شباب الصحوة الإسلامية وأولويات المرحلة المقبلة
============================
لا يخفى على أحد صعوبة الظرف الذي تمر بها بلادنا ، وطبيعة المرحلة التي
حلت بنا ، وبينما كان لكم أيها الشباب الطاهر دور كبير في تحطيم قيود
الطغيان فالدور الأكبر ينتظركم في إعادة
الإصلاح والبناء ، وأخصكم بالذكر هنا شباب الصحوة الإسلامية فإن العيون
ترقبكم والآمال معقودة عليكم أكثر من غيركم ، وليس ما يتمناه الصديق لكم
كما يتطلع إليه الخصم فيكم .
♦ بين العزة والانكسار:
أيها الشباب : أظهروا كيف يكون الانكسار لله ، حببوا التدين في عيون
أقرانكم ممن لم يسلك دربكم ، أروا الناس منكم خيرا ، اضربوا كريم الأمثلة
للشباب الملتزم الذي لم تدفعه تقلبات الأحداث إلا لمزيد من الإحساس
بالمسؤولية ، والارتفاع فوق نشوات النصر الفارغة . ولتضعوا نصب أعينكم صورة
ذلك الرجل القرآني سالم مولى أبي حذيفة رضي الله عنه : ( حين قال له
أصحابه وقد أوكلت إليه راية الجهاد في معركة يا سالم : نخشى أن نؤتى من
قبلك . فقال تقولون ذلك : بئس حامل القرآن أنا إن أوتيتم من قبلي ) تذكروا
كيف لم تدفعه قرآنيته إلى غرور زائف أودعوى العصمة المرفوضة ، بل كان
مدركاً خطر المسؤولية وضخامتها كون حامل القرآن عار عليه أن يكون ثغرة
العدو إلى أهل الإيمان ، أو نافذة الضعف في صفوف الموحدين ، ورحم الله
الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين كان يدعوا قائلاً ( اللهم إني
أشكوا إليك من قدرة الفاجر وعجز الثقة ) !!!
♦ مأساة الخلاف بين العاملين للإسلام:
أيها الشباب : لا تشرحوا بتفرقكم صدور خصومكم : فأن أفضل ما تهدونه
لخصومكم أن تتفرقوا على الحق بينما هو يتآلف على الباطل ، اجعلوا ما بينكم
من تباين اختلافا لا يفسد للود قضية ، تغلبوا على نزغ الشيطان بالحب
والتآخي في ذات الرحمن وتذكروا جواب نبي الله هارون عليه السلام حين عاتبه
سيدنا موسى عليه السلام على ما اعتبره تقصيرا منه في مواجهة ما حل ببني
إسرائيل من انحراف عن التوحيد بعده فرد عليه هارون معتذراً ( لا تأخذ
بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي )
وفي موضع آخر يكشف عذراً آخر قائلاً : ( قال ابن أم إن القوم استضعفوني
وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين ) فانظر
رعاك الله كيف نبه أخاه إلى أن هذا الخلاف العارض بينهما باعث على شماتة
الأعداء فيهم وشرح صدور هؤلاء الظالمين .
♦ منزلقات على طريق العمل الإسلامي:
أيها الشباب : لا تغلوا في اتباعكم ولا تضربوا حول من تناصرون من هالات
التقديس ما لا يقره الشرع أو يقبله العقل ، فإن المغالاة في الاتباع ضياع
المتبع وطغيان المتبوع ، وهل ضاع أسلافنا إلا عندما أفرطوا في الانقياد
الأعمى وغلو السمع والطاعة فتهيبوا الصدع بالحق مخافة إغضاب عظمائهم
فاستخفوهم أسوأ الاستخفاف ، فأين أنتم وهم من المعصوم صلى الله عليه وسلم
شاور الناس ونزل على أقوالهم غير مرة ، بل روجع في الرأي من قبل صحابته فما
تحرج ولا استنكف عن القبول ، بل عوتب في اجتهاده من ربه – غير مرة –
بأشرف عتاب وألينه في عبدالله بن أم مكتوم وأسارى بدر ، وكذا ناصح أتباعه
وعاتبهم وأخذ عليهم ، ولم يحمله قرب أو حب لأحدهم أن يسكت على باطل أو
يتهاون في حق ، فنشأ أتباعه على لزوم الحق أينما كان ، وها هو عمر بن
الخطاب رضي الله عنه في بدء خلافته يصعد المنبر مخاطباً رعيته : ( يا معشر
المسلمين , ماذا تقولون لو ملت برأسي إلى الدنيا … ؟ إني أخاف أن أخطىء
فلا يردني أحد منكم تعظيما لي , إن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني , فقال
رجل : والله يا أمير المؤمنين لو رأيناك معوجا لقومناك بسيوفنا ) , وعندها
أجاب الخليفة الراشد والفرحة تغمر فؤاده قائلا : ( رحمكم الله والحمد لله
الذي جعل فيكم من يقوّم عمر بسيفه ) ولا نعرف في تواريخ الأمم ومطاوي سجلات
الحكام العادلين منهم والجائرين من يفرح بوعيد رعيته له إن مال أو قسط ،
بل يحمد ربه على أن رعيته لا تتهيب نصحه وتقويمه .
♦ أبجديات في مداواة النفوس:
أيها الشباب : لينوا لإخوانكم ولا تنفروهم من تدينكم ولا تبغضوا الله إلى
خلقه ، وتفهموا بشرية الناس وطينية مبتدأهم ، احنوا على المخطئين منهم
وانصحوا للعاثرين ،ولا تكونوا أعواناً للباطل عليهم ، بل أعينوهم على
الأوبة إلى الله بدعوة صادقة أو رحمة خالصة .: روى الإمامان البخاري ومسلم
في صحيحيهما عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ اضْرِبُوهُ قَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِيَدِهِ وَالضَّارِبُ بِنَعْلِهِ
وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ
أَخْزَاكَ اللَّهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا تَقُولُوا هَكَذَا لَا تُعِينُوا عَلَيْهِ الشَّيْطَانَ وفي
رواية لأبي داوود في سننه أنه قال صلى الله عليه وسلم ِ بَعْدَ الضَّرْبِ
لِأَصْحَابِهِ بَكِّتُوهُ فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِ يَقُولُونَ مَا اتَّقَيْتَ
اللَّهَ مَا خَشِيتَ اللَّهَ وَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَرْسَلُوهُ وَقَالَ فِي آخِرِهِ
وَلَكِنْ قُولُوا اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ )
↙↙↙ إن نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم هنا ينبه أمته في هذا الموقف على جملة لوازم :
ـ لابد من إقامة الحد تأديباً للعبد الآثم وعلاجاً لسلوكه المنحرف وترهيبا من محاكاة الخلق له.
ـ إقامة الحد على ذلك العُبيَدِ الضعيف لا تنزع عنه إخوة الإيمان ولا العبودية للواحد الديان.
ـ أشرك المصطفى الناس في تنفيذ هذا التعزير المقدور بلاغاً لهم ولمن ورائهم بيانا لمغبة الخطيئة.
ـ ما زال ذلك العبد أحوج الناس إلى عون إخوانه ودعائهم لا تبكيتهم وملامتهم على ضعفه.
ـ كان كتم اسم ذلك المحدود لونا من الأدب والأخوة القاضية بستره حتى عن قراطيس التاريخ.
ـ شفقة العباد على العاثرين ألزم طالما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم عليهم أشفق وبهم أرحم.
فهل من عود لذلك النبع الصافي والمشرب العذب ، لندرك أننا لسنا أغير على
الدين من رب الدين سبحانه ، ولا يصح أبداً أن نحتكر الإخلاص للدعوة أو أن
نزعم الحرص عليها أكثر من غيرنا . كما لا يسوغ لطرف أن يتوعد خصمه بالنار
أو أن يرميه بالكفر والإلحاد لمجرد خلاف في الرؤية أو المسلك ، فذلك افتئات
على الغيب غير مشروع ، ودغدغة خطرة لعواطف الدهماء غير مقبولة ، والله
نسأل إيماناً ويقيناً يجنبنا الزلل والخطأ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب
العالمين.