من لمحاته.
2) ومن ذلك أيضاً التكلف والتعمق في معاني النصوص، وتحميلها ما لا تحتمل من أجل موافقة الرأي والمذهب.
3) ومن ذلك ما هو متعلق بالأحكام الشرعية كإلزام النفس والآخرين بما لم يلزم الله - سبحانه وتعالى – به، ويفعل الإنسان ذلك ترهباً أو تقرباً إليه مثل تحريم الطيبات، وقد أباحها الله - سبحانه وتعالى - وهذا ما أخبرت عنه التوراة والإنجيل، ومما وصف به الرسول صلى الله عليه وسلم قبل بعثته قال - تعالى -: (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم..الخ الآية) ([3])، فإن هؤلاء كونهم محرومين من الطيبات، ويعتبر هذا من الآصار والأغلال والرسول صلى الله عليه وسلم جاء ليضع عنهم ذلك لأن هذا من الغلو.
4) أيضاً من علامات الغلو وملامحه عدم الأخذ بالضرورات التي الأصل فيها المنع، ولكن تجوز عندما تأتي أسبابها ومعلوم أن للمسافر أحكاماً وللمريض والشيخ الكبير أحكاماً، وإن لضعيف العقل كذلك أحكاماً، وهذه الأحكام تعتبر أحكاماً طارئة يأخذ بها وليست هي الأصل إذ الأصل استقرار الأحكام الشرعية الثابتة في حق الأمة ولكن المشقة تجلب التيسير.
5) كذلك من ملامح الغلو ما يتعلق بالموقف من الآخرين حيث أن البعض إذا مدح غالى في المدح إلى حد أنه لا يكاد يقر بخطإٍ في ممدوحه، ويكاد يشهد له بالعصمة وإذا أبغض قال في مبغضه أو خصمه أقوالاً قد يفهم في البعض منها تكفيره ـ والعياذ بالله ـ، وليس من الغلو التمسك بالحق والرجوع إليه اعتقاداً أو عملاً أو دعوة أو طلب علم وحسن تصور أو الإكثار من النوافل من صلاة وصيام أو زكاة وصدقات وأدعية بل هذا مناف للغلو، وليس من الغلو أيضاً إطلاق اللحى وقصر الثياب وعدم جر الإزار خيلاء، والتزام النساء بالحجاب الشرعي كما يريد بعض من يتكلم في ذلك وهو قاصر.
أنواع الغلو: الغلو على ضربين: ـ وكلاهما خطير ومذموم ـ
1) أحدهما: اعتقادي وهو أشدها كما هو الحال في منهج الفرق المخالفة من المبتدعة وأهل الزيغ والضلالة التي انشقت وابتعدت عن منهج أهل السنة والجماعة، كما هو الحال فى الغلو في الصحابة بسبهم وآل البيت بالمبالغة فى تعظيمهم ، وكذلك من القول والاعتقاد بالعصمة لأئمتهم ومشايخهم.
1) ثانيها: وهو الغلو العملي ويتمثل في أن يجعل الإنسان النوافل على نفسه واجبات، وأن يترك لأئمتهم المباحات على نفسه كالزواج والبيع والشراء، والطعام والشراب، بمعنى أن يلزم نفسه بالصوم مطلقاً في النهار ويلزم نفسه بالقيام في الليل مطلقاً، ويترك زواج النساء ولا يأكل اللحم، وهذه صورة من صور الغلو العملي، وقد أنكرها النبي صلى الله عليه وسلم ونهى أصحابه عن فعل ذلك كما جاء في الصحيحين من حديث أنس بن مالك: ((أما أنا فأصوم وأفطر، وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)) ([4])، وترجع كل مظاهر الغلو إلى هذا التقسيم، وتدخل تحته وهو أقرب تقسيم للغلو