مكانة الدعوة – بقلم الدكتور طلعت عفيفى وزير الأوقاف
۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞۞
يقول الله تعالى : ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ
الْمُنْكَرِ ).
وفى نفس السورة
يقول الله تعالى : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ
بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ ).
ونلاحظ من مجموع الآيتين أن الدعوة إلى دين الله هى من أخص صفات المؤمنين ، كما أن الدعوة إلى ضد ذلك من صفات المنافقين .
يقول الإمام القرطبى فى تفسيره : ” فجعل الله تعالى الأمر بالمعروف والنهى
عن المنكر فرقًا بين المؤمنين والمنافقين ، فدلَّ على أن أخص أوصاف
المؤمنين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، ورأسها الدعوة إلى الإسلام”
.وفى التلازم بين الإيمان والدعوة إلى الله ما يدل على أن زيادة الإيمان
تعنى زيادة الحركة لدين الله ، والعكس .
يقول الدكتور محمد أمين
المصرى : ” الإيمان شبيه بالقوة الكامنة فى الجهاز المحرك الذى لا يعدو أن
يكون عشر معشار حجم الطائرة يستطيع أن ينطلق لتنطلق بانطلاقته الطائرة
فتقطع المسافات الشاسعة ببرهة يسيرة ، وتقلع بقوة دفعه الطائرة المستقرة
على وجه الأرض . إن قوة المحرك تظهر للعيان بسبح الطائرة فى أجواء الفضاء ،
وكذلك قوة الإيمان تتجلى بسبح صاحب الإيمان فى أجواء الدعوة إلى الله ..
وإذا عجز المحرك عن أن ينطلق بالطائرة أو السيارة فقد أصابه الخلل ،
وتسرَّب إليه العطب ، وكذلك الإيمان الذى لا يحرك صاحبه ليدفعه إلى السير
فى سبيل الدعوة إلى الله هو إيمان هامد خامل ، قد أصابه الوهن وتسرب إليه
الخلل” .
يقول الله تعالى : ( وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنْسَانَ
لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ
وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ) .سورة العصر ففى هذه
السورة الكريمة القليلة فى مبناها الكثيرة فى معناها ومحتواها ، يقسم الله
تعالى بالعصر ، ويؤكد هذا القسم بـ ” إنّ ” و” اللام ” على أن جنس الإنسان
فى ضياع وخسران ، ويستثنى من هذا الخسران من اتصف بأربع صفات :
1 – الإيمان بالله . 2 – العمل الصالح .
3 – التواصى بالحق . 4 – التواصى بالصبر .
وبالتأمل فى هذه الصفات الأربع نجد أن نصفها الأول يتعلق بصلاح المرء فى
ذاته ، ونصفها الثانى يتعلق بالعمل على إصلاح غيره ، وذلك بالتواصى بالحق
والتواصى بالصبر مع سائر الخلق.
وهو ما يدل على مكانة الدعوة وأهمية القيام بها فى دين الله .
فى الوقت ذاته ورد فى كتاب الله تعالى ما يشير إلى أهمية القيام بواجب
الدعوة بأسلوب التحذير من التهاون والتفريط فى هذا الأمـر ، والإشارة فى
كتاب الله تعالى إلى استحقاق المتهاونين فى هذا الأمـر للعنة الله لهم ،
وهى الطرد من رحمته ، فقال تعالى : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي
إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا
عَصَـوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَـوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ
فَعَـلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) المائدة
والآيتان تحذير للمسلمين من سلوك هذا السبيل حتى لا ينالهم من الذم ما نال السابقين .
ولا تزال هناك جوانب أخرى فى كتاب الله تعالى يستفاد منها بيان مكانة
الدعوة فى دين الله تعالى ، لكننى أكتفى بما ذكرته ، ففيه دلالة على
المقصود بما يكفى ويغنى .
ومما يدل على مكانة الدعوة إلى الله فى الإسلام من أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم نتخير ما يلى :
عن أبى رقية تميم بن أوس الدارى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال : «
الدين النصيحة » ، قلنا : لمن ؟ قال : « لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة
المسلمين وعامتهم » أخرجه مسلم ؛ ففى هذا القول النبوى ما يؤكد على سمو
مكانة الدعوة فى هذا الدين حتى لكأنها الدين كله ، ونظيره قول النبى صلى
الله عليه وسلم فى حديث آخر : « الحج عرفة » أخرجه أحمد وأصحاب السنن . ،
فهو لا يلغى سائر الأركان وإنما يدل على أن أهمها وأعظمها الوقوف بعرفة
وكذلك الأمر بالنسبة للدعوة والنصيحة فى دين الله .
عن النعمان بن
بشير عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : « مثل القائم على حدود الله
والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة (استهموا على سفينة : اقترعوا على
أماكن نزولهم فيها ، ليعرفوا من ينزل أسفل ، ومن يصعد أعلى) ، فأصاب بعضهم
أعلاها ، وبعضهم أسفلها ، فكان الذين فى أسفلها إذا استقوا من الماء
مرُّوا على من فوقهم ، فقالوا : لو أنا خرقنا فى نصيبنا خرقًا ولم نؤذ من
فوقنا ؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا وهلكوا جميعًا ، وإن أخذوا على أيديهم
نجوا ونجوا جميعًا » أخرجه البخارى وغيره.
ونأخذ من هذا الحديث
أهمية القيام بواجب الدعوة ، والأخذ على يد العابثين والمفسدين ، وأن ذلك
يمثل صمام الأمان للمجتمع بأسره ، وإلا عمت البلوى ، وفشت الضلالة ، وحاق
العذاب بالطالحين والصالحين على السواء ، وصدق الله تعالى إذ يقول : (
وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً
وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) سورة الأنفال – الآية 25.
وكما نبه القرآن الكريم المسلمين إلى ضرورة القيام بواجب الأمر بالمعروف
والنهى عن المنكر ، وعدم التهاون فى هذا الجانب حتى لا تنالهم اللعنة كما
نالت بنى إسرائيل ورد فى السنة ما يؤكد هذا المعنى أيضًا ، فقد ورد فى
الحديث أن الرجل كان يلقى أخاه من بنى إسرائيل على المعصية فيقول : يا هذا ،
اتق الله ودع ما تصنع فإن هذا لا يحل لك ؛ ثم يلقاه من الغد ، فلا يمنعه
ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده ، فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم
ببعض ، وفى هذا يقول ربنا : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي
إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا
عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ
فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ
يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ
أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ
خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا
أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً
مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) سورة المائدة – الآية 78 – 81 .
ثم قال
صلى الله عليه وسلم : « كلا والله لتـ أمرن بالمعروف ، ولتنهون عن المنكر ،
ولتأخذن على يد الظالم ، ولتأطــرنه على الحق أطـرًا ، ولتقصــرنه على
الحق قصــرًا ، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض ، ثم ليلعنكم كما لعنهم
» أخرجه أبو داود والترمذى ، وقال : ” حديث حسن.
ونؤكد كذلك على
مكانة الدعوة فى دين الله من خلال السنة ، بما ورد من حرص النبى صلى الله
عليه وسلم على لفت أنظار أصحابه إليها ، وذلك عند مبايعته لهم أول عهدهم
بالإسلام .
فعن جرير بن عبد الله البجلى قال : ” بايعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والنصح لكل مسلم “
أخرجه البخارى ومسلم .
وعن عبادة بن الصامت صلى الله عليه وسلم
قال : ” بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فى العسر
واليسر ، والمنشط والمكره ، وعلى أثرة علينا وعلى أثرة علينا : يعنى
الإيثار ، وهو ضد الأثرة ، وألا ننازع الأمر أهله ، إلا أن تروا كفرًا
بواحًا عندكم من الله فيه برهان ، وعلى أن نقول الحق أينما كنا ، لا نخاف
فى الله لومة لائم “ أخرجه البخارى ومسلم .
والأحاديث الدالة على مكانة الدعوة فى دين الله كثيرة جدًا ، لكننى أكتفى بما ذكرت ، ففيه الكفاية للدلالة.
من خلال ما عرضناه سابقًا يتضح لنا أن الدعوة إلى الله تعالى تحتل فى دين الله أسمى مكانة وأرقى منزلة .
ويمكن الاستدلال بكل ما أوردناه من أدلة على حكم القيام بالدعوة ، وأنها
ليست أمرًا ثانويًا ، أو عملاً تطوعيًا ، بل هى من صميم الواجبات ومن ألزم
الفرائض ، وهو ما أكد عليه علماء الأمة وفقهاؤها .
يقول الإمام
النووى : ” تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الكتاب والسنة
وإجماع الأمة “ شرح النووى على صحيح مسلم ، جـ2 ص22 .
وفيما يلى نتعرف على بعض الأدلة التى تدل على وجوب القيام بالدعوة إلى الله ، إضافة إلى ما سبق ذكره فى النقطة السابقة .
قول الله تعالى : ( وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى
الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) سورة آل عمران – الآية 104 .
فقوله : ( وَلْتَكُنْ ) فعل مضارع مقترن بـ لام الأمر ، وهى صيغة من صيغ الوجوب .
والراجح فى قوله : ( مِنْكُمْ ) أنها للبيان وليست للتبعيض ، كما تقول
لشخص ما : أريد منك رجلاً صالحًا ، أى أريد أن تكون صالحًا ، وعلى هذا يكون
الوجـوب عينيًا على كل مسلم ، وليس مكلفًا به بعضهم فقط .
ويرجح ذلك عدة أدلة :
أن النبى صلى الله عليه وسلم طلب من كل مسلم أن يسهم بقدر استطاعته فى
إزالة المنكر ، ولم يعف من ذلك أحدًا ، ففى الحديث عن أبى هريرة صلى الله
عليه وسلم قال : ” قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من رأى منكم
منكرًا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك
أضعف الإيمان » ، وفى رواية : « وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل » رواه
مسلم ، ورود العديد من الآيات التى تأمر النبى صلى الله عليه وسلم بالدعوة
إلى الله تعالى وذلك كقوله تعالى : ( وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلا
تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) سورة القصص – الآية 87
وقوله
تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ
الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) سورة النحل – الآية
125 ، والقاعدة أن كل تكليف للرسول صلى الله عليه وسلم هو تكليف لأمته ما
لم يرد نص يفيد خصوصية النبى صلى الله عليه وسلم دون سواه ، وليس هنا شىء
يفيد هذا التخصيص ، فيبقى الأمر على عمومه لجميع المسلمين .
فإن
قيل إن الدعوة إلى الله شرط لها العلم ، وهذا يفيد أن الأمر على الكفاية لا
على العين ، بحيث لو قام به البعض سـقط الإثم على الباقين ، أجيب بأن
العلم ليس شيئًا واحدًا لا يتجزأ ، بل هو بطبيعته يتجزأ ، وعليه فإن من علم
مسألة من الدين – وإن قلَّتْ – صار عالمًا بها ، وأصبح لزامًا عليه
تبليغها ، ويؤيد ذلك قول النبى صلى الله عليه وسلم : « بلغوا عنى ولو آية »
أخرجه البخارى ، وقوله : « ليبلغ الشاهد منكم الغائب » أخرجه مسلم .
ونستخلص من هذا أن الدعوة إلى الله تعالى فرض على كل مسلم ومسلمة بالقدر
الذى يعلمه كل فرد ، وأهل العلم يتميزون فى هذا المجال لا بأصل التكليف ،
وإنما بما يُحْتَاجُ فى فهمه من مسائل الدين إلى فقه ومعرفة وإلمام
بالأحكام وغيرها .
يستدل أيضًا على وجوب الدعوة بقول الله تعالى :
( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ
وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ
أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ * إِلاَّ
الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ
عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) سورة البقرة – الآية 159 ،
160 .
وبقوله تعالى : ( كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ). سورة المائدة – الآية 79 .
ففى الآيتين الكريمتين تهديد ووعيد لمن تمكَّن من معرفة أى شىء من الحق ، ثم اتصف بالسكوت حيال ما يراه من منكر يشيع
أو معروف يضيع ، وأن المخرج الوحيد للمرء من استحقاق اللعن أن يبادر
بالتوبة والإصلاح ، والجهر والبيان لكلمة الحق ، والدعوة إلى ما فيه مرضاة
الله رب العالمين ، دون اعتماد على أن غيرنا سيقوم بهذا الواجب عنا ، وهذا
كله مما يفيد الوجوب .
ومن أدلة السنة على وجوب الدعوة إلى الله تعالى – إضافة إلى ما سبق – نختار ما يلى :
قوله صلى الله عليه وسلم : « من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده … » إلى آخر الحديث ، وقد مر بنا قريبًا .
ووجه الدلالة على وجوب الدعوة من هذا الحديث أن لفظة (مَنْ) من ألفاظ
العموم ، ويشمل هذا اللفظ كل مسلم ومسلمة ، إذ فى إمكان أى أحد أن يواجه
المنكر بإحدى الوسائل المشار إليها فى الحديث ، فإذا لم يتحرك المسلم ليغير
ما يراه من منكر – ولو بالقلب – ليس الإنكار بالقلب كما يتخيل البعض
عملاً سلبيًا يحمل الشخص على عدم الرضا مع مشاركته للعاصين ، وإلا ما رتب
عليه النبى إمكانية التغيير به فى الفعل ، بل هو قيمة إيجابية تتمثل فى
مقاطعة العصاة ومجالسهم ، وإعلان عدم الرضا بصـورة عملية ، ولو أن كل شخص
فعل ذلك مع العصاة لفضحت مسالكهم ، وحملهم ذلك على تغيير تصرفهم حتى لا
يفقدوا أبناء المجتمع كله إذا وجدوا أن الجميع قاطعهم فقد لزمه الإثم ،
وانتفت عنه صفة المؤمن الكامل .
وقد جاء فى إحدى روايات هذا
الحديث عند الإمام مسلم : « فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بلسانه
فهو مؤمن ، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ، ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل »
.
يضاف إلى ذلك ما سبق ذكره من دعوة النبى صلى الله عليه وسلم
أصحابه إلى تبليغ دعوة الله إلى من سواهم ، وجاءت دعوته تلك فى حجة الوداع ،
حيث اجتمعت الألوف بين يديه ، بدأ خطابه بقوله : « أيها الناس اسمعوا قولى
، فإنى لا أدرى ، لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا … » إلى آخر الحديث .
فكان فيما قال صلى الله عليه وسلم : « ألا فليبلغ الشاهد الغائب » سبق تخريجه .
ونظير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : « بلغوا عنى ولو آية » سبق تخريجه.
والأمر يقتضى الوجوب ، وعدم تحديد فئة معينة بهذا الأمر يقتضى العموم .
ونستخلص مما سبق أن الدعوة إلى الخير ، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر
فرض حتم لازم على كل مسلم ، وهو ما يدل عليه ظاهر النصوص من القرآن الكريم
والسنة المطهرة ، وما يدل عليه عمل النبى صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام
والأجيال الصالحة التى تلتهم ، وهو ما أمرت به آية سورة يوسف : ( قُلْ
هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ
اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) سورة
يوسف – الآية 108 .
فمن أهمل القيام بهذا الواجب ، وتعمد ترك هذه
الفريضة فقد فاته شرف الانتساب إلى سبيل النبى صلى الله عليه وسلم ، والذى
لا ينال إلا بالدعوة إلى الله على بصيرة ، كما هو صريح الآية .