(مقومات الخطيب الناجح)الحلقة الثانية
خصائص خطبة الجمعة :
أخى الداعية:مازلنابحمدالله وتوفيقه نواصل الحديث عن ما بدأناه فى الحلقة السابقة من سلسلة (مقومات الخطيب الناجح)ونتعرف بإذن الله تعالى فى هذه الحلقةعلى خصائص خطبة الجمعة .
أخى الداعية :تعد خطبة الجمعة من أهم - إن لم تكن أهم - وسائل الاتصال بالناس ، وأعظمها أثرا ، فهي تتميز عن غيرها من الوسائل كالتلفاز ، والإذاعة ، والهاتف ، وغيرها من وسائل الاتصال الجماهيري بعدة مزايا ، منها :
1- الجو الروحاني الذي تتم فيه الخطبة ، فهي تتم في بيت من بيوت الله تعالى تعمره السكينة ، وتغشاه الرحمة ، ويغمره الخشوع ، وتحفه الملائكة الأطهار ، ففي الحديث الثابت عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده »رواه مسلم.
وهذا ينطبق على خطبة الجمعة ، فالحضور في بيت من بيوت الله ، إما يتلون كتاب الله تعالى قبل الخطبة ، فتتنزل السكينة عليهم ، وتعمهم رحمة الله تعالى ، وتحيط بهم الملائكة ، ويذكرهم الله تعالى في ملأ خير من ملئهم ، تباهيا بهم ، وتشريفا لقدرهم ..
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « " إن لله تعالى ملائكة يطوفون في الطرق يلتمسون أهل الذكر ، فإذا وجدوا قوما يذكرون الله عز وجل تنادوا : هلموا إلى حاجتكم ، فيحفونهم بأجنحتهم إلى السماء الدنيا . . . » الحديث (رواه مسلم) .
وعن أبي هريرة (رضي الله عنه) في فضل التبكير إلى الجمعة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « " من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ، ثم راح فكأنما قرب بدنة . . . » الحديث ، وفيه : « فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر » (رواه البخارى) والمراد بقوله : إذا خرج الإمام ، أي خرج للناس وصعد المنبر ، بدليل قوله : يستمعون الذكر ، وحسبك باجتماع تشارك الحضور فيه ملائكة الرحمن يستمعون الخطبة فيه مع المصلين .
فمثل هذا الجو الروحاني الخاشع الذي بيت الله مكانه ، وأفضل الأيام زمانه ، وأكرم الحضور حضوره ، لا يتأتى في وسيلة اتصال أخرى .
2- وجوب الإنصات الذي يميز الحاضرين في خطبة الجمعة ، فقد أمر الحاضر للخطبة بالإنصات للخطيب ، بحيث إنه نُهي أن يتكلم مع جليسه بكلمة ولو كانت خيرا ، فلا يقول له : أنصت ، وعدم جواز تشميت العاطس ، ورد السلام على الأرجح ، ولا يمس الحصى ، أي لا يأتي بأي قول أو فعل يقدح في تمام الإنصات والاستماع حتى يكون كامل الاستعداد للتلقي والإفادة مما يسمع ، فإن الاستماع سلم الوعي والفهم ، قال تعالى : { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ } [الزمر- 18] .
وقال جل وعلا في شأن موسى عليه السلام : { وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى } [طه- 13] .
قال وهب بن منبه : أدب الاستماع سكون الجوارح ، وغض البصر ، والإصغاء بالسمع ، وحضور العقل ، والعزم على العمل ، وذلك هو الاستماع لما يحب الله .
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخطب الجمع أمر من يستنصت له الناس .
قال الامام البخاري (رحمه الله) : (باب الإنصات للعلماء) ثم روى حديث جرير ابن عبد الله البجلى (رضي الله عنه) « أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في حجة الوداع : " استنصت الناس " ، فقال : " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض » .
أما في خصوص الجمعة ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : « " إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت » (رواه البخارى ومسلم) .
قال ابن القيم (رحمه الله)فى كتابه الماتع زاد المعاد : الخاصة التاسعة- أي : من خصائص الجمعة- الإنصات للخطبة إذا سمعها وجوبا في أصح القولين ، فإن تركه كان لاغيا ، ومن لغا فلا جمعة له .
وعن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « " من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ، والذي يقول له أنصت ، ليست له جمعة » (رواه أحمدوأبوداوود) .
3- شعور المرء وهو يستمع إلى الخطبة أنه في عبادة ، وطاعة لله عز وجل ، بل الشعور بأنه يقوم بأداء فريضة من الفرائض وإظهار شعيرة من الشعائر الإسلامية ، مما يميزها عن أي محاضرة ، أو ندوة ونحوها ، وهذا الشعور يضفي على المرء قدرا من المهابة والخشوع ، ويحدث في نفسه قدرا من الطمأنينة والسكينة ، ومزيدا من الرضى والسعادة .
4- وجوب حضور المسلمين إليها " فالمسلمون على اختلاف طبقاتهم ، ومستوياتهم التعليمية يحضرون هذه الخطبة ، ويشهدون الصلاة ، فيحضرها المثقف والأمى ، والمتوسط الثقافة ، والعالم ، ويحضرها الكبير والصغير ،وهذا يتيح للخطيب أن يخاطب الجميع ، وأن يتحدث إلى الكثير ممن لا يحضرون المحاضرات والندوات ، ودروس المساجد ، فهي تعد من المجالات القليلة جدا التي يتاح للدعاة من خلالها أن يتحدثوا مع الجميع .
5- استمرارية التواصل ، فخطبة الجمعة تتكرر كل أسبوع ، ففي العام الواحد يستمع المصلي لثنتين وخمسين (52) خطبة، وحين يعتني بها الخطيب
ويرتب موضوعاتها يقدم للمستمع مادة متكاملة ، إنها تمثل دورة مكثفة مستمرة ، وهذا التكرار والاستمرار في كل الظروف ، وفي جميع الفصول والمواسم ، له دور كبير في إرساء المفاهيم الإسلامية ، وتقليل الشر والفساد ، ورفع مستوى الخير والصلاح ، والحث على الفضائل ، فإن تنوع الموضوعات لخطبة الجمعة يجعلها تستوعب متطلبات الوعي لدى المسلم المواظب على حضور هذه الخطبة ، فهناك الموضوعات السياسية التي تبصر المسلم بواقع أمته ، وهموم مجتمعه ، وحقوق إخوانه المسلمين ، وهناك الموضوعات الاجتماعية التي تتناول حياة المسلم في جوانبها الاجتماعية المتنوعة ، وعلاقات المسلم المختلفة ، وهناك الموضوعات الأخلاقية التي تسمو بخلق المسلم وتزكي سلوكه ، وهناك الموضوعات المتعلقة بتصحيح العقيدة ، وتجنب الشرك بأنواعه وألوانه ، وما يصون إيمانه ، ويحمي جناب التوحيد عنده ، وهناك الموضوعات التي تبصر المسلم بفقه دينه ، ومعرفة الأحكام الشرعية في شؤون حياته المختلفة وما يجنبه من الوقوع في الحرام ، وما يسخط الله تعالى.
والى اللقاء مع الحلقة القادمةبإذن الله تعالى ومع(كيف تكون الخطبة مؤثرة)فانتظرونا******
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
زاد المعاد ( 1 / 377)
تفسير البحر المحيط (6 / 231)
(مجلة البيان ع / 65 ص / 20) بتصرف يسير ) .
. خطبة الجمعة ودورها في تربية الأمة لعبد الغني أحمد جبر مزهر(بتصرف )