قال الامام مالك: من أكل أو شرب في رمضان ساهيا أو ناسيا أو ما كان من صيام واجب عليه، ان عليه قضاء يوم مكانه.
وقال سحنون: أرأيت من أكل أو شرب أو جامع ناسيا في رمضان أعليه القضاء في قول مالك؟ قال نعم، ولا كفارة عليه.
واستدل المالكية على مذهبهم بما يلي:
الأول: أن الصوم لا يمكن أن يوجد مع ضده وهو الإفطار، لأنه متى لم يوجد الإمساك، وهو الركن الأساس في الصوم فلم توجد حقيقته، ولم يكن هناك امتثال للأمر بالإمساك.
قال ابن العربي: فأما القضاء فلابد منه، لأن صورة الصوم قد عدمت وحقيقته بالأكل قد ذهبت، والشيء لا بقاء له مع ذهاب حقيقته، كالحدث يبطل الطهارة سهوا جاء أو عمدا، وهذا الأصل العظيم لا يرده ظاهر محتمل التأويل.
الثاني: قياس ركن الإمساك على ركن النية في الصوم.
قال الباجي: والدليل على صحة ما نقوله أن ما يفسد الصوم بعدمه على وجه العمد فإنه يفسده بعدمه على وجه النسيان كالنية.
وقال القاضي عبدالوهاب: ولأن كل فعل لا يصح الصوم مع شيء من جنسه عمدا على وجه، فلا يصح مع سهوه، اصله ترك النية.
الثالث: القياس أيضا، قال ابن رشد: وأما القياس فهو تشبيه ناسي الصوم بناسي الصلاة، فمن شبهه بناسي الصلاة أوجب عليه القضاء كوجوبه بالنص على ناسي الصلاة.
الرابع: قياس الأولى، قال القاضي عبد الوهاب: ودليلنا على وجوب القضاء أنه مكلف حصّل أكلا في رمضان كالعامد، ولأنه أكل في صوم مفترض لا يسقط بالمرض كالمريض، ولأن القضاء اذا وجدب على المريض مع كونه أعذر من الناسي، كان يجب على الناسي أولى.
الخامس: أن حديث أبي هريرة مفيد لرفع المؤاخذة بالإثم وليس فيه نفي حكم القضاء، وقد تقرر في الأصول أن سكوت النبي عليه الصلاة والسلام على حكم دلالة على عدمه.
قال أبو عبدالله التلسماني: ومما يلحق به أيضا في الدلالة على عدم الحكم سكوته صلى الله عليه وآله وسلم على حكم، لو كان مشروعا لبينه. ومثاله احتجاج الشافعية على ان من أفطر في رمضان ناسيا فلا قضاء عليه، بما روي أن رجلا قال: يا رسول الله: نسيت واكلت وشربت وانا صائم، فقال (الله أطعمك وسقاك) . قالوا: فلو كان القضاء واجبا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم.... ثم قال: واعلم أن من شرط هذا الاستدلال بيان أن الوقت وقت حاجة للبيان، من حيث يكون التأخير معصية، فلذلك لم نقل نحن بسقوط القضاء عمن أفطر ناسيا.
ولقد اعترض على هذا الاحتجاج بورود الحديث المذكور وفيه زيادة مفيدة لرفع القضاء على المفطر الناسي، وهي عند الدارقطني بلفظ (فلا قضاء ولا كفارة). وذكر بعده أن ابن مرزوق قد تفرد به، فتعقبه الحافظ في الفتح: بأن ابن خزيمة أخرجه عن ابراهيم بن محمد الباهلي، وبأن الحاكم أخرجه من طريق أبي حاتم الرازي، كلاهما عن الأنصاري، فيكون هو المنفرد به كما قال البيهقي وهو ثقة.
قلت: ومحمد بن عبدالله الأنصاري ثقة كما قال الحافظ، لكن وقع منه مخالفة لمن هو أوثق منه وأكثر عددا في ذكر الزيادة التي أبطلت الحكم الذي تقتضيه الأدلة السابقة. فالاعتماد عليها فيه نظر، ولذلك توقف ابن العربي والقرطبي وهما من هما في تصحيح الحديث، واكتفيا بالإيماء الى أنه لو صح لوجب العمل به.
قلت: وصنيع مسلم في ترك رواية الزيادة المذكورة ومذهبه على قبولها مطلقا، يقوي ضعفها. إذا ظهر هذا فهو أولى من تأويل تلك الزيادة بما لا تحتمله، كقول القرطبي: إنها محمولة على صوم التطوع لخفته، لدلالة أول الحديث على خلافه.
خلاصة:
حديث ابي هريرة في الباب نص لا يحتمل التأويل على رفع الإثم والمؤاخذة عن الذي نسي فأكل وشرب وهو صائم، ولكنه ليس نصا لنفي القضاء عنه.
فعلى أصول مالك في ترك خبر الآحاد لمخالفة ظاهر القرآن والقياس والاحتياط في الدين تجد إيجابه القضاء على المفطر الناسي وجيها ومقبولا. كيف، وهو لم يترك هذا الخبر أصلا، إنما ترك حكما مفهوما منه عن طريق دلالة الالتزام، وتلك طريقة الاختلاف بينهم.
ولم يتفرد مالك بهذا الحكم بل ذهب اليه معه الليث بن سعد، وهو قول ربيعة وابن علية...
والله اعلى واعلم
__________________